خبر : لا شئ ...بقلم : محمد يوسف الوحيدي

الخميس 29 أكتوبر 2015 09:44 م / بتوقيت القدس +2GMT
لا شئ ...بقلم : محمد يوسف الوحيدي



 

وَسَتَعرِفُ بعد رحيل العُمر بأنك كنتَ تطارد خيطَ دُخان . و سَتعرف و أنت تقرأ هذه الأسطر ، و تبحث عن موضوع أو نقطة ، أو جوهر الموضوع الذي أردت أن أكتب فيه أو حوله ، لأوصلَه لك ، إذا واصلت القراءة ، و تغلبتَ على ما لديكَ من ضِيق ، و إمتلكتَ ما يُسمى بطول النفس ، كثيرٌ منا لا يَملِك هذا النفس الطويل ، أو الصبر للوصول إلى الحقائق و الأهداف ، سواءً الأهداف الآنية أو البعيدة ، و لكن سؤالي هنا ، هل أنت من هؤلاء ؟ هل أنت من فاقدي الصبر إلى درجة أنك يمكن أن تتركَ قراءةَ هذه الأسطر ، أو ربما ستقفز إلى السطر التالي لتجدني أقول لك : لا تفعلها  وعد كما كنت ؟

لا تفعلها و عد كما كنت ، نعم هذا ما تحتاجه ، ضبط الإيقاع ، و السيطرة على حالة الإندفاع  والشغف القاتل  الذي يُضيع عليك الوصول لهدفك ، و هدفي ، و هو لب موضوع هذا المقال ، فالقضية ليست فقط مجرد صف كلمت أو جمل في ترتبية منطقية ، أو في إتصال بلاغي ، أو سرد لأحداث ، و الإنتهاء منها بفائدة أو معنىً مُعين ، كما عَهِدنا في الأفلام القديمة ، ذاتَ الراوي ، و لكنها محاولتك أنت ، و أنت فقط .. للقراءة و الصبر و الفهم ، و الإستيضاح ، و الإستنباط ..

أرى أنك بدأت في التَململ مرة أخرى !! و علامات التعجب بدت واضحة على وجهك ، هل ستترك القراءة لتقفز إلى آخر المقال في محاولة إنتحارية  للوصول إلى مبتغاي ؟ أقول لك ، بل أؤكد لك ، بأنك  لن تجده ، إلا إذا قرأت كل الكلمات ، بدقةٍ و عناية ، وهذا ليس تحدٍ مني ، و لا هو محاولة مني لأَسرك أو سجنك بين كلماتي و أسطري هنا – لا سمح الله  ، بل هو محاولة مني أو قل هي دعوة مني لك ، بكل تواضع لأن تقرأ ، لا تتعجل الأمور ، فكل شئ سيتضح ، و ستصل في النهاية إلى ما تريد ، من فهم ، و حينها أنا متأكد أنك ستفرح ، و تشعر بالراحة ، بأن إكتشفت شيئا جديدا ، حتى لو قرأت بعض جملي و كلماتي بالمقلوب ، من اليمين لليسار أو من اليسار لليمين ، فستجد أنها تعطيك ذات المعنى ، و إن لم تصدقني 

  كمالك تحت كلامك .

إذن فنحن متفقون ، إلى أين أنت ذاهب ؟ ماذا تريد ، دعنا فقط ننفق مزيداً من الوقت ، نزيفاً من العمر ، و نؤمن أن المواصلة ، و المثابرة هي العبرة ، و هي مفتاح الحل ، الحل للوصول إلى هدف المقال ، إلى الرسالة التي يريد هذا المقالُ أن يوصلها لك ، لتكون إضافة لك ، لتكون مثل وَمضَة نورٍ إِتَّقدت في ظلمةٍ دامسة ، فنبَّهت فيكَ إحساساً معيناً ، أو علها دَلَّت خُطاكَ لإتجاهٍ جديد ، أو رُبما أنجبت لكَ بنتاً .. إضافة لبنات أفكارك ..

لا تتركني ، إهدأ ، أنا أعرف كم السماجة ، و سماجة في اللغة (سمِجَ يَسمَج ، سَماجةً ، فهو سمِج ) و تعني القُبح و القَباحة ، و كراهة الشئ ، أقول أعرف كم السماجة ، و الإستفزاز الذي يسببه هذا النوع من الكتابة ، و النقد الذي سيشن عليه ، و لكن ما عشاي أن أفعل ، فتلك هي حقيقة الأشياء ، هكذا تسير أمورك ، و أنت تمشي بهذا الأُسلوب طوال عمرك ، و تُصرِّف جميع شئون حياتكَ الخاصة و العامة ، و الإجتماعية و السياسية و الإقتصادية بهذا الشكل ، فلا تتهمني أنا ،  أنا هنا أحاول أن أصل بك إلى هدف المقال ،و الذي هُو أنا و أنت ، و واقع الحال ،فأرجوك حاول أن تسيطر على  إنفعالاتك .. و حاول أن تفهمني ، و تذكر معي ما قاله الشاعر الرائع نزار قباني ، و كنت قد أستعرت بعضا مما قال في بداية هذا المقال المتاهة ، و أريدُ أن أستعيرَ المزيد هنا لما لشعر قباني من دِلالات ، و خاصة في قصيدته قارئة الفنجان حين قال : لكنَّ سماءكَ ممطرةٌ..وطريقكَ مسدودٌ.. مسدود ، كان هذا قول البَصَّارة ، العَّرافة ، لرجل عاش وحيداً ، و أمضى عمره مؤمنا بأنه سيصل إلى مبتغاه ، مثلم و مثلي و مثلنا جميعا ، يبحث عن معشوقته ، حبه ، هدفه ، إن هو أكمل القراءة ، و حاول الفهم ، و لو عن طريق العرافات ، و قراءة الفنجان و المقال و الكتاب و  البحث ، بالعلم و بالدَّجل ، حاول على مدى  سنوات وسنوات .. ضاع مِن عُمره و عمري و عمرك أكثر من نصفه ، و ما بقي في عمره إلا القليل ، و هاهو يقرأ من جديد ، يبحث من جديد ، في مقالٍ جديد ، عن أملٍ جديد .. و لكن هذه المرة ، يقرأ ، و يفاوض ، يمارس الدجل في السياسة ، و الجل في المقاومة و الدجل في الكتابة ، و هو يعرف ، تماما مثلي و مثلك ، أنه دجل في دجل ، و أن هذا المقال ، هذه الأقوال ، لن توصله إلا إلى.. لاشئ ، و يتساءل ، هل أمضيت عمري في البحث عن اللاشئ ، هذا سؤال كل فلسطيني الآن ؟ هل يمضي عمره في مطاردة خيط دخان ؟