خبر : تركيا إلى انتخابات مبكرة... كيف ولماذا؟ ... ماجد عزام

السبت 12 سبتمبر 2015 06:53 م / بتوقيت القدس +2GMT
تركيا إلى انتخابات مبكرة... كيف ولماذا؟ ... ماجد عزام



 

"أفرزت نتائج الانتخابات واقعاً جديد في تركيا، وربما يكون ائتلاف حكومي بقيادة حزب العدالة والتنمية أو لا يكون، لكن البلد ستشهد في الغالب انتخابات برلمانية مبكرة في غضون عام من الآن سيراجع فيها الناخب التركي نفسه، وسيميل إلى إعطاء الحزب الغالبية اللازمة للحكم مفرداً، ولكن دون امتلاكه القدرة على تعديل الدستور أو كتابة آخر جديد كون الأمر مرتبط حتماً بالتوافق الوطني وأغلبية الثلثين في البرلمان أو الشارع. بينما ستظل عملية التسوية على سكة الحل، وهي كانت وستظل مصلحة وضرورة وطنية بغض النظر عن تجاوز حزب الشعوب نسبة الحسم أو لا".

الفقرة السابقة كانت الخلاصة أو الاستنتاج الأخير في المقال الذي كتبته بعد الانتخابات البرلمانية التركية التي أجريت أوائل حزيران الماضي ونشرته العربي الجديد في الرابع عشر من الشهر نفسه.

إذن، خلقت الانتخابات النيابية واقعاً سياسياً مختلفاً فقد فيه حزب العدالة والتنمية الغالبية البرلمانية التي تمتع بها منذ بداية الألفية الجديدة، ما منع تشكيل حكومة ائتلافية لأسباب ذاتية موضوعية، ولكنه أدى حكماً إلى اتخاذ القرار غير المفاجىء بالذهاب إلى انتخابات مبكرة أوائل تشرين ثاني/نوفمبر القادم.

صبيحة اليوم التالي لانتخابات حزيران أعلن حزبا الحركة القومية اليميني والشعوب الديموقراطية الكردي عن رفضهما المشاركة في ائتلاف حكومي مع العدالة والتنمية اليميني المحافظ ذي الجذور الإسلامية. بينما أبقى حزب الشعب اليساري الباب مفتوحاً الأمر الذي جعل المفاوضات الائتلافية الجدية تجري مع هذا الحزب  تحديداً.

 ورغم ذلك أجرى أحمد داوود أوغلو بعد تكليفه رسمياً تشكيل الحكومة أوائل تموز/ يوليو مشاروات جدية مع زعيم الحزب اليميني دولت بهشلى  الذي طرح شروط بعضها  مستحيل، وحتى تعجيزي  وهى تضمنت إيقاف أو إلغاء عملية التسوية أي السلام الداخلي مع الأكراد التي يراها حزب العدالة والتنمية ضرورية وحيوية لحاضر ومستقبل البلاد، وعدم تعديل البنود الأربعة الأولى من الدستور التي تتحدث عن هوية البلاد ونظامها السياسي، والتي لا يمكن إنجاح عملية التسوية بدونها، خاصة فيما يتعلق بالمواطنة الكاملة والتزام الرئيس أردوغان بصلاحياته الدستورية، وإعادة محاكمة الوزراء الأربعة المتهمين بالفساد فيما يعرف بأحداث أو قضية كانون أول/ ديسمبر 2013، وهي مطالب سياسية قابلة حتماً للأخذ والردّ ومرتبطة بالتوافق الوطنى  على الدستور الجديد كما موازين القوى داخل البرلمان نفسه.

