خبر : في ذكرى معركة مـرج دابـق ...صادق الشافعي

السبت 05 سبتمبر 2015 08:32 ص / بتوقيت القدس +2GMT



قبل أسبوعين تقريباً مرت ذكرى معركة مرج دابق، تلك المعركة التي جرت في سهل بلدة مرج دابق بالقرب من مدينة حلب في شهر آب لسنة 1516 ( الأغلب يقول في 24 منه، وهناك قول في 8 منه).
دارت المعركة بين قوات الامبراطورية العثمانية بقيادة السلطان سليم الأول وبين قوات المماليك بقيادة السلطان قانصوه الغوري، ورغم استبسال قوات المماليك ومباغتتهم وإيقاعهم خسائر فادحة في صفوف العثمانيين في بداية المعركة الا ان نتيجتها كانت انتصاراً حاسماً للعثمانيين.
البعد الطائفي كان حاضراً في خلفية المعركة ومقدماتها، فقد كانت في أحد أوجهها صراعاً بين الامبراطورية العثمانية السنية وبين الامبراطورية الصفوية الشيعية بقيادة الشاه إسماعيل الصفوي على كسب مصر ومعها بلاد الشام، ففي أحد رسائل السلطان سليم الأول الى سلطان مصر "الغوري" دعوة الى "التحالف ضد أعداء الدين من المرتدين الشيعة" وتحذيراً من طموح الصفويين. 
شكلت معركة مرج دابق انتصاراً استراتيجياً للامبراطورية العثمانية ومفتاح احتلال بلاد الشام ومصر والسيطرة على كل المنطقة، وذلك في تكرار لمفاعيل معركة اليرموك التاريخية وإن بشكل مختلف، وتأكيداً للحقيقة التي أُعيد تأكيدها بعد ذلك في اكثر من مرة واكثر من معركة ومفادها انه "لم يحصل ان سقطت المنطقة وتمت السيطرة عليها قبل سقوط سورية".
تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" حاول استعادة التاريخ بشكل ممسوخ ومقلوب، فحاول في ذكرى معركة مرج دابق وفي نفس شهر المعركة الأصلية، الاستيلاء على بلدة مرج دابق، ليس لقيمتها وأهميتها في سير المعارك بشمال سورية بل للقيمة المعنوية كما تصوروها. 
لا يبدو التفكير الغربي المعادي وحلفه وحلفاؤه بعيدا عن استيعاب الحقيقة المذكورة، ان السيطرة على سورية، بالسياسة ام بالعدوان هو المفتاح لكي تدين المنطقة بكاملها لهم، يعيدون تشكيلها بما يلائم أطماعهم ومصالحهم وإستراتيجيتهم الكونية، وبما يوافق امن واستقرار ربيبتهم دولة الاحتلال الصهيوني.
سورية شعباً ودولة وعيشاً مجتمعياً ومؤسسات ودوراً وتاريخاً وحضارة تدفع منذ اكثر من أربع سنوات ثمن رفضها التفكير الغربي ومقاومة مخططاته، وهي لا تزال تدافع عن نفسها كما تدافع عن المنطقة كي لا تسقط، وتسقط من بعدها المنطقة، ولن تسقط. 
في الأسابيع الأخيرة تنشط الاتصالات السياسية على اكثر من صعيد، وبمبادرة أكثر من جهة وبمرجعيات متعددة.
وعلى اختلاف الاتصالات والمبادرات والمرجