بعيداً عن تفاصيل التفاصيل ، صحيح أن شعبنا الفلسطيني عاطفي ومتعطش لأي نجاح مهما كان ضئيلاً ليدخل الفرحة على قلوب أبنائه ويعطيهم أمل بأن تضحياتهم لن تذهب هدر وستتوج يوماً ما بالحصول على حقهم بدولة مستقلة تعيش جنباً إلى جنب مع جيرانها بأمن وأمان وسلام ، وعندما تم التصويت لصالح قبول دولة فلسطين كمراقب غير عضو في الأمم المتحدة في عام 2012 كان لهذا الحدث صدى وزخم وحشد كبير ولكن الطامة الكبرى أن أقفال إستثماره كانت صلبة وأدوات فتحها كانت ضعيفة، ومن ثم جاء قبل أيام قرار التصويت لصالح رفع العلم الفلسطيني على ساريات الأمم المتحدة وهو في مضمونه معنوي لا يزيد عن ذلك بل يستهلك طاقة ومال وجهد أمام الحاجة لإستثمار ذلك في قضايا أخرى أكثر أهمية في الشكل والمضمون ، ومع ذلك كانت الصدمة كبيرة عندما تراجع التصويت لصالح القرار من 138 دولة صوتت لصالح قبول دولة فلسطين كمراقب إلى تصويت 119 دولة لصالح رفع علمها على نفس المؤسسة التي تم التصويت فيها لكلا القرارين ومن نفس الدول ونفس المجتمع الدولي وذلك بخسارة 19 صوتاً وربما كانت الخسارة في الحقيقة هي أكبر من ذلك ومن هنا سأحاول تسليط الضوء على كيفية إدارة العمل الدبلوماسي في داخل وزارة سيادية من المفترض أن العمل فيها ليس منحصراً في شخص مسؤولها الأول فقط:
أولاً : جرت العادة في العمل الدبلوماسي بشكل عام أنه عندما يكون هناك تصويت لصالح أي قرار مهم في الأمم المتحدة أن تقوم هذه الدولة بالإيعاز لسفرائها في جميع أنحاء العالم لمخاطبة نظرائهم من السفراء المقيمين في هذه الدول لتوضيح موقف دولتهم ولحثهم على حث دولهم أن تصوت لصالح القرار الذي تتقدم به دولة السفير، فهل هذا موجود في الحالة الفلسطينية ؟ أستطيع القول يقيناً بأنها غير موجودة ولم يرتقي العمل فيها للوصول لهذا التفكير وهذه الحالة!.
ثانياً : تحقيق نتائج دبلوماسية في العلاقات بين الدول لا يجب أن يكون مرتبطاً بتواصل الوزير بنفسه من خلال زيارات على الفاضي والمليان ، فالأمر يجب أن يكون بعيداً عن سفريات وزير خارجية يعشق السفر تكلف سفرياته أموال طائلة على حساب الميزانية وتحسين حياة مواطنين دولته من اللاجئين وعلى حساب إهمال وزارته وطاقمها وتجميع كل الصلاحيات في يده بعقلية رجعية أو لربما طفولية إنعكاس لشخصية ترعرعت بهذا المنطق مما يؤدي إلى عجز المؤسسة في غيابه وهذا سيؤدي إلى إنعكاس ذلك على أداء السفراء الذين يمثلون سياسة هذا الوزير الذي يعكس سياسة الدولة برأس هرمها وبالتالي عجزهم عن المبادرة وإتخاذ القرارات المناسبة التي يتوجب إتخاذها في المراحل المهمة والحساسة ! ، السؤال هنا هل سفراء فلسطين لديهم الصلاحية بذلك وهل بقي لهم قدرة على القيام بأي مبادرات بعد أن تم تحطيم روح إنتمائهم أم أن كثير منهم غير مؤهل من الأساس لهذا الأمر ومتطلباته والأمر لا يعدو سوى تعبئة أماكن حسب المحسوبيات والمصالح المشتركة من خلال وجود هذا السفير أو ذاك في المنصب كمكافأة على حسن الصمت والطاعة وقبوله بحالة العجز التي وضع فيها؟.
ثالثاً : ما هي العبرة والفائدة من الزيارات المتكررة لوزير الخارجية إلى دول بعينها سنوياً في حين إهمال دول أخرى وعدم زيارتها بالمطلق أو حتى مخاطبة وزراء خارجية هذه الدول إن أخذنا بعين الإعتبار أن الهدف هو جلب المزيد من الدول لتصوت لصالح أي قرار يدعم القضية الفلسطينية وما الذي سيجبر هذه الدول مهما كانت صغيرة للتصويت لصالح أي قرار إن كانت العلاقة باهتة ولا يوجد جسور من المصالح معها ، أم أن الغرور والثقة المفرطة يؤديان إلى تعالي وفوقية في التعامل مع هذه الدول ، وهل سفير غير مقيم في مثل هذه الدول ممكن أن يقوم بهذه المهمة من خلال زيارته اليتيمة التي يقوم بها عندما يقدم أوراق إعتماده للدولة التي يمثل دولته فيها وعلى ماذا تصرف الميزانيات بهذا الخصوص؟!.