حزب الشعوب  الديموقراطية الكردي كان أعلن أيضاً رفضه المشاركة في الائتلاف الحكومي مع دعمه لأي ائتلاف محتمل يضم حزب العدالة وحزب الشعب اليساري، وهو موقف بدأ غير صحيح، ولم يتقبّله  حتى الزعيم الكردي المعتقل عبد الله أوجلان-راديكال 22 اب اغسطس- على اعتبار أن التحالف بين العدالة والشعوب كان هو الأمر الصحيح قياساً إلى ما فعله الأول للأكراد سياسياً اقتصادياً واجتماعياً كما إلى المفاوضات الطويلة التي كان حزب الشعوب فيها بمثابة الوسيط بين الحكومة وأوجلان، إلاّ أن تطرّف عسكر جبال قنديل، ورفض تنفيذ مطلب الاخير بإلقاء السلاح  وذهاب ديمرطاش بعيداً في مهاجمة أردوغان أثناء الحملة الانتخابية لنيل أصوات متطرفي اليسار، وجماعة غولن أوجدا حاجزاً أو هوة عميقة من الشك وعدم الثقة بين الجانبين.

قياساً للمعطيات السابقة اقتصرت المفاوضات الائتلافية الجدية على حزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري، وهما عقدا خمس لقاءات وصلت إلى حائط مسدود بسبب الخلاف السياسي والأيديولوجي العميق بين الجانبين، كما لتجاهل حزب الشعب لحقيقة أنه حاز على عدد من المقاعد يقارب نصف العدد الذي ناله حزب العدالة، وهو ليس في وضع يسمح له بفرض رؤاه وتصوراته الخاصة كاملة على خصمه.

طرح حزب الشعب إعادة بناء النظام التعليمي في البلد، خاصة فيما يتعلق بالدروس الدينية بما يتناقض مع توجهات العدالة والتنمية والمجتمع التركي بشكل عام، أما خارجياً فطرح مواقف تتساوق أكثر مع التحالف  الإقليمي المستجد بين واشنطن وطهران، ومع تفهم أو حتى قبول فكرة ابتعاد أنقرة عن الانخراط في أزمات الإقليم، وعلى سبيل المثال احترام تسجيل الموقف السياسي والأخلاقي من الانقلاب في مصر دون الدخول في صراع أو تجاذب سياسي وإعلامي مع النظام المصري، إلا أن ذلك لا ينطبق على الثورة السورية، وما تركته من تداعيات على تركيا والمنطقة، وتهرّب الحزب الشعب من تحديد الأخطار الاستراتيجية على تركيا؛ هل تنظيم داعش أم الطموحات الانفصالية للأكراد تحت ستار التقرب من أمريكا والغرب بحجة محاربة التنظيم حتى أننا بتنا أمام مشهد سوريالي صار فيه حزب الشعب غير متحمس أو داعم جدي لا لعملية التسوية، ولا حتى للمواجهة المسلحة مع الأحزاب الكردية الانفصالية المتغطرسة والمنتشية بالدعم الغربي لها...

إلى ذلك طرح حزب الشعب فكرة تشكيل حكومة لأربع سنوات، بينما طرح حزب العدالة حكومة إصلاحية لفترة محددة في حدود سنتين تقريباً على أن يكون هناك فرصة لكل حزب لاتخاذ ما يراه مناسباً، علماً أن الملف الاقتصادي كان الوحيد القابل للحلول الوسط بين الجانبين، كما صرح أحمد داوود أوغلو عند تكليفه رسمياً بتشكيل الحكومة، وبعدما أجرى معانوه دراسة معمقة على البرامج الانتخابية للأحزاب الممثلة في  البرلمان.

