خبر : هل (ولماذا) فشل الربيع العربي؟ د. خالد الحروب

الإثنين 12 أكتوبر 2015 02:23 م / بتوقيت القدس +2GMT
هل (ولماذا) فشل الربيع العربي؟ د. خالد الحروب





هو سؤال ثقيل الوطأة بإمتياز: ما الذي حدث للربيع العربي وأين آلت ثوراته التي منحت الشعوب العربية آمالاً عريضة في إمكانية الخروج من انفاق الاستبداد والفساد والتخلف التي حشرتها فيها انظمة "دولة الاستقلال"؟ وهو السؤال الذي يحاول الاكاديمي والباحث الالماني "إيبرهارد كينله" وزميلته "نادين سيكا" الاكاديمية اللبنانية مواجهته والتأمل فيه، في كتاب صادر حديثا بالانجليزية بعنوان: "الانتفاضات العربية: التغير والتحدي" The Arab Uprisings: Transforming and Challenge
تتفاقم وطأة السؤال بالتوازي مع سرعة الحدث المدهشة وتاريخيته. ففي مساحة زمنية قصيرة اندلعت انتفاضات شعبية غير مسبوقة، وسقطت انظمة راسخة، واهتزت عروش انظمة اخرى، وانتصرت ثورات، ثم ما لبث وان هُزمت. الاسوأ والاكثر دهشة هو عودة من سقط من الانظمة، وقد ازداد شراسة وعنفاً. يُضاف اليه ان الانظمة التي اهتزت استبداداتها هنا وهناك تعلمت الدرس "الانتفاضي" فراجعت استراتيجياتها في مواجهة شعوبها وإطالة عمرها وأمدية تسلطها. ما الذي حدث اذن؟ ولماذا نجحت ثورات كثيرة في طول وعرض تواريخ شعوب وبلدان العالم، في حين ادار ذلك النجاح ظهره للعرب؟ لن تترك هذه الاسئلة احدا يرتاح وخاصة ممن تفاءلوا بتلك الانتفاضات الشعبية العفوية، وأملوا بإندحار حقبة وانبلاج اخرى.
يجمع كينله وسيكا في هذا الكتاب عدة مساهمات اكاديمية رصينة تقدم مقاربات ومحاولات للإجابة على تلك الاسئلة الصعبة، وللبحث في الجذور التاريخية والسياقات المختلفة التي وفرت نجاحاً اولياً هنا او هناك، كما في مصر وتونس، او تحولاً صراعياً دامياً، كما ليبيا وسورية. ثم كيف اثرت موجة الانتفاضات العربية على الوضع القائم للانظمة المحافظة والملكية، حيث اربكتها في المرحلة الاولى، لكن عززت من حضورها وربما شرعيتها امام شعوبها في مرحلة لاحقة. يُقرر المحرران ابتداءً ما هو مقرر من ان حالات البلدان العربية سواء لجهة دراسة ثوراتها او أية جوانب اخرى فيها تتصف بالتشابه الذي يميزها عن دول مجاورة غير عربية اخرى، لكنها تتباين في الوقت ذاته عن بعضها البعض بما يستوجب الحذر من تطبيق مفهوم معين او اطلاق حكم عام يطال "العرب" او "الدول العربية" وكأنها كتلة مصمتة واحدة.
تتجسد اهمية هذا التقرير الابتدائي والنظري وتحذيراته ونحن نقرأ ونقارن بين ما كتبه فرد لوسون في الفصل الثالث حول "إعادة النظر في الاقتصاد السياسي للانتفاضات العربية: مقارنة بين الجزائر واليمن"، وما كتبه جون شالكرافت متسائلا عن "اي تغيير يمكن ان ينجزه الاحتجاج: الفاعلية وحدودها في الانتفاضات العربية". المقاربة الاولى تحاول ان تعيد الاعتبار الى منظور الاقتصاد السياسي في فهم العوامل المسببة للانتفاضات العربية، وكذا العوامل التي افشلتها. ويرى لوسون ان معظم الادبيات التي تناولت الربيع العربي فشلت في استكناه اثر الازمة العالمية المالية في سنوات 2008 و2009، وما نتج عنها من كساد في التجارة الدولية، وزيادة معدلات البطالة في الشرق الاوسط، وبالتالي مساهمتها في تفعيل العوامل الانتفاضية. وهكذا وبسبب الترابط والتبادلية الاقتصادية العالمية، فإن البلدان العربية تأثرت مباشرة من تلك الازمة، وقاد ذلك الى ضغوطات داخلية متراكمة ومتسارعة انفجرت على شكل الربيع العربي. تنتمي هذه المقاربة الى نوع التحليل الفوقي والإجمالي الذي يفترض ترك المنعكسات والظروف الناتجة عن تحول عالمي او اقليمي ذات الاثر على الاطراف المخلتفة. وهنا ثمة افتراض مُستبطن بالتالي، وشبه رياضي، بأن الوحدات المتأثرة، اي الدول والمجتمعات هنا، متجانسة ومصمتة وشبه موحدة في طرائق استجاباتها، كما هي دول الربيع العربي جراء الازمة العالمية المالية.
على الطرف الآخر وشبه النقيض من التحليل تأتي مقاربة جون شالكرافت التي يرى فيها ان الفهم الادق للربيع العربي ونجاحه او فشله يجب ان يتأتي من قراءة كل حالة على حدة، اي النظر الى الاختلافات والتباينات وليس افتراض التشابه المصمت او الغالب. وان التحليل المُبدع والمبادر لكل انتفاضة شعبية، ثم لكل انقلاب عليها، ودراسة الظروف المحيطة والتحولات التراكمية هو الذي يفيدنا في نهاية المطاف.
لكن وقبل قراءتي لوسون وشالكرافت، هناك فصل تأسيسي مهم قدمه روجر هيكوك بدأ فيه النقاش بمتابعة الثورات الاوروبية الشهيرة في منتصف القرن التاسع عشر، وتمحيص ظروفها التاريخية السياسية والاقتصادية، كل على حدة، والوصول الى "نماذج" محددة يمكن الاستفادة منها وقياس الانتفاضات العربية عليها. والجهد الذي قام به هيكوك في "مقارنة ما لا يُقارن"، كما هو عنوان فصله، يستحق التقدير لما فيه من جهد سوسيولوجي واقتصاد سياسي وتاريخي، ومقاربة تأملية صعبة بين حقبتين وعامين مختلفتين تماماً: 1848و 2011. يلي ذلك مقاربات تومسا ديملهوبر، الآن ديكوف، ايبرهارد كينله، ونادين سيكا، حول الملكيات في الخليج وشرعية بناء الدول، وعودة انبعاث الملكيات العربية، والاحتجاج الشعبي وتحول شكل الدولة بشكل عام (كينله)، وفي مصر وسوريا تحديداً (سيكا).
تتعمق هذه القراءات في مصائر الربيع العربي ودينامياته الداخلية والارتدادات التي انتجها وحالة السيولة الجيواستراتيجية والسياسية التي تولدت عنه، وهذا ما يُسجل لها ولمحرريها. ما يُؤخذ عليها هو تهميشها لدور الفاعلين الدوليين، سواء دول كبرى او اقليمية، في التأثير في تلك المصائر، مقابل التوغل في تحليل آليات الاقتصاد السياسي والبنى الداخلية التي لا احد بطبيعة الحال يُجادل في جوهريتها. لكن المثال الليبي والسوري يقدمان دليلا كبيرا على ان العامل الخارجي، الدولي والاقليمي، كان الحاسم في انجاح الثورة في مرحلتها الاولى (ليبيا)، وفي افشالها في ما بعد مرحلتها الاولى (سورية)، ثم في تعطيل قيام نظام ناجز وفعال بعد انتصارها، كما هو المثال الليبي ثانية.
khaled.hroub@yahoo.com