خبر : إدارة طوعية مستقلة للهبة ... مهند عبد الحميد

الثلاثاء 27 أكتوبر 2015 09:14 ص / بتوقيت القدس +2GMT



بعد ثلاثة اسابيع من النِزال بين شبان وشابات جيل ما بعد أوسلو ودولة الابارتهايد والمستوطنين، تبدو الاستجابات والردود على غير ما يرام. وتشير في الوقت نفسه الى ان الخيار الذي اتبعه الجيل الجديد طويل وشائك ويحتاج الى أفكار وأشكال جديدة ومتنوعة من النضال من اجل الاستمرار وتحقيق الاهداف.
لقد احدثت الاندفاعة الثورية الشبابية صدمة شديدة أَخَلَّت بتوازن المستوى السياسي والامني الاسرائيلي وجعلته يتصرف بجنون. نظر نتنياهو الى المشهد "بمنظارٍ ذي عدستين مغلقتين وكتيمتين" كما يقول الكاتب الإسرائيلي ديفيد غروسمان، مستحضرا "المحرقة اليهودية" باعتبارها صناعة فلسطينية هذه المرة، ومضى في تخبطه فأعلن نيته سحب هويات اكثر من 100 ألف مقدسي في أكبر وابشع عملية عقاب جماعي ضد المقدسيين، وفي الوقت عينه أعادت المؤسسة الأمنية احتلال احياء القدس العربية المحتلة أصلا، وأغلقت كل منافذها بالمكعبات والحواجز العسكرية. وفي مشهد سريالي لافت ظهر رئيس البلدية "الموحدة" نير بركات وهو يمتشق السلاح معلنا النفير العام والتسلح. يضاف الى هذه الردود الهوجاء استمرار الاخذ بسياسة الاعدامات الميدانية في القدس والخليل وقرب سلفيت من قبل الجنود والمستوطنين، واستمرار سياسة هدم المنازل والحرمان من مخصصات التأمين الوطني. كما نرى، كان الرد الامني والسياسي الاسرائيلي عدميا ومؤججا للصراع.
الاستجابة الأميركية، اختزلت الحل بوضع كاميرات مراقبة في المسجد الأقصى، لتكون شاهدا على الالتزام الإسرائيلي الجديد القديم والقاضي باقتصار الصلاة في المسجد الاقصى على المسلمين في الوقت الذي يحق فيه للإسرائيليين زيارة المكان لغرض السياحة. يتناسى جون كيري ان المشكلة تكمن في تلك الزيارة، لأن الزائرين في الغالب هم من الأصوليين اليهود الذين يأتون للصلاة فقط ويتطلعون الى بناء الهيكل في المكان نفسه. وقد اعلنوا بعد تفاهمات كيري في عمان عزمهم على مواصلة الصلاة في الحرم القدسي. الجديد الذي اتى به كيري هو استخدام مصطلح "جبل الهيكل" الى جانب الحرم القدسي، وهذا يعني شكلا من أشكال التقاسم، تقاسم المصطلحات. الأهم ان كيري يعتقد بان رفع القيود عن المصلين المسلمين والسماح لليهود بالزيارة، سيقود الى التهدئة وانتهاء حالة الاحتقان التي أدت الى الانفجار. مغفلا الأسباب الأُخرى التي قادت الى الانفجار وفي مقدمتها تعميق الاحتلال والاستيطان والتطهير العرقي في القدس والخنق الاقتصادي وسياسة التمييز العنصري والقهر والإذلال.
وقوبلت الهبة بموقف دولي فاتر، وبموقف عربي رسمي غير مبال وخال من أشكال الدعم السياسي والمادي التي اعتادت بعض الدول العربية على تقديمها في الانتفاضة الأولى والثانية. مقابل بداية تضامن شعوب وقوى عالمية وعربية مع الهبة كان أبرزها مسيرات شيكاغو ولندن وباريس وجنوب إفريقيا وتونس والأردن والمغرب. وبفعل الهبة الشبابية عاد الحضور الإعلامي والسياسي للقضية الفلسطينية بعد ان خفت طوال سنوات باستثناء فترة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وإذا كان من الطبيعي ان الوضع الدولي يتحرك بشكل طردي مع الفعل والأداء النضالي الفلسطيني، فإن إعادة بناء تحالفات الشعب الفلسطيني تكتسب اهمية كبيرة باعتبارها قوة الضغط والتأثير وجزءا مهما من ميزان القوى السياسي الفلسطيني، وفي هذا الصدد، ثمة حاجة لإعادة النظر في الجهاز السياسي العامل في سفارات وممثليات فلسطين والذي أصابه الخمول.
