خبر : فرصة الرئيس الأخيرة ...محمد ياغي

الجمعة 11 سبتمبر 2015 03:49 م / بتوقيت القدس +2GMT





لا يخفى على أحد بأن الرئيس أبو مازن راغب في التخلي عن مهامه كرئيس للسلطة وللمنظمة.
أبو مازن بلغ الثمانين من العمر ومن حقه أن يعيش بين أحفاده وكتبه، وهو يعلم أيضا أن الحل السياسي للقضية الفلسطينية أبعد اليوم من أي وقت مضى وبالتالي فإن وجوده في السلطة لفترة أطول لن يغير من واقع الحال.
وهو أيضاً يدرك أن الشرعية السياسية تحتاج إلى تجديد وأن عشر سنوات على قمة أي هرم سياسي كافية للتشكيك في شرعية الجالس على القمة.
لذلك، وعلى الصعيد الشخصي، أشعر بتعاطف مع رغبة الرئيس في التخلي عن موقعه، وأكثر من ذلك، أرى في ذلك ضرورة لتجديد النظام السياسي الفلسطيني، وتكريساً لمبدأ أن أي رئيس فلسطيني لا يحق له الرئاسة أكثر من فترتين لا تتجاوزان الثماني سنوات، هذا إذا ما فاز طبعاً في الانتخابات التي تلي الفترة الأولى.
أما وقد قلت ذلك، فإن المسألة التي يجب تُقلق الرئيس أكثر من الراحة والشرعية، هي التراث السياسي الذي سيتركه خلفه.
هنالك قضيتان يمكن للرئيس القيام بهما قبل مغادرة المسرح السياسي: إعادة بناء منظمة التحرير على أسس شرعية، وإعادة بناء حركة "فتح".
في مسألة المنظمة، يمكن الدعوة فوراً لاجتماع للإطار القيادي الموحد الذي تم الاتفاق عليه بين الفصائل الفلسطينية ووضع بند وحيد على جدول أعماله: انتخابات حرة لأعضاء المجلس الوطني في الداخل والشتات والتوافق على أعضاء المجلس أو معاير تعيينهم في الأماكن التي يصعب فيها إجراء الانتخابات.
المنظمة كما هي الآن لا تمثل الشعب الفلسطيني إلا اسمياً.
فعلياً، لا أحد من الشعب الفلسطيني يأخذ مسألة التمثيل على محمل الجد لأسباب تحدثنا عنها سابقاً: فصائل واتحادات شعبية وهمية أو بلا وزن في الشارع، أعضاء لمجلس وطني غير منتخبين، فصائل فاعلة لكن بلا تمثيل في المنظمة، تنفيذية عمرها ربع قرن، وغيرها من الأسباب.
إذا أراد أبو مازن أن يترك خلفه إنجازا سياسيا حقيقيا، فإن إعادة الشرعية والاعتبار لمنظمة التحرير هي المسألة الأهم اليوم من أي شيء آخر.
لماذا؟ أولاً، لأن منظمة شرعية سيكون من حقها- وستكون أيضا قادرة لما لها من شرعية- إعادة ترتيب البيت الفلسطيني بأكمله: السلطة، البرنامج السياسي، وسائل النضال، ووحدة الضفة وغزة.
ثانياً، هنالك متغيرات هائلة في الإقليم تفرض نفسها على الفلسطينيين شعباً وقضيةً ولا يمكن التعامل معها بالأدوات الحالية: أدوات السلطة والمنظمة كما هما الآن.
الفلسطينيون شردوا من سورية والعراق وليبيا ومخيماتهم في لبنان أصبحت مليئة بجماعات تكفيرية ولا أحد يتحدث عن معاناة هؤلاء الفلسطينيون أو يقدم الحلول لمشاكلهم.
هنالك أيضاً مخاطر استغلال دولة الاحتلال لحالة "التفسخ" في الإقليم (سورية ولبنان وسيناء) لعمليات تهجير وترحيل.
ثم هنالك المسألة السياسية: هل على الفلسطينيين الإقرار بأن حل الدولتين قد وصل إلى نهايته كما هو واضح من السلوك الإسرائيلي؟ ما هي استحقاقات ذلك؟ هل الأفضل اعتماد خيار الدولة الواحدة وماذا يعني ذلك؟ هل هي دولة لجميع مواطنيها؟ دولة أمنها وسياستها الخارجية واقتصادها موحد لكن لكل شعب فيها الحق في إدارة حكمه المحلي؟ وما هي أشكال المقاومة التي يمكن أن توصل الشعب الفلسطيني لأي من هذه الخيارات؟
دون ممثل حقيقي للشعب الفلسطيني، ممثل قادر بسبب شرعيته وقناعة الفلسطينيين به والتفافهم حوله، لا يمكن التصدي لهذه المخاطر أو هذه الأسئلة بطريقة جدية.
قد لا يكون الرئيس راغباً بالمساهمة في كل هذا الحوار أصلاً، لكن من حق الشعب الفلسطيني عليه، ومن الأفضل له ولتاريخه قطعاً، أن يكون هو من أعاد تأسيس منظمة التحرير وأعاد الشرعية لها.
فلسطين، الشعب والقضية، أكبر من جميع التنظيمات الفلسطينية، ولا يجب التخوف من هيمنة تنظيم على المنظمة إذا ما جرت الانتخابات لها، لأن الشرعية المستمدة من صناديق الاقتراع مشروطة بالعودة لها مجدداً، وبخلاف ذلك، لا شرعية لأحد حتى لو فاز في إحدى الجولات الانتخابية.
المسألة الأخرى التي يمكن للرئيس أن يترك فيها أثراً قبل انسحابه من الحياة السياسية هي "فتح".
ليس خافياً بأن "فتح" فيها مراكز قوى، وتكتلات تتصارع فيما بينها، حتى من تم إخراجه منها أو من مركزيتها لأسباب تم إعلانها على الملأ لا يزال حاضراً ويؤثر فيها ويتم استقباله في بعض الدول باعتباره خليفة محتمل للرئيس.
لا توجد إساءة أكبر لحركة "فتح" من ذلك لأن هذا يعني، أن لا أحد من داخلها أو من خارجها، يأخذ قراراتها على محمل الجدية أو يعطيها صفة المصداقية. الكل، في الداخل والخارج، يعتبر ما يجري داخل "فتح" مجرد صراع سياسي أو صراع على النفوذ، وأن المفصول منها ليس بالضرورة مُدان أو أن الشرعية ساقطه عنه.
هنا بإمكان الرئيس القيام بمهمتين: رعاية انتخابات داخل "فتح" لانتخاب مركزية جديدة شريطة أن تكون انتخابات حرة ونزيهة تُشرف عليها لجنة مستقلة من داخل "فتح" مشهود لها بالنزاهة، ويمكنه أكثر من ذلك، أن يُزكي مروان البرغوثي لرئاسة الحركة.
وجود مروان كرئيس لحركة "فتح" وهو في السجن ضمانة لاستمرار انحياز "فتح" إلى جانب مشروعي الوحدة الوطنية ومقاومة الاحتلال.