" لم نأتي إلى هنا من أجل نزع الشرعية عن دولة قائمة بالفعل منذ عقود هي إسرائيل بل لتأكيد شرعية دولة يجب أن تقام سريعاً هي فلسطين" هذا ما قاله الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطابه في الأمم المتحدة مساء يوم الخميس التاسع والعشرين من نوفمبر 2012 يوم أن تقدم بطلب للحصول على الإعتراف بدولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة وقد حصل يومها على 138 عضو صوتوا لصالح القرار مقابل إعتراض تسعة أعضاء وإمتناع عدد من الدول التي لم ترغب أن يكون لها دور في الأمر ففضلت أن تقف على الحياد وكانت المفاجأة حينذاك أن كان منها دول تعترف بفلسطين كدولة منذ زمن بعيد ولم تصوت لصالح قرار الإعتراف بها عضو مراقب في الأمم المتحدة بتناقض غريب ويستخف بالقانون الدولي والعلاقات بين الدول تحمل مسؤوليته ضعف الأداء الدبلوماسي الفلسطيني، وبين ذلك الحدث وما حصل قبل يومين من الحديث عن إنجاز سياسي كبير للتصويت لصالح رفع علم فلسطين في الأمم المتحدة في الوقت الذي صوتت لصالح القرار هذا 119 دولة فقط مما يدل على تراجع الدعم حيث زاد عدد الدول الممتنعة عن التصويت لا بل رصدت ملاحظة غير مسبوقة وهي تصويت متزامن ضد القرار لبعض الدول التي لم يسبق لها أن صوتت من قبل إتجاه أي قرار يخص القضية الفلسطينية بتوافق مثلما حصل ضد قرار رفع العلم الفسطيني ، فهل في هذا الوضع نكون أمام إنجاز سياسي أم أننا أمام تراجع ليس بسيط أو هين إن أخذنا بعين الإعتبار الزخم من التعاطف الذي عبرت عنه الشعوب والدول الذي تزامن مع قرار الإعتراف بضم فلسطين كدولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة ولماذا حصل ذلك ومن هو المسؤول عن هذا التراجع وكيف السكوت على هكذا تقصير لم تفلح بالإستثمار في تلاشيه كل السفريات المكوكية التي قام بها رئيس الدبلوماسية الفلسطينية وهو تأمين المزيد من مواقف الدول الداعمة لتحسين وضعية فلسطين في الأمم المتحدة من خلال حشد المزيد من الدول التي تعترف بحق الفلسطينين بذلك ولكن كما لاحظ الجميع أن النتيجة جاءت بشكل سلبي ومعاكس ولأول مرة يعبر الرئيس عباس بشكل واضح وكأنه بدأ يستشعرخيبة الأمل وعدم الرضا عن ما يقوم به البعض في تضخيم الحدث عندما عبر بشكل واضح خلال رده على قرار رفع العلم بأنه ليس عملاً ضخماً ليغلق الباب بذلك على من يريد أن يبيعه الحدث وكأنه جاء بفلسطين كلها ليقول كفى بيع وهم والشعب الفلسطيني ليس غبياً ليبلع الطعم كل مرة بدون تدقيق وأصبح لا يقبل بهذه المهاترات فإبحثوا عن غيرها فحقيقة ما قمتم به هو تراجع دبلوماسي بالدليل القاطع من خلال الأرقام التي صوتت لصالح أو بقيت محايدة مقارنة مع ما تم الحصول عليه سابقاً، لذلك بدأ اللعيبة المحترفين يسوقون لشئ جديد وهو أن هناك مفاجأة ينتظرها الشعب الفلسطيني وستضع الجميع أمام مسؤولياته وستربك الحسابات إن لم يتم التجاوب مع الطلب الفلسطيني بضرورة إلزام إسرائيل بالقبول بتحديد جدول زمني للقبول بدولة فلسطينية مستقلة، والمفاجأة التي يتحدثون عنها تتلخص كما يقدرها البعض في إمكانية تلويح الرئيس عباس بوقف التنسيق الأمني أو التطرق لإمكانية إلغاء إتفاقية أسلو وإعلان الدولة الفلسطينية أو لربما التلويح بأنه سيترك المنصب كرئيس والخيارات جميعها بالمنطق صعبة التحقيق إن لم تكن مستحيلة في ظل الفوضى القائمة وعدم ترتبيب المواقف في البيت الداخلي وتراجع بعض الدول عن تحمسها إتجاه دعم الموقف الفلسطيني، ولكن يبدو أنه سيكون تمريرها عن طريق بروباجندا إعلامية لتعطي أمل من خلال خطاب ناري يروق لسامعيه من أبناء الشعب الفلسطيني المستهدف الاساسي من كل هذا الأكشن الذي لامسنا نتائجه في الاحداث الدرامتيكية في المرحلة السابقة ولا زال نفس السيناريو كبضاعة رائجة ومناسبة للمرحلة القادمة حسب