الأطفال تحت سن 18 هم الجزء الحيوي في كل المجتمعات، وفي المجتمع الفلسطيني – حدود 67 فقط - يشكلون ما نسبته 48% او 2.08 مليون طفل من العدد الاجمالي للسكان. وبمقياس التطور والتغيير فإن هذه الفئات العمرية تشكل عنوان التقدم، وعبرها يتم استشراف المستقبل وقياس الحاضر والحكم على المجتمعات ايجابا وسلبا، ومن الطبيعي ان تكون هذه الفئات العمرية محط الاهتمام والاستثمار في مجال التعليم والعلم والتنمية البشرية والإبداع الفني والرياضة وغير ذلك.
قد لا نختلف في شأن تعرض أطفالنا لانتهاكات فادحة لحقوقهم، ولاعتداءات وحشية مؤلمة جدا، ولسياسات عنصرية خطيرة، من قبل سلطات الاحتلال الاسرائيلية. لكننا قد نختلف في الاقرار بوجود مشاكل كبيرة وحقيقية في تعامل المجتمع الفلسطيني مع أطفاله بمعايير التربية والرعاية والتطوير، وبمعايير الحماية المجتمعية في مواجهة التهديد والخطر الاسرائيلي. الهبة والصراع المحتدم الراهن كشفا حقيقة الموقفين والتعاملين الاسرائيلي والفلسطيني.
وإذا كان الانتهاك الاسرائيلي الفادح لحقوق الاطفال غير مفاجئ سيما ونحن أمام دولة وضعت نفسها فوق القانون الدولي، وتحظى بميزة غض الطرف عن انتهاكاتها من قبل كبار الدول وصغارها، فإن تكرار الاساليب والمفاهيم الخاطئة من قبل المجتمع الفلسطيني وحركته السياسية يعد بمقاييس التعلم الشرطي وغير الشرطي مصيبة.
التوثيق بالصورة والصوت، وبالحصيلة الاجمالية لعدد الاطفال الضحايا، يغني الى حد كبير عن تحليل الموقف الاسرائيلي، فهذه صورة الطفل معاوية علقم (12 سنة) يرتدي سترة « زي السجن» اكبر من طوله وعرضه، حيث يقفز المحتلون عن طفولته بإقحامه بملابس الكبار، ويضعونه مع غيره من الاطفال في سجون الكبار، ويعامل كما الكبار، ويحاكم كما الكبار، وقبل اسابيع سَرَّبَ الامن الاسرائيلي فيلما دراميا يعرض لونا من التحقيق القهري المعتمد على الضغط النفسي، الذي تعرض له الطفل أحمد مناصرة (13 عاما)، وكانت وظيفته ترهيب الأطفال وذويهم، وقبل أيام «قام رجل أمن اسرائيلي في القدس بإطلاق النار على الطفلة «نورهان» عواد، (16 عامًا)، اثناء محاولتها طعن اسرائيلي فسقطت على الارض مصابةً وبلا حراك، لكن رجل الامن اجهز عليها وهي مصابة، وأطلِق النار على ابنة خالها «هديل» البالغة من العمر 14 عامًا التي جلست على الارض دون فعل شيء، لكن رجل الامن قام بقتلها، وفي اليوم السابق، أطلق الجنود النار على الطفلة «أشرقت قطناني» (16 عامًا) من نابلس، وأردوها قتيلة، بعد أن أصيبت جرّاء دهسها.
هكذا يتم إعدام اطفال ميدانيا بدون ان يشكلوا خطرا حقيقيا وبخاصة على الجنود ورجال الامن المحترفين، وكان يمكن السيطرة على الاطفال وتحييد «خطر»، السكين او المقص الذي يحملونه كما تقول المنظمات الحقوقية الاسرائيلية. لقد قتل جيش الاحتلال والمستوطنون 22 طفلا وطفلة في أقل من شهرين، انها الأوامر الجديدة التي تدعو إلى: «قتل كل من يشتبه به، لا يجب التحييد او الاعتقال او التقييد بل إطلاق النار حتى الموت» كما يقول مغيل عضو الكنيست الاسرائيلي»، والقوانين الجديدة التي صدرت عن الكنيست بقراءة اولى وتجيز محاكمة وسجن الاطفال أقل من 14 عاما، الاطفال عدو أحدث الجيوش الذي له سجل حافل «بالانجاز.
