فتح ملف المؤسسة الرسمية الفلسطينية بمستوى من الفعالية والاستمرارية، فقد احتدم الجدل حول جلسة طارئة او جلسة عادية. وجدل آخر حول التوقيت فيما إذا كان ملائما أم لا، وجدل آخر حول الموضوعات التي ستثار في دورة المجلس الوطني القادمة، سجالات داخل التنظيمات ومع بعضها البعض، وآراء متضاربة في وسائل الاعلام. النتيجة الأولى للسجال هي الاستجابة لتأجيل دورة انعقاد المجلس الوطني، وبخاصة بعد طلب التأجيل الذي تقدم به 14 عضوا من أعضاء اللجنة التنفيذية.
الحوار الذي تتبادل فيه الأفكار حول واقع المؤسسة المؤسف، يعد بمختلف المقاييس استجابة بناءة مشجعة رغم التباينات، والاهم، هو استمرار عملية الحوار ودخول المزيد من الفعاليات والعقول وجهات الاختصاص على خط طرح الأفكار والمقترحات، فالمؤسسة التي عاشت حالة من السبات العميق، لن تعاد لها الحياة ولا تجدد في لحظة عابرة او من خلال اجتماع واحد طارئ او عادي.
السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا تأخرت محاولات استئناف عمل المجلس الوطني طوال هذا الوقت الذي يغص بالأحداث والتطورات والتحديات. كان يكفي كتابة مذكرة موقعة من عشرة أعضاء، موجهة لقيادة المجلس، تدعو الى احترام النظام الداخلي للمجلس والالتزام بعقد اجتماعاته الدورية، لما قبل أعضاء المجلس الوطني جميعهم الدخول في حالة شلل تامة وعدم احترام شروط العضوية.
فإذا كان تعطيل عمل المجلس يشكل مصلحة لدى البعض، فلماذا يقبل الآخرون بالتعطيل الذي ألحق ويلحق ضررا بالشعب وبمصالحه الوطنية والحياتية؟ شكرا للأعضاء الذين استيقظوا بعد 24 عاماً من السبات، قد يبرر البعض وبخاصة أعضاء التنظيمات في المجلس الوطني، بان اجتماعات المجلس المركزي كانت البديل، غير ان هذا المبرر يعني مصادرة دور المجلس الوطني من قبل هيئة وسيطة، بما يخالف بل ويتناقض مع النظام الداخلي. وإذا كانت عضوية المجلس كثيرة العدد – اكثر من 600 عضو- تقدم كمبرر آخر للجمود الذي أصاب المجلس، فإن لجان المجلس معطلة.
ما أود قوله ان أعضاء المجلس الذين لم يستقيلوا ولم يعارضوا ولم يطالبوا، الذين لم يمارسوا مهماتهم كأعضاء، هل سيجرؤن على البقاء اعضاء في المجلس الجديد، سواء بإعادة الترشح او ضمن نظام الكوتا «المحاصصة»؟
عضوية المجلس وفاعليتها وجدية أصحابها مرتبطة بالمفهوم السائد للمؤسسة، الذي يغلب الأبوية والفئوية والشخصانية والولاء على المهنية والمواطنة. التنظيم ورئيس التنظيم يريدون من العضو أن يكون موالياً ومطيعاً وتابعاً للتنظيم ولرئيس التنظيم. الطاعة والولاء والبيعة في المناسبات هي المهمات الوحيدة المطلوبة من العضو، وإذا تأكد ذلك، فمن المنطقي أن لا يعبر العضو عن مصالح الشعب الوطنية والحياتية ولا يدافع عنها، وتحصيل حاصل لا يهم العضو الموالي إذا ما اجتمع المجلس او تعطل. لهذه الأسباب ثمة أهمية لإعادة النظر في مسألتين: الأولى، نظام الكوتا الذي يقوض وظيفة العضو ويجعله ممثلا لأي شيء ما عدا الشعب، والثانية، شروط العضوية المشتقة من حاجة الشعب والمهمات المناط بالعضو منفردا والأعضاء مجتمعين.
