القس المحتلة / سما / أوّل مرّةٍ في تاريخ حكومات بنيامين نتنياهو الأربع، ينصاع الوزراء للأوامر التي أصدرها رئيس الوزراء بعدم التعقيب الرسميّ أوْ غير الرسميّ على حادث إسقاط الطائرة الروسيّة من قبل سلاح الجوّ التركيّ. وحتى اليوم، بعد مرور حوالي الأسبوع على الحادثة، التزمت تل أبيب الرسميّة صمت أهل الكهف، ولم يصدر أيّ تصريح من أيٍّ مسؤول، حتى بدون ذكر أسماء، للإعلام العبريّ أوْ العالميّ حول القضيّة، إلّا أنّ ذلك لم يمنع المعلقين الإسرائيليين من الإدلاء بموقف تل أبيب وتسريب التقديرات، حول مآلات وتبعات وتداعيات التوتّر بين موسكو وأنقرة.
في هذا السياق، وصفت القناة الثانية العبريّة في التلفزيون الإسرائيليّ، وصفت الموقف التركيّ بالمتراجع أمام الإصرار الروسيّ، مشيرةً في الوقت عينه إلى أنّ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بدأ يزحف بعد الإجراءات الروسية العقابية، وخاصّةً أنّ العقوبات الاقتصاديّة وبشكلٍ خاصٍ في القطاع السياحيّ، تؤذي كثيرًا الاقتصاد التركي، على حدّ تعبيرها.
علاوة على ذلك، لفتت القناة الثانية الإسرائيليّة إلى أنّ الردّ الروسي شمل أيضًا إجراءات ميدانية مرتبطة بحماية وجودهم العسكري في سوريّة، إلا أنّ هذه الإجراءات جاءت واسعةً جدًا، وهي غلاف حماية تجاوزت سوريّة وباتت أيضًا تُغطّي شمال إسرائيل وأربع قواعد جوية تركية. وفيما يتعلّق بسير العملية العسكرية التي تقودها روسيا في الشمال السوري، أشارت القناة إلى أنّ الروس يستهدفون بشكل ممنهج كل خطوط الدعم القادمة من تركيا باتجاه المعارضة المُسلحّة، والهدف واضح جدًا: إنهاء الدعم التركي للفصائل المسلحة.
بالإضافة إلى ذلك، ووفقًا للتلفزيون الإسرائيليّ، تقوم روسيا باستغلال حادثة إسقاط الطائرة لتحقيق أمرين اثنين: تقليص النفوذ والتأثير التركيين على مجريات العمليات القتالية في الشمال السوري، وأيضًا على طاولة المفاوضات السياسية، وإضعاف قوة المتمردين من الفصائل المرتبطة بالأتراك، على حدّ تعبيرها.
علاوة على ذلك، حذّر التلفزيون الإسرائيليّ من أنّ الفعل الروسيّ في الشمال السوريّ قد يمتد لاحقًا، وفي الوتيرة والقوة نفسها باتجاه الجنوب السوريّ، الأمر الذي سيتسبب بتداعيات على المصالح الإسرائيليّة، إذ من شأن إضعاف من أسماهم بـ”المتمردين” هناك أنْ يعزز الحضور الإيرانيّ وحزب الله.
أمّا أكثر ما يؤرق صنّاع القرار في تل أبيب فهو قيام روسيا بنصب صواريخ متطورّة ومتقدّمة من طراز إس400 على الأراضي السوريّة، فعلاوة على أنّ هذه المنظومة تحدّ بشكل كبيرٍ للغاية من حريّة طيران سلاح الجو الإسرائيليّ، نقلت صحيفة (يديعوت أحرونوت) عن مصادر أمنيّة، وصفتها بأنّها رفيعة المُستوى في تل أبيب، نقلت عنها قولها إنّ الخوف الإسرائيليّ الحقيقيّ يتمثّل في أنْ تُقرر روسيا إبقاء هذه المنظومة منصوبةً على الأراضي السوريّة، حتى بعد انتهاء العمليات العسكريّة للجيش السوريّ في هذا البلد العربيّ.وقال مُحلل الشؤون العسكريّة في الصحيفة أليكس فيشمان، عملنا جاهدين من أجل منع روسيا من تزويد إيران وسوريّة بمنظومة الدفاع إس300 فحصلنا على منظومة إس400 الأكثر تطورًا وتقدّمًا بالقرب من حدودنا، أيْ في سوريّة، على حدّ تعبيره.
إلى ذلك، قال المحلل الإسرائيليّ، تسفي بارئيل، من صحيفة (هآرتس) العبريّة، نقلاً عن مصدرٍ تركيٍّ، وصفه بأنّه رفيع المستوى، قوله إنّ إسقاط طائرة بهذا الشكل يُستعمل ضدّ دولة عدو، ولكن ليس ضدّ دولةٍ تُقسيم تركيّا معها علاقات، حتى لو كانت العلاقات بينهما متوترّة. وأضاف المصدر، الذي ينتمي إلى حزب (العدالة والتنميّة) الحاكم، أضاف قائلاً: يتخيّل ليّ أنّ أردوغان انتظر الفرصة، حتى يُثبت للأتراك بأنّه الزعيم وأعرب المصدر عن اعتقاده بأنّ تركيّا ستدفع ثمنًا غاليًا بسبب إسقاط الطائرة الروسيّة، على حدّ قوله للصحيفة العبريّة.
ولفت برئيل إلى إنّ الرئيس التركيّ رجب طيب أردوغان يُحاول تنصيب تركيا زعيمة للعالم الإسلامي، على حساب إسرائيل والدول الغربية، على حد قوله. وأضاف إنّ أردوغان قلق جدًا على الإسلام والمسلمين، ولكن هناك هوة عميقة بين الدفاع عن الإسلام وبين عرض تركيا زعيمة للعالم الإسلاميّ، بحسب تعبيره.
وأشار إلى أنّ الدفاع عن المسلمين بالنسبة لأردوغان ليس معزولاً عن الهجوم على إسرائيل. مُذكّرًا بأنّه وصف العدوان الإسرائيليّ على قطاع غزة في صيف العام الماضي بأنّه إرهاب دولة، وتابع بأنّ أردوغان يتطلّع إلى قيادة الدول الإسلامية. ولكنه سيجد منافسين مثل السعودية وإيران، فتركيا ما زالت تعدّ في ميثاقها دولة علمانية، ولا يستطيع زعيم دولة علمانية أن يكون زعيمًا للعالم الإسلاميّ.
ورأى برئيل أنّ الرئيس التركي لا يستطيع التفاخر بتمثيل العالم العربي، حيث إنّ بلاده ليست دولة عربيّة وعلاقتها مع معظم الدول العربية غير سوية، على حد قوله. وخلُص برئيل إلى القول إنّ المغامرة التي أدخل فيها أردوغان نفسه بقراره إسقاط الطائرة الروسيّة من شأنها أنْ يكون لها نتائج سلبيّة جدًا عليه، لأنّ هذا ما سيحدث دائمًا إذا تجرّأ أيّ زعيم في العالم في الدخول بمعارك مع الرئيس الروسيّ بوتن، على حدّ قوله.