يقول تقرير صادر عن الحركة العالمية للدفاع عن الاطفال : قتل الجيش الاسرائيلي والمستوطنون 1996 طفلا فلسطينيا منذ عام 2000 وحتى شهر تشرين الثاني عام 2015 بينهم 551 طفلا اثناء عدوان ما يسمى «الجرف الصامد» و350 طفلا اثناء عدوان «الرصاص المصبوب». ومنذ عام 2000 تعرض 8500 طفل لاشكال من الاعتقال بتهمة إلقاء الحجارة. يذكر ان الحكومة الاسرائيلية صادقت على اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الامم المتحدة لكنها تعمل بنقيض بنودها في كل ما يتعلق بالاطفال الفلسطينيين، وتتبنى الحكومة سياسة الافلات من العقاب وعدم مساءلة كل اسرائيلي متهم بارتكاب جرائم بحق الاطفال الفلسطينيين. لم تلق السلطات الاسرائيلية القبض على المجرمين الذين احرقوا عائلة دوابشة، وفي مرات قليلة أصدرت احكاماً مخففة على قتلة أطفال.
ما يهم هو سؤال: لماذا يدخل الاطفال الى ساحات المواجهة المكشوفة مع قوات الاحتلال، في هذه الهبة وفي الانتفاضتين السابقتين وفي كل الاحتكاكات، القمع والاذلال والتمييز والحرمان من الحقوق ونهب الارض والارهاب والسيطرة والارغام، هذه السياسات التي تجسد اللاعدالة بكل صورها وأشكالها البشعة هي بمثابة عدوان دائم ومخيف يتواصل منذ عشرات السنين على الشعب ومن ضمنهم الاطفال، ولا يوجد لهذا الواقع المأساوي حل ومخرج ايجابي، ولا يوجد أمل بالحل، بل يتوفر المزيد من التهديد والوعيد من قبل كولونيالية متوحشة. من هنا، يبدأ الطفل بمغادرة طفولته وبتجاوزها، بالانتقال الى أدوار ومسؤوليات الكبار بدون ان يعي شروطها ومقوماتها، فالكبار يعرفون حدودا لتمردهم واحتجاجهم ومقاومتهم، يعرفون معنى ميزان القوى، لكن الأطفال لا يعرفون حدودا للعبتهم مع الاحتلال، فيتصدون للدبابة بحجر (نموذج الطفل فارس عودة) ويطاردونها كما يطاردون حيوانا بريا دخل الى شارعهم وأزقتهم، ويواجهون البنادق بصدور عارية، يهاجمون الحاجز العسكري المحصن، والجيبات العسكرية التي لا يخترقها الرصاص بحجارة لا تهدد العربات والحواجز. يجوز الاعتقاد هنا أن الاطفال يلعبون مع الجنود المحصنين والمدججين بالسلاح «لعبة الحرب» على طريقتهم الطفولية، يقابلهم الجنود بقتالهم «بقتال الاطفال» كما لو انهم يقاتلون كبارا، يقتلونهم، ويحطمون عظامهم، و»يأسرونهم». وإذا كان تجاوز الاطفال لطفولتهم يعبر عن مشكلة كبيرة، تساهم سياسات الاحتلال المستدامة في صناعتها، ويتحمل المسؤولية عنها المجتمع الفلسطيني -وهو ما سيتم مناقشته لاحقا-، فإن الرد العنيف لسلطات ومؤسسات وجنود وشرطة الاحتلال على الاطفال، يجسد الانحطاط والتوحش في عقيدة ذلك الجيش، فالرد على الاطفال وألعابهم «القتالية» لا يكون بهذه القسوة والدموية مهما بلغ استفزاز الاطفال، مقابل تعامل المؤسسة ذاتها بمرونة وأنسنة وهدوء وروية ولطف مع عربدة المستوطنين الكبار- وليس الاطفال- ومع إهانتهم لجيشهم وعناصر أمنهم، ومع خروجهم الدائم عن النظام والقانون، ومع ارتكابهم لجرائم الحرق والقتل بحق الفلسطينيين. سياسة عنصرية وكولونيالية متوحشة مع شعب مقابل سياسة الدفاع عن قتلة وسارقين للارض ومقتلعين للاشجار، سياسة الكيل بقانون الاحكام العرفية العسكرية ونفايات قوانين العهد العثماني والانتداب البريطاني في التعامل مع شعب وأطفال، والالتزام باتفاقية الطفل وحقوق الانسان في التعامل مع شعب آخر.
Mohanned_t@yahoo.com