الآن وبنظرة للوراء، يمكن الاستنتاج أن كل الأحزاب فهمت مبكراً ومبكراً جدّاً جدّاً أن الظروف غير ناضجة بعد لتشكيل حكومة ائتلافية، وأن خيار الانتخابات المبكرة  حتمي، ولا مفر منه ولذلك عملت على تحصين مواقعها وتقوية وتمتين روايتها للحملة الانتخابية. وهكذا رفض حزب الشعوب أي فكرة للائتلاف مع العدالة والتنمية، وهو يبدو مصرّاً على خطابه الانتخابي الشوفيني في المناطق الكردية والعلماني اليساري المتطرف في المناطق التركية، بينما فهم حزب الحركة القومية أن لا جدوى من الإعلان عن رفض الائتلاف مبدئياً طارحاً في المقابل شروط تعجيزية تتماهى مع قناعات قاعدته اليمينية القومية المتطرفة وحزب الشعب فعل الشيء نفسه، ولكن بالاتجاه العكسى أي الدخول لمفاوضات وطرح مواقف سياسية تتماشى أيضاً مع قاعدته العلمانية واليسارية، وقبل ذلك وبعده راهن حزب العدالة والتنمية ومنذ صباح الثامن من حزيران على العودة لصناديق الاقتراع على أمل حصد اثنين أو ثلاثة بالمائة إضافية، وهو كما زعيمه الفعلي الرئيس أردوغان لم يكن بوارد الائتلاف أو تقديم التنازلات لأي كان.

بناء على ما سبق فشل أحمد داوود أوغلو في تشكيل الحكومة ما دفعه إلى إعادة التكليف الحكومي للرئيس  اردوغان الذي منحه الدستور صلاحية تكليف زعيم الحزب الثاني أي حزب الشعب لإجراء محاولة أخرى أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة بعد التشاور مع رئيس البرلمان، وهو فضّل الخيار الثاني لأنه أكثر واقعية، ولأن لا داعي لإضاعة مزيد من الوقت في جهود ائتلافية لا جدوى أو طائل منها.

وعموما فقد انطلقت الحملات الدعائية  للانتخابات المبكرة بمجرد تكليف داوود اوغلو بتشكيل ما توصف هنا بالحكومة الانتخابية  والتى تتكون  حسب الدستور من الاحزاب الممثلة فى البرلمان حسب احجامها مع مستقلين من خارجه للحقائب الثلاث  المعنية بالعملية الانتخابية وهى الداخلية العدل والمواصلات ،حيث رفض حزب الشعب المشاركة لاتهام الرئيس اردوغان بتجاوز الدستور وللظهور بمظهر الضحية الذى حرم من حقه فى تشكيل الحكومة، وفعل الحزب اليمينى الشىء نفسه ولكن لتصوير الحكومة وكانها ائتلاف بين العدالة وحزب الشعوب الكردى الذى قبل المشاركة من جهته  لتحصين نفسه وحصد مزيد من الشرعية السياسية  ،غير ان مخطط الحزب اليمينى تعرض لضربة قاصمة مع مشاركة احد ابرز نوابه طورغول توركش ابن مؤسسه وزعيمه التاريخى الب ارسلان توركش فى الحكومة كنائب لرئيسها،  بصحبة  زعيم يمينى اخر - يالتشين طوبجو-   ما اعطى فكرة عن استراتيجة حزب العدالة والتنمية ،الساعية لاستعادة   ما فقده من اصوات القوميين وفى نفس الوقت الانفتاح  على الاكراد والاعتراف بهم كعنصر رئيس فى المشهد السياسى والحزبى

ربما من المبكر التنبؤ بما آلت الفترة الحالية وصولاً إلى الانتخابات، ولكن ثمة استطلاعات تتحدث عن فرصة معقولة للعدالة والتنمية لحصد اثنين إلى ثلاث بالمائة إضافية عن الانتخابات السابقة اى 43 بالمائة تقريبا  تكفل له الحكم منفرداً، ولكن شرط الاقتناع باستحالة قبول أو تمرير الشارع لفكرة النظام الرئاسي. كما بإعادة النظر في مرشحّيه خاصة في المناطق الكردية والعودة للغة الهادئة والواقعية والإصرار على عملية تسوية أو سلام داخلي ودستور ديموقراطي توافقي يؤسس لدولة علمانية مدنية ديموقراطية لكل مواطنيها.

  • رئيس تحرير نشرة المشهد التركي الالكترونية