شكرنا أوروبا وامتدحناها هنا السبت الماضي تماماً في ذات الليلة ليلة الجمعة السبت، حين كانت «داعش» تضرب ضربتها في قلب فرنسا. صباح الخير يا فرنسا يا قلب أوروبا النابض يا فرنسا الجمهورية العظيمة بذاتها، فهل كان ثمة أوضح من هذه المفارقة؟ لتبين الخيط الأبيض من الأسود وحيث مرة أخرى هذه لحظة من الكشف والوعي للتحقق من اننا نحن الفلسطينيين يا أوروبا جيرانكم منذ الأزل، على هذه الحافة الجنوبية للمتوسط، من كنا المرة بعد المرة بعد المرة المتضررين والخاسرين من جراء هذا الإرهاب الأعمى، كما في فتح باطن الدولة العراقية قبل ذلك وبعده فتح باطن الدولة السورية.
أو ليس هذا هو الوقت لاستعادة الوعي الأخلاقي والسياسي والفلسفي لكيما يصار الى الاعتراف بالحقيقة، حقيقة ان الأب الشرعي لهذه الداعشية الإرهابية اليوم انما هي مظلومية القضية الفلسطينية، فهذه هي فلسطين المنسية في قلب الشرق الأوسط وهذا هو الشرق الأوسط وحاله اليوم.
نصف خطوة او خطوة جزئية وبدت كما لو انها على استحياء او خجل، بوسم المنتوجات الصادرة عن المستوطنات وليس حتى وقف استيرادها، ولكنها في هذه الصحيفة الفلسطينية وقد بدت وكأنها خطوة صغيرة باتجاه إنصافنا رفعنا لها القبعة، وقلنا: سلاما يا أوروبا الجميلة التي أخيرا أطلت علينا من نافذتها، وقد بدا في لحظة من شعورنا بالصدمة والإحباط صبيحة يوم السبت، بعد سلسلة الضربات الإرهابية المباغتة في باريس كما لو ان كل الوساوس الشيطانية والسوداء عن المؤامرات التي تحاك ضدنا، ترتسم أمامنا من جديد.
وفي الزاوية الأخرى من المشهد يا للهول، بدا كما لو ان بنيامين نتنياهو يكاد يرقص فرحاً وجذلا وشماتة، فهذا هو الخبر الجيد والمفرح أخيراً. هيا اذن لأخذ الصورة فوراً في نفس الكادر واللوحة التي يبدو فيها الرجل جنبا الى جنب مع فرانسوا هولاند وأوروبا الصديقة، في إطار هذه الأخوة من ممثلي العالم الحر والديمقراطي واحترام القانون وحقوق الإنسان، والمستهدفون جميعاً من هذه القوى الظلامية والإرهابية.
وهيا اذا للتأكيد على هذه الزمالة بارتداء قناع فرانسوا هولاند في قصر فرساي، والإعلان عن الحركة الإسلامية الجناح الشمالي بقيادة الشيخ رائد صلاح حركة خارجة عن القانون، وكما قامت الشرطة الفرنسية بمداهمة منازل المشتبه فيهم بضلوعهم في احداث باريس، قامت الشرطة الإسرائيلية فجرا بمداهمة 17 مؤسسة اجتماعية تابعة للحركة الإسلامية، لكيما يبعث برسالة الى العالم ومن يعنيهم الأمر، بأنني انا أيضا أواجه الإرهاب هنا، والإرهابيون هم الفلسطينيون والقضية الفلسطينية على حد سواء.
