كانت المرة الأخيرة التي رأيت فيها الراحل أبو عمار, عام ٢٠٠١ في مقره في غزة قبل أن ينتقل إلى رام الله. كانت أثناء زيارة مسؤول أوروبي له. سألت أحد المقربين منه حينها: ما الهدف من كل هذه الزيارات؟ فقال لي: “ جميعهم يحملون تهديدات لنا”. في نفس الليلة على ما أذكر, قصف مقر الرئاسة “ المنتدى” وما حوله باكثر من ١٣ صاروخاً من طائرات هيليوكبتر إسرائيلية تمركزت بعيداً ولمدة طويلة فوق البحر ومقابل المنتدى قبل أن تبدأ فعلياً بالقصف.
أستحضر تلك الأيام بسبب تكثف الاتصالات بالرئيس عباس هذه الأيام وكذلك الإعلان عن زيارة وفد الرباعية لفلسطين يوم الأربعاء القادم. اتركوا ما يصدره مكتب الرئيس من بيانات صحفية جانباً, فالواقع والتجربة يقولان أنهم يحملون تهديدات إسرائيلية للرئيس عباس بالويل والثبور وبمصير كمصير سلفه الراحل أبو عمار. وعلينا أن نفكر جيداً في الخطوات القادمة منعاً لخلق واقع جديد, يكون أسوأ بكثير من اتفاقية خارطة الطريق وترتيبات دايتون. ولتتعاضد القوى الشعبية في إفشال مساعي الوسطاء الدوليين والعرب لفرض قبول فلسطيني بالواقع الجديد في الأقصى والقدس الذي تحاول إسرائيل فرضه. فثورة البراق عام ١٩٢٩ وإن نجحت في لجم التوسع الصهيوني حول حائط البراق في ذلك الحين إلا أن المستعمر البريطاني واللجان الدولية التي تشكلت حينها أقرت لليهود بحق الصلاة في حائط البراق وثبتته دولياً ولم يعد غريباً تسميته حائط المبكى في الوثائق الدولية منذ ذلك الوقت. في تلك المرحلة من التاريخ كان لنا قيادة برجوازية مرتبطة مصالحها بالانتداب والشركات الصهيونية حديثة النشأة بهدف السيطرة على المزيد من الأراضي الفلسطينية. حال قيادتنا الآن يشبه كثيراً القيادة في تلك المرحلة. وكما كان الشعب الفلسطيني في تلك المرحلة أقدر نضالياً وأوعى سياسياً من قيادته, هو كذلك في هذه المرحلة. قيادة فلسطينية طالما قللت من شأن تضحيات شعبها وترجمتها لمزيد من التنازلات واتفاقيات سيئة. الصمود الأسطوري في بيروت ترجم باتفاق الخروج منها والانتفاضة الأولى ترجمت باتفاقية أوسلو وانتفاضة الأقصى ترجمت باتفاقية خارطة الطريق الاكثر تقييداً للفلسطينيين من أوسلو وخفضت من سقف ما يمكن تحقيقه سياسياً.
أصبح القرار الفلسطيني مرهوناً بشخص واحد, هو بالطبع الرئيس عباس, تلتف حوله مجموعة مبهمة من المستشارين وتتحكم بها مجموعة أخرى من مراكز النفوذ المرتبطة برأس المال من جهة وبأطراف دولية وإسرائيلية من جهة أخرى. وأخرجت (بضم الألف وكسر الراء) أو أخرجت فصائل منظمة التحرير نفسها من دائرة صنع القرار. وفقدت فصائل المنظمة الاتصال بالشارع الفلسطيني, ناهيك عن التأثير فيه وقيادته نحو التحرر والاستقلال. ولم تعد قادرة حتى على وقف منحدر التنازلات التي تقدمها السلطة الفلسطينية عبر المتحكمين بالقرار السياسي الفلسطيني آنفي الذكر. الفعل النضالي الشعبي الآن فرصة لتلك الفصائل لاستعادة دورها الوطني المطلوب والضروري, عبر إجبار الرئيس عباس على مصارحة شعبه واطلاعه على مايدور, بل وحماية الرئيس عباس من نفسه والمجموعة المحيطة به من خلال إفشال رسائل التهديد والوعيد الدولية والعربية والتصدي لأي تنازل محتمل في القدس أو المسجد الأقصى. كذلك المطالبة بحضور اجتماعات قيادة السلطة مع المندوبين الدوليين, فيجب ألا يترك صائب عريقات الذي قال في إحدى مراسلاته مع الإسرائيليين أنه “سيعطيهم أكبر أوشاليم”, وحده يجتمع مع الرباعية, اذ ماذا سيقول لهم هذه المرة؟
أهدرت القيادة الفلسطينية الكثير من الفرص لاستعادة زمام المبادرة وفشلت في الارتفاع الى مستوى تضحيات وآمال شعبها, نأمل أن تعيد منظمة التحرير الاعتبار لذاتها وتستغل هذه الفرصة المتاحة الآن وتفرض نمطاً جديداً من القيادة الوفية لشعبهاو ترتبط مصلحتها بمصلحته وطموحها بطموحه. وأن تملأ فصائل المنظمة الفراغ القيادي القائم عبر التصدي لاختطاف القرار السياسي الفلسطيني وأن تمنع أي تنازل في الأقصى والقدس.
يوسف أحمد
صحفي فلسطيني