المراقبين والمعنين بالشأن الفلسطيني ليعيش مخدراً على أمل جديد لمدة عام جديد كما حصل في الأحداث السابقة وذلك لإستكمال مشروع لا زال لم ينضج بعد ولإعطاء الرئيس المزيد من الوقت لترتيب الحالة الفلسطينية بدون مشاكل أمام أي طارئ قد يحصل ولم يكن في الحسبان ، لذلك في تقديري أننا سنتفاجأ من دوي المفاجأة التي ستكون كقنبلة الصوت التي لن تترك ورائها سوى صدى يتلاشى بعد فترة وجيزة هدفها تهيأة الرأي العام لتمرير فشل إمكانية عقد المؤتمر السابع لحركة فتح في موعده الذي تم تحديده ولإنتظار أمل جديد لم يأتي ولن يأتي بجديد، ولن تكون مفاجأة أبداً بزخم وحجم مفاجأة 2012 التي بهتت وإضمحلت هيبتها وقيمتها وقد كان ذلك واضحاً في ردة الفعل الشعبي مع التعاطي مع حدث رفع العلم الفلسطيني الذي لم يقابل بنفس الحماس والشعور بالفرحة كما قوبل حدث القبول بالدولة الفلسطينية كدولة مراقب غير عضو وكأن حال الشعب يقول أعطني خبزاً وأحفظ كرامتي وأعد حقوقي وأعدني كما كنت وإعمل ما شئت فليس كل حدث يجب أن يكون له عرس بل أعرفوا واجبكم لتكونوا ممثلي شعبكم ، فالعلم لا يهمني أن يكون على ساريات بدون نتائج ولكنه سيبقى محفور في قلبي ولا يحتاج لذلك تصويت ولا جواز مرور ولن يستطيع أحد أن ينتزعه منه سواء رفع أم لم يرفع فنحن كشعب حي لفلسطين سنبقى عنوان والجميع يدرك بأننا أصحاب حق ولكن المشكلة في صراع قادة أضاعوا قيمة العلم وأضاعوا هيبة الدولة وأضاعوا مكانة وطن وأضاعوا كرامة الإنسان وهم كل عام يبيعوننا رواية مختلفة مطبوخة بنكهة أوهام جديدة وأخرها وربما الأخيرة في مرحلة أصبحت في نهايتها ولكن لا زال لاعبيها يرواغون ويحيدون عن الطريق وهم يعلمون أن الحرية ليس بعلم ولا بمفاجأة رئيس بل بوحدة شعب وبمصداقية قادة فقدوا الشعور بالمسؤولية أمام تحديات صعبة ومعقدة جلبوها هم لشعب يستحق الحياة ويستحق العلم ويستحق المفاجأت ليعيش بأمن وأمان وسلام مع باقي شعوب المنطقة ، وكما قال السفير الفرنسي في الأمم المتحدة فرنسوا ديلاتر ان «هذا العلم رمز قوي وبارقة أمل» للفلسطينيين ، فأين ستكون مفاجأة الرئيس من هذا ، وهل ستضفي بارقة أمل جديدة تعيد ثقة الشارع إلى جانب ما جاء به رفع العلم من بارقة أمل ليفرح من جديد كلما رفع علمه من جديد بدون إضافة المزيد من التناقضات التي تعرقل الطريق؟!!! ......
تنويه 1 : في تناقض واضح مع التصريحات الرسمية التي اشارت إلى أن كل الدول الأوربية صوتت لصالح القرار نود التوضيح بأن الدول الاوربية التي صوتت إلى جانب القرار هي: فرنسا، اسبانيا ، ايرلندا، ايطاليا، بلجيكا، بولندا، سلوفينيا، السويد، لوكسمبرغ، مالطا، أما الدول الأوربية التي إمتنعت عن التصويت فهي بريطانيا ،المانيا ،استونيا، البرتغال، بلغاريا، جمهورية التشيك ،الدنمارك، رومانيا، فنلندا، قبرص، لاتفيا، ليتوانيا، النمسا، هنغاريا، اليونان ، سلوفاكيا، هولندا..... يعني تقريباً النص بالنص!!!!
تنويه 2 : وزير الخارجية الفلسطيني د.رياض المالكي اعتبر أن الدول التي صوتت إلى جانب القرار هي «دولٌ منسجمة مع مبادئها وهي بتصويتها الإيجابي ترسل رسالة أمل إلى الشعب الفلسطيني، وتأكيد على دعم فلسطين وللحل القائم على الدولتين، والحفاظ على هذا الحل، في وقت تعمل فيه إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، وحلفائها على تقويض حل الدولتين ، كما دعا الدول التي امتنعت عن التصويت لمراجعة مواقفها، وان تقف عند مبادئها وتتوقف عن الكيل بمكيالين، مشددا على أن من يريد الحفاظ على السلام يجب ان يتحلى بالشجاعة للوقوف مع الحق!!!!! ...... جميل جداً أن نتحدث عن القيم والمبادئ والحق وأن نعمل بها ولكننا نذكر الوزير المالكي بقول الله تعالى في سورة الصف "كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ" صدق الله العظيم.