لكن «مسكين مروان» كما في القصة التي قرأناها في كتاب القراءة للصفوف الابتدائية، فبدلا من ان يحظى الرجل حتى بأدنى اهتمام من لدن العالم الحر وزعمائه وإعلامه، انهال عليه بدلا من ذلك سيل من الاتهامات والصفعات غير المسبوقة من لدن الأوروبيين. وفي لحظة من لحظات الحقيقة التي تربط بين ما يحدث من تهديد للأمن الجماعي الأوروبي، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي وعدم التوصل الى حل ناجز للقضية الفلسطينية. وهكذا بدلا من ان يبدو مسروراً وفرحاً ومنتصراً بركوب موجة الحرب على الإرهاب، بدا وكأنه لا يستطيع ملاحقة هذا السيل الجديد من المواقف الأوروبية، التي تضعه وإسرائيل في قفص الاتهام.
وبعد التصريحات الجريئة لوزيرة خارجية السويد، جاءت تصريحات رئيس الحزب الاشتراكي الهولندي تصب في نفس الاتجاه، وبعد إصدار القاضي الإسباني مذكرة اعتقال ضده وسبعة من وزرائه على خلفية الاعتداء على سفينة مرمرة، أصدرت الشرطة في جنوب افريقيا مذكرة اعتقال أخرى تطال هذه المرة رئيس الأركان السابق اشكنازي وأربعة من مساعديه. وفي مؤتمر لصحيفة جيروزليم بوست كان رد مندوب الاتحاد الأوروبي على اتهام نتنياهو لأوروبا بالنفاق صريحا وواضحا ويخلو حتى من العبارات الدبلوماسية، واتهم نتنياهو نفسه بهذا النفاق حين يقول انه يؤمن بحل الدولتين ويقوم في الوقت نفسه ببناء المستوطنات في أراضي الدولة الفلسطينية.
وهكذا بدا عند نهاية هذا الأسبوع كما لو ان كل الأحداث تصب نحو هدف واضح، يتمثل بسحب السجادة او البساط من تحت أقدامه. ان الأخبار السيئة لا تبرح عن التوقف، وليس اقلها سوءاً لسوء طالع هذا الرجل، ان جون كيري وفي غمرة كل هذا الانشغال العالمي بالأحداث الفرنسية، ان كيري هذا سوف يصل الاثنين القادم أي بعد غد الى هنا للاجتماع به وأبو مازن بعد انقطاع استمر لأشهر طويلة. ان الحساب حان اوانه.
وكما يحدث عادة فإن الطقس السيئ لا يقاس بزخة مطر عابرة او وحيدة، وانما بسوء الوضع الإجمالي العام طوال الوقت، فان جون كيري يستأنف جهوده السابقة والتي استطاع نتنياهو صدها وافشالها، من وضع او نقطة هي الأسوأ بالنسبة لهذا الرجل وقدرته على المناورة او الممانعة.
هذه المرة الوزير الأميركي يصل ويقدم مشروعه في ذروة انتفاضة فلسطينية، تبدو ذكية ولكنها موجعة في الوقت نفسه وعلى المقاس.
وإذ يبدو الاستيطان في احلك ورطة او ضربة يتلقاها في الخليل، فان الوضع السيئ الإجمالي يجر معه بعض القرارات المهلكة، حينما يقود التهور في اتخاذ القرار بحظر الحركة الإسلامية في داخل أراضي العام 1948، الذي جوبه بتوحد الفلسطينيين جميعا خلف الحركة الإسلامية والدفاع عنها، وكأنه استجلاب لمجموع هؤلاء الفلسطينيين للدخول في المعركة. وهي معركة اكبر من قدرة إسرائيل.
اذن، سلام مربع هل آن الأوان لكيما يفرض المجتمع الدولي شروط السلام او الاستسلام على آخر احتلال؟ اذا كانت المعركة التي يخوضها العالم اليوم دخلت الى عقر دار الغرب، ولم يعد ثمة وقت او مجال للتراخي بالسكوت عن انصاف وحل مظلومية الفلسطينيين، الصفحة الأولى في خطة الانتصار على الإرهاب العالمي، اذا كانت هذه المظلومية هي الاب الحقيقي لهذا الارهاب كما الانفجار الحاصل في الشرق والذي يلقي بحممه حول العالم.


