حسب بعض المصادر سيحضر الرئيس عباس مؤتمراً للتعاون الاقتصادي آخر هذا الأسبوع في هولندا. هذا ما أفادت به الإعلانات الرسمية الهولندية على الأقل. سيعقد المؤتمر لتعزيز الشراكة الاقتصادية مع “ المناطق المحتلة” وهو المصطلح التي لازالت هولندا الرسمية ملتزمة به.
بداية لا اعتراض على تعزيز الشراكة الاقتصادية ولا غيرها مع هولندا, بل على العكس المصلحة والمنطق يقولان بدعم العلاقات وتقويتها ولكن من أجل خدمة الشعبين وليس لأي أهداف أخرى أو أطراف أخرى.
السلطة الفلسطينية لم تصدر أي توضيح حول المؤتمر أو أي بيان صحفي, رغم أن عدد الوفد الفلسطيني قد يتجاوز المائتين من رجال السلطة وعلى رأسهم رئيس الحكومة والكثير من رجال الأعمال والخدمات والمؤسسات الأكاديمية والبلدية. وهناك مصادر فلسطينية تقول بأن الرئيس عباس سيحضر بنفسه أيضاً. يعني ذلك غياب أهم رجلين في السلطة الفلسطينية عن البلاد والشعب لعدة أيام في أحلك الفترات التي نمر بها. نعرف تاريخياً أن قيادتنا فشلت غالباً في ترتيب أولوياتها وتركت للآخرين فرض الأجندة وربما لم تحاول في كثير من الأحيان أن تؤثر فيها. ولكن الاقتصاد أولاً في هذه المرحلة تتعدى أي منطق.
المصلحة الآن تتطلب من الرئيس ورئيس وزرائه البقاء في فلسطين, رغم أن الأخير ليس بيده حل ولا ربط. ولكن وجودهم الى جانب شعبهم سيعطي إشارة قوية للشعب الفلسطيني وإشارة أقوى إلى من يصنعون الأجندات بأن لنا أجندتنا الخاصة وأولوياتنا التي نرتب حسب مصلحتنا.
في ظل تزايد دعوات المقاطعة الدولية وتعاظمها في ظل الهجمة الإسرائيلية الشرسة على القدس وموجة الإعدامات التي ينفذها المستوطنون وجيشهم, المصلحة الوطنية تتطلب التركيز على القدس وحماية الشعب الفلسطيني من الهمجية الإسرائيلية, وليس البحث عن أموال المانحين أو عن مبادرات اقتصادية سقفها بروتوكول باريس والحصار الإسرائيلي والتدمير الممنهج للاقتصاد الفلسطيني. نعرف أن المؤتمر هذا قد بدأ الإعداد له منذ شهور طويلة وأنها في إطار السلام الاقتصادي التي تروج له إسرائيل منذ أن طرحت أي تسوية سياسية مقبولة للشعب الفلسطيني جانباً. وللأسف الشديد أن هناك أطرافاً فلسطينية تروج له له باسم دعم الاقتصاد وايجاد فرص عمل في ظل تفاقم البطالة التي نعاني منها. حتى وإن غضضنا الطرف وتمنينا أن نقتنع بهذه الأسباب, فاللحظة التاريخية توجب علينا على الأقل تصدير إشارة بأن الظرف السياسي والأمني للشعب الفلسطيني لا يسمح بهكذا مؤتمرات وعلى هذا المستوى. وأن يعلن الرئيس عباس ورئيس وزرائه عن تخفيض الوزن السياسي لهذا المؤتمر بالإعلان عن عدم الحضور.
وكان حرياً بالحكومة الهولندية أن تدين الهجمة الإسرائيلية على القدس والحرم الشريف وأن تطلب من أصدقائها في تل أبيب بأن يكفوا عن قتل الفلسطينيين والتنكيل بهم. والواقع يقول أن الحكومة الهولندية قد جاءت بفكرة هذا المؤتمر للتصدي لدعوات المقاطعة لإسرائيل, عبر جلب اتفاقيات تعاون مع السلطة الفلسطينية لتبرر تعاونها الاقتصادي المكثف والممتد على مدى عقود طويلة مع إسرائيل. وترى في الاقتصاد الفلسطيني سوقاً وأيدي عاملة, بينما ترى في الاقتصاد الإسرائيلي مصدراً للتكنولوجيا والصناعات المتقدمة. هذه النظرة لا تخرج قيد أنملة عن النظرة الصهيونية منذ مؤتمر بازل, فقد فصّلت الحركة الصهيونية في كيفية الاستفادة من المواطنين الأصليين في دعم اقتصاد المستوطنات وحل اشكالية نقص العمالة في ظل عدد المهاجرين القليل في حينه وتسارع وتيرة الاستيلاء على الأراضي وإقامة المشاريع الصناعية والزراعية التابعة لها.
وتعلم الحكومة الهولندية جيداً أن المنح المقدمة للفلسطينيين تصب في محصلتها في دعم الاقتصاد الإسرائيلي, بالنظر الى بروتوكول باريس والسيطرة الاسرائيلية المحكمة على السوق والاقتصاد الفلسطينيين.
هناك في الأحزاب الهولندية أصدقاء حقيقيون للشعب الفلسطيني, ينتظرون منا فقط أن نقول لا لمثل هذه المبادرات وهم جاهزون لتقديم مبادرات بديلة اقتصادياً وسياسياً, إن لم نكن قادرين على صوغ مبادرات. حتى أن وزير الخارجية الحالي كان يعتبر مدافعاً صلباً عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولته. وقبل أن نتحمس كثيراً هناك من يقول أن من ضمن اتفاق توليه الوزارة أن يعود قبل أن يتخذ أي قرار بشأن فلسطين الى رئيس الحكومة, وهذا الأخير من حزب يميني معروف بمساندته المطلقة لإسرائيل. ربما كان وزير الخارجية ينتظر من الفلسطينيين كلمة لا التي لم تأت حتى الآن لتسانده في دعم الفلسطينيين كما يجب وليس ضمن الإطار الأشمل ,حسب وجهة نظر الحكومة الهولندية وهو خدمة السياسات الإسرائيلية والتغاضي عن جرائمها. وربما سيأتي اليوم الذي سيقول فيه أن أحداً من الفلسطينيين لم يطلب منا أن نقيم علاقات اقتصادية خارج الهيمنة الاسرائيلية واتفاقات باريس. فليس ممكناً ولا مرغوباً لأصدقائنا أن يكونوا فلسطينيين أكثر منا.