التشوه الذي اعترى المؤسسة، والتناقضات التي تجعل مهمة التغيير شائكة، تدفع البعض الى نفض اليد والتعامل بسلبية مطلقة يكتفي أصحابها بسرد التشوهات والتركيز عليها، وتأكيد استحالة الحل. البعض الآخر يطرح مشكلة المؤسسة إذا ما تضرر وجوده فيها فقط، في محاولة للحفاظ على مصالحه. آخرون يستغلون مشكلة وتشوهات المؤسسة لإيجاد موقع لهم داخلها او لاستبدال سيطرة بأخرى وعدم الاكتراث لمصالح المكونات التي يجري تمثيلها.
إن الأفكار المتداولة، يغلب على الكثير منها التوفيق بين النخب القائمة، بالزيادة عليها غالباً، بمعزل عن عملية إعادة بناء، تستند الى معايير سياسية وديمقراطية وإدارية نابعة من المصلحة والتجربة الماضية المريرة، وتستند الى منظومة مواقف وأفكار ملزمة، إذا ما تم وضع المعايير والنظم او المرجعية يصبح التجديد او إعادة البناء ممكنا ومفتوحا على تطوير لاحق.
- شطب نظام الكوتا (المحاصصة) الذي ساهم في اهتراء مؤسسات المنظمة.
- التراجع عن التحكم في قوائم المستقلين لتعزيز السيطرة على المؤسسة والتحول الى حزب حاكم دائم.
- الالتزام باستقلال المؤسسات ( الصندوق القومي ) و(القضاء) و(لجنة الانتخابات المركزية) و(لجنة الرقابة).
- قبول واعتماد برنامج سياسي مشترك للكل الفلسطيني، يتمسك بقرارات الشرعية الدولية ( حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته وحق اللاجئين في العودة، وحق المساواة للشعب الفلسطيني في أراضي عام 48، وقبول الشرعية الدولية ككل لا يتجزأ، ورفض التنكر الإسرائيلي للقانون الدولي وقراراته، والعمل على الاعتراف بفلسطين عضوا كامل العضوية، واستكمال حصول فلسطين على العضوية في المؤسسات الدولية والانضمام للمواثيق والاتفاقات الدولية والالتزام بها.
- الالتزام بالتعدد السياسي والثقافي والديني ورفض التكفير والتعدي على الحريات العامة والخاصة وفرض أزياء او سلوك معين على المجتمع، واحترام استقلال مؤسسات التعليم والمؤسسات الدينية وحظر السيطرة عليها، وفصل الدين عن الدولة وعن السياسة، واعتماد قانون أحزاب لا تمييز فيها على أساس الدين، وتكون عضويتها متاحة لكل فلسطيني.
- الالتزام بالتبادل السلمي للسلطة ولمركز القرار في المنظمة ومؤسساتها، واعتماد الانتخابات الدورية في الحصول على التفويض الشعبي.
- المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات وإزالة كافة أشكال التمييز ضد النساء - نصف المجتمع- الذي يشكل مقياساً للعدالة الاجتماعية.
هذه العناوين وغيرها جديرة بأن تخضع للنقاش من اجل بلورة الناظم والمرجعية المشتركة او العقد الوطني الاجتماعي او الميثاق الجديد لعموم الشعب وقواه السياسية. العقد الوطني لا يأتي بالتوفيق بين المواقف بل باشتقاق المصلحة العليا لعموم الشعب وتحويلها الى ناظم في مرحلة تاريخية معينة. إن التوصل الى الوحدة الوطنية وتجاوز الانقسام لا يكون بمعزل عن ناظم مشترك وملزم للجميع. وبالطبع، العقد الناظم لا يلغي البرامج الخاصة، فكل تنظيم له برنامجه الخاص جنبا الى جانب البرنامج المشترك. ومن حق أي تنظيم السعي والعمل من أجل أن يتحول برنامجه الخاص الى برنامج تتبناه أكثرية مطلقة – الثلثان – في المجلس الوطني.
Mohanned_t@yahoo.com


