في زيارته لغزة هذا الأسبوع, قال سلام فياض من ضمن ما قال “يجب ضمان حقوق الشعب الفلسطيني ومن ضمنها عودة جميع من نزحوا عام ٦٧ الى أراضيهم وقراهم. هذه إذن الرسالة الرئيسية في حديث فياض لأهل قطاع غزة والذي يشكل اللاجئون أكثر من الثلثين من عدد سكانه. أما باقي ما ذكر فياض فهو حشوات أو رسائل جانبية تدعم الرسالة الرئيسية. والزيارة بحد ذاتها هي اختبار لمدى قبول الفلسطينيين في غزة له وإعادة ترميم لشخصيته وللدور المطلوب منه في هذه المرحلة. ولم يأت اعتراض فتح على زيارة فياض والهجوم عليه الا من باب احساس الطامحين في الحركة لخلافة أبو مازن بأن سلام فياض عاد لينافس الرؤوس الكبيرة ويحاول انتزاع أهم منصب في السلطة. فالتصريحات تركزت على الشخص وليس على ما حمل من أفكار.
التنازل عن حق العودة وفق قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي هو ورقة اعتماد سلام فياض لدى إسرائيل, فإن نجح بتمرير هذا القبول فلسطينياً فقد نجح في اختبار الزعامة إسرائيلياً ودولياً.
التصعيد الإسرائيلي الحالي والإعدام الميداني اليومي للأطفال والشباب المترافق مع محاولات ابتلاع الحرم الشريف, ما هي الا خطوات لاقناع الشعب الفلسطيني بقبول ما يعرض عليه من فتات, وسيتيح لقيادة السلطة العذر اللازم لتقديم المزيد من التنازلات وفي هذه الحالة حول القدس وحق العودة. فاذا ما ضمنت إسرائيل ذلك ستتحرك الأطراف الدولية لإعادة إحياء المفاوضات. على أي أساس؟ لن يكون أساسها لا قرارات الأمم المتحدة ولا حتى أوسلو, بل سيكون أساسها وثيقة أبو مازن - بيلين لعام 1995, والتي تنازل فيها أبو مازن وفريقه فيها عن حق العودة والسيادة على القدس الشرقية مقابل قبول إسرائيلي بمبدأ حل الدولتين (دولة فلسطينية منزوعة السلاح وحدود سيادتها تماثل تلك للفاتيكان). وحين حاول الوفد الإسرائيلي الضغط على أبو عمار في مفاوضات كامب ديفيد وقالوا له أن أبومازن وافق على السيادة الإسرائيلية على القدس, قال لهم إذن اذهبوا وتفاوضوا مع أبو مازن.
وفعلاً انطلقت مفاوضات أبو مازن وإيهود أولمرت على أساس تلك الوثيقة في العام 2007 وكاد أن يحصل إتفاق بين الرجلين, الا إن إسرائيل أطاحت بأولمرت وعادت لتبدأ من جديد. فكل تنازل فلسطيني وإن لم يكن موسوماً بتوقيع, هو انجاز لإسرائيل على حسابنا وتقوم بالبناء عليه لتحصل على مزيد من التنازلات في الجولات القادمة سواءاً كانت جولات تقتيل في الفلسطينيين أو تفاوض مع زعمائهم. فليس من العبث أن أسقط أوسلو أي ذكر للدولة الفلسطينينة بينما أكد على تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني. تمثيل المراد منه ليس استرجاع الحقوق, بل عنوان للتنازل عن الحقوق.
أبو مازن ومجموعة مستشاريه لا يطلعون أحداً على ما يخططون أو على اتصالاتهم مع الإسرائيليين أو مع غيرهم. فحتى أعضاء اللجنة التنفيذية لا يعرفون بما يدور من حولهم حسب تقديري. واجتماعات اللجنة التنفيذية هي عبارة عن جلسات استماع لأوامر ورغبات الرئيس أبو مازن ولا يملك أي منهم القدرة على الاعتراض أو طلب المزيد من التوضيحات.
دعوة أبو مازن لعقد جلسة للمجلس الوطني في أغسطس الماضي كانت ولا زالت دليلاً على ذلك. ولاعطاء كل ذي حق حقه, الجبهة الشعبية فقط هي من استطاعت افشال الدعوة المتسرعة لعقد المجلس الوطني وتم التأجيل. بينما هرولت معظم الفصائل الأخرى لقبولها وبدأت بالتحضيرات وقامت بتسمية مندوبيها للمجلس الوطني, تحت حجج مثل تجديد هيئات المنظمة وإعادة إحياء مؤسساتها. إصرار عباس على عقد الجلسة في الضفة الغربية سيتيح له ولإسرائيل التحكم في نوعية وحجم الحضور بما يضمن له الأغلبية للمصادقة على مشاريعه التي سيكون أهمها التنازل عن حق العودة. أما القدس, فهي بيد الإسرائيليين كما قال نتنياهو ولا حاجة الآن لتنازل فلسطيني. يتوجب هذا بعض السنين حين يكتمل تهويد المدينة وطرد المزيد من أصحابها.
رغم أن قيادات معظم الفصائل الفلسطينية منهمكة في تبرير سياسات عباس إلا أن الثقة كبيرة وفي محلها في السواد الأعظم من قواعدها. ولكن هذا يتطلب تحركاً من أعضاء هذه الفصائل للضغط على قيادتها بالالتزام بحق العودة والقدس. يتطلب هذا عملية تنقيح لممثليهم في المجلس الوطني على أساس النزاهة والالتزام بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف حسب القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. يتطلب ذلك أيضاً رهن الموافقة على حضور جلسة الوطني بوضع أجندة واضحة لأعمال المجلس ودراسة مشاريع القوانين المقترحة قبل انعقاد الجلسة. التجربة علمتنا أن جلسات الوطني كانت جلها يحمل تنازلات جديدة, ابتداءاً بالنقاط العشر في السبعينات ومروراً بقبول حل الدولتين في الثمانينات وانتهاءاً بتعديل الميثاق الوطني في التسعينات. أما الآن فقد جاء الدور على حق العودة. التحرك واليقظة الشعبية مطلوبان بشدة في هذه المرحلة ليعلم أولئك القابضين على مؤسسات منظمة التحرير أن الشعب الفلسطيني قادر على حماية حقوقه ولجمهم.
كذلك نعلم أن السلطة قادرة على تأمين غالبية مؤيدة لقراراتها في حال عقد الجلسة (أحد أسباب التأجيل عدم ضمان الأغلبية), لذلك يجب العمل على عدم الرضوخ لقرار عباس بعقد الوطني في الضفة الغربية, والمطالبة بعقده في غزة أو دولة عربية مع ضمان مشاركة الجميع وبنسب تمثيلية معقولة لقطع الطريق عن أي تنازل جديد, بل لتقوية مؤسسات المنظمة والارتقاء بدورها والحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني كما تكفلها الشرعة الدولية.