ولما كان الفعل الفلسطيني هو العنصر الأهم في تنشيط وتفعيل العناصر الأُخرى، فهناك حاجة لتشخيص ما جرى ويجري، بعيدا عن الرغبات المسقطة والفهم التقليدي والنمطي، لا تزال الاندفاعة الثورية للشباب والشابات تقدم الفرصة تلو الفرصة للحركة السياسية وللنخبة الثقافية كي تقدم المشروعية السياسية والوطنية لهبة هذا الجيل التي قلبت الطاولة على المحتلين، وذلك عبر تحديد أسباب وأهداف الهبة، في مواجهة التشويه الإسرائيلي الخطير لها تحت عنوان "موجة إرهاب السكاكين" ذلك التشويه الخطير الذي يستخدم كغطاء للإعدامات الميدانية الدموية" ولشيطنة الشعب الفلسطيني ولتبرير العقوبات الجماعية. إن تأمين الغطاء السياسي للهبة يحتاج الى وضع الأهداف ووضع تصورات واقعية لكيفية تحقيقها، فضلا عن بلورة الردود على الإجراءات الإسرائيلية العنصرية كتشكيل لجان تحقيق حول الإعدامات وهدم المنازل وسحب الهويات والقوانين العنصرية. ان الاحتفاظ بزمام المبادرة السياسية والهجوم السياسي والتفوق السياسي ما زال متخلفاً عن هبة الجيل الجديد الثورية. انه القصور الذي لم تتجاوزه التنظيمات والقوى على اختلاف انتماءاتها، فطالما استمر ذهاب الشبان والشابات الى المواجهات الفردية والجماعية ولا يوجد في جعبتهم إلا إرادة تحدي المحتلين والشجاعة في نِزالهم رغم عدم التكافؤ الفادح، طالما لا تتوفر في جعبتهم اهداف ومهمات ملموسة، فإن النخبة السياسية تفرط من حيث لا تدري بتضحياتهم الغالية جداً.
إذا كان توفير الغطاء السياسي للهبة مسألة في غاية الأهمية، فإن تقديم الأفكار والمقترحات والمهام يستهدف اجتذاب قطاعات شعبية للمشاركة الفاعلة لا يقل أهمية. للأسبوع الثالث لم نشهد حضوراً للنقابات واتحاداتها، وهذا يطرح موقع ودور العاملين داخل إسرائيل وفي المستوطنات والمناطق الصناعية والعمال في الضفة، هل سيبقون محايدين أم أن الأمر يحتاج الى تحديد دور يخضع لحسابات دقيقة. ويلاحظ أيضاَ ان مئات القرى في الضفة لا مشاركة ولا دور لها، باستثناء القرى الملاصقة للمستوطنات، غياب الدور يدفع بعض شبانها للمشاركة في المدن. حالة القرى الساكنة تحتاج الى إعادة بحث هدفه تحديد شكل ومستوى ونوع المشاركة بهدف إضفاء زخم على الفعل.
الاتحادات الشعبية كالمرأة والكتاب والمنظمات النسوية والشبابية والمنظمات غير الحكومية والاتحادات المهنية ما زال نشاطها الداخلي ضعيفا، ولأن مشاركتها ضعيفة داخليا فإن تأثيرها مع نظيراتها في الخارج لا يزال محدودا.
المهمات والأدوار السابقة تحتاج الى إدارة طوعية مستقلة للهبة تضم كفاءات تتوحد مع الفعل النضالي والديمقراطي، وتتفرع عنها لجان عمل جدية، تتجاوز عقد التمثيل والمحاصصة والاستئثار. إدارة مفتوحة أبوابها على كل كفاءة ومبادرة بمعزل عن الانتماء. ودون ان تكون بديلا او في مواجهة الأطر القائمة. ما يهم هو الانتقال او العودة الى صيغة تحرر وطني، الذي يساوي الخروج من مسار مسيطر عليه ويتعرض الى كل أنواع الضغوط والتدخلات والابتزاز فضلا عن ضعف أهلية القائمين عليه.
Mohanned_t@yahoo.com