رابعاً : إن أخذنا بعين الإعتبار على سبيل المثال أن وزير الخارجية الفلسطيني يزور فنزويلا مرتين في العام والنتيجة لا إتفاقية بترول نجحت ولا إتفاقية منح دراسية حققت نتائج مرجوة ولا الإعلان عن دخول الفلسطيني الذي يحمل جواز سفر فلسطيني إليها قوبل بإرتياح وطني، فهل هذا نجاح دبلوماسي أم مؤشر على غير ذلك؟.
خامساً : يتم التركيز في زيارات وزير الخارجية على بعض الدول الأوروبية واللاتينية حسب دفئ العلاقة بين الوزير والسفير الفلسطيني في هذه الدولة وكأن برمجة الزيارة أصبحت هدف من أجل الزيارة وليس حسب المصلحة العامة وبالتالي يجب إعادة النظر في مقولة نجاح الدبلوماسية الفلسطينية عندما لا تصوت دولة صديقة للشعب الفلسطيني كالكاميرون لصالح رفع العلم وهي دولة عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي لأن ذلك يعني أن الثقة بما تقوم به الدبلوماسية الفلسطينية أصبح مكان شك، فمن المسؤول عن ذلك؟ ، أليس وزيرها؟!.
سادساً : يعلم الجميع أن الكثير من الدول التي صوتت لصالح قرار قبول الدولة الفلسطينية كمراقب في الأمم المتحدة في عام 2012 كان بمجهودات مشتركة بين نشطاء الجاليات الفلسطينية ودائرة العلاقات الدولية التي يرأسها د. نبيل شعث ووزارة الخارجية الفلسطينية ودائرة المفاوضات ومكتب الرئيس ، وبعد تحقيق هذه النتيجة المرجوة بدأ وزير الخارجية بالعمل على الإستحواذ على القرار المتعلق بهذا الشأن وكأنه في حالة منافسة في حلبة صراع الثيران وبدأ يعمل على الإطاحة بكل من حاول أن يشارك في تجيير هذا النجاح إن جاز لنا التعبير أن نسميه بذلك وذلك لنفسه، فهل هذا عمل دبلوماسي وطني؟.
سابعاً : هل يعلم الرئيس الفلسطيني أن الدول الصغيرة التي صوتت ضد القرار هي دول لم يقم بزيارتها وزير الخارجية الفلسطينية أبدأً في ظل زياراته المكوكية التي كلفت أموال طائلة فهل تظنون أن هذا عمل دبلوماسي حيوي وغير مسبوق في ظل هذا التراجع في الدعم والمساندة الدولية؟ .
ثامناً : هل يعلم وزير الخارجية بأن هناك دول صغيرة في أميركا اللاتينية تؤيد الحق وهي صديقة للشعب الفلسطيني وفيها فلسطينين مؤثرين في القرار وفي مراكز متقدمة في هذه الدول لم يقم بزيارتها أبداً بل من المفارقة العجيبة ومهزلة العمل الدبلوماسي في ظل إستمراره على رأس هذه الوزارة هو أن يتم تعيين سفير غير مقيم فيها يتم ضبطه من خلال كاميرات المراقبة وهو يسرق أحذية في الدولة المقيم فيها في فضيحة وسابقة مخزية ، فهل هذا نموذج دبلوماسي يمكن أن يحافظ على إستمرارية التأييد ودعم الحقوق؟.
وأخيراً إن كان وزير الخارجية الفلسطيني ظن أنه يستطيع أن يكذب ويستمر بإستثمار الأوجاع والألام لأبناء شعبه للإستمرار في تغطية فشله وعدم أهليته للمكان الذي هو فيه نقول أن من يطلب من العالم أن يقف إلى جانب الشعب الذي يمثله عليه أن يكون على قدر من المسؤولية مما يقول وأن يكون ذو مصداقية بين ابناء شعبه وأن ينسجم مع مبادئ شعبه وأن يراجع نفسه ومصداقيته وأن يكف عن الكيل بمكيالين في وزارته وفي تصريحاته إتجاه شقي وطنه وأن يدرك أن من يريد أن يجلب المزيد من الدعم لشعبه عليه أن يكون شجاعاً بوقوفه مع الحق في بلده وفي وزارته أولاً، فهل هذا متوفر لدى رأس الدبلوماسية الفلسطينية وزير الخارجية د. رياض المالكي؟، اشك في ذلك وبالتالي لن يكون هناك نجاح في أي عمل دبلوماسي قادم بل سيبقى الأمر حبيس الشك والريبة بالإبتعاد المتعمد عن الأهداف الوطنية الحقيقية من خلال الطريقة التي تدار فيها هذه المؤسسة السيادية وأن الفشل في حشد المزيد من الدول الداعمة سيبقى أمر متوقع وذلك من خلال ملاحظة تراجع عدد ليس بسيط من الدول التي كانت تعتبر داعمة ومساندة فإمتنعت عن الصويت أو تغيبت مما يجعل حقيقة الفشل مؤكدة وهذا يؤكد أن هناك تراجع فلسطيني سياسي غير مسبوق بالرغم من النجاح المعنوي الذي جاء نتيجة التصويت لصالح رفع العلم، لذلك لابد من المحاسبة والعقاب والتغيير، وكان أجمل الكلام في التعبير عن ما نقول هو كلام الرئيس عباس نفسه بأن التصويت على قرار رفع العلم ليس عملاً ضخماً في إشارة واضحة في التعبير عن خيبة أمل من تراجع عدد المساندين والداعمين وأن الأمر لا يرتقي لمستوى النصر بل العكس هناك تراجع سياسي بالرغم من النجاح المعنوي!!.


