أتفهم وجهات النظر المخالفة والتي تقول ان عقد دورة للمجلس الوطني الفلسطيني في رام الله منتصف الشهر الجاري قد تؤدي الى الاستفراد او تكريس الانقسام او تقليل هيبة المؤسسات الشرعية او قد تدفع البعض, أي تشكيل جماعات او جمعيات تنازع المجلس او غيره الشرعية والحضور ، أفهم هذه المخاوف ، كذلك اولئك الذين يدعون الى التأجيل او الى تهيئة الظرف وأنضاج القرار, كما أفهم اولئك الذين يرفضون الحضور من منطلق الحرص او الحرد افهم النوايا الدائم او الرغبة في شرعنه الانقسام من منطلق الاستحقاق الجغرافي او السياسي او حتى الاصطفاف الاقليمي او الاجندات الخارجية. أفهم كل ذلك، ولكني اخالفه تماما ، وارى من منطلق الأجندات حرصي وانتمائي لكل الشرعيات الفلسطينية التي تم انجازها وتأسيسها بالدم والعرق ، ان الموقف الوطني والملتزم والناجح هو انجاح الدورة المزمع عقدها منتصف هذا الشهر وذلك للأسباب التالية :
اولا : ان الحضور الكافي والتمثيل الفصائلي والمجتمعي في هذه الدورة سيمنعها من ان تتحول الى دورة استثنائية ، وبالتالي سيتم الحفاظ على مؤسسة المجلس الوطني مؤسسة شرعية تمثل الفلسطينيين في الوطن والمهجر والشتات ، بحيث لا يمكن تجاوزه او التشكيك فيه او تجاوزه ، صحيح ان هذا المجلس بحاجة الى تجديد واعادة تشكيل حتى يصبح اكثر تعبيرا عن الشعب الفلسطيني ، ولكنه يبقى البيت الذي نعود اليه دائما ، ان تثبيت جلسة عادية له في هذه الظروف هو اعادة الاعتبار اليه ، والاحتكام الى قراراته واظهار احترامه ، لآننا سنعود اليه مرات ومرات ، ان طعن هذا التمثيل او تمزيقه او ادارة الظهر اليه سيدفع الى مزيد من الانشقاقات والتكتلات وربما مجلس هنا ومجلس هناك .
ثانيا : يجب علينا ان نستفيد مما يحدث في العالم العربي حولنا ، بحيث يكون الحوار هو اساس العلاقة ، الحوار العلني والمسئول والشفاف بين مختلف الفصائل والتنظيمات الاجتماعية ، ان عدم حضور هذه الدورة هو قتل للحوار واستهتار بإحدى اهم وسائل العقد الاجتماعي ، وعليه فأن الحضور الكافي والتمثيل الشامل لكل الفلسطينيين سيسمح لوجهات النظر الاخرى ان تظهر وان تقال ، ليس للحظة الراهنة وانما امام الله والشعب والتاريخ . ان الحضور الكافي والتمثيل الشامل سيقطع الطريق على الاستفراد او الاستقواء او الاستحواذ او السيطرة ، وليكن هناك صراخ وجدال، وليكن هناك ما يكون ، ولكن بشرط ان تكون وجهة النظر الاخرى حاضرة وممثلة .
ثالثا : ان دورة عادية للمجلس تعقد في رام الله يعني احتكار الوطن للقرار وللفعل وللقول الفصل ، ويعني قطع الطريق على الشخصيات او الجهات التي تريد تفكيك البيت الفلسطيني من النجاح او حتى مجرد اعطائها الفرصة لذلك . وحتى يتم فهمي جيدا ، فإنني اقول ان التمثيل الفلسطيني الان ،حتى وان كان بحاجة الى ترميم واصلاح واعادة هيكلة ، ولكنه اكثر ضمانا وحماية من هدم البيت وتفجيره من الداخل ، سيقول قائل ان الشرعيات الفلسطينية متأكلة وبعضها انهار تقريبا ، واقول ان هذا صحيح ولأنه صحيح فلا بد من الترميم وليس الهدم ، ولا بد من الاصلاح وليس الاطاحة ما تم بنائه . وهناك من يقول أن انعقاد المجلس يأتي في طار ترسيخ هيمنة الرئيس محمود عباس على المؤسسات.
جيد وهل هناك من ينازع الرئيس الأن بهذه الهيئات ؟ ولو كان يرغب بالاستمرار بالوضع الحالي بما فيه من عورات لما دعا لانعقاد المجلس. من هنا ، فان دفاعي عن جلسة عادية للمجلس هو حماية للشرعيات وليس حماية للشخصيات ، ودفاعي يتمثل في الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية واعادة الاعتبار اليها والاحتكام الى نظامها الداخلي ، انتظارا لخطة الترميم والاصلاح ، عندما يحين الوقت ، وان حضور الكل الفلسطيني بما فيها حماس والجهاد الاسلامي واي تشكيل فلسطيني ممثل اخر ، هو خطوة في الاتجاه الصحيح . نحن هنا ندافع عن بقاء الشرعيات واعطائها ما تستحق من هيبة وقدرة على الحركة ، وكذلك على ما حصلت عليه من اعترافات اقليمية ودولية ، فمن العيب ان نهدم البيت الذي دفعنا من اجله دماء كثيرة ، واذا كان هناك من اخطاء ، فان الشعوب تخطئ مرة ومرتين ولكنها في نهاية الامر تسلك طرق الصواب هذه دعوة صادقة لكل الاخوة اعضاء المجلس الوطني الفلسطيني الى الحضور بشخصهم الكريم او انابة من يريدون عنهم ، او الاعلان عن تأييدهم لعقد المجلس دورة عادية ، وذلك من اجلهم واجلنا واجل الشعب واجل الوطن واجل كل المعتقلين والاسرى والشهداء . المجلس الوطني الفلسطيني هو اكبر مؤسسة واعلى مؤسسة من مؤسسات م.ت.ف ومن حقنا ان نحافظ على هذا البرلمان الكبير الذي يتوزع على كل دول العالم ، انتظارا لان ينعقد على ترابه الوطني . واذا كانت كل حياتنا استثنائية بفعل الاحتلال ، فأننا نستطيع ، بقليل من التخلي عن المكابرة والمناكفة او حتى عن المواقف الاصيلة ، ان نقصر من عمر هذه الاستثنائية ، وصولا الى حياة عادية مثل حياة كل البشر على هذا الكوكب .
اللواء د.محمد المصري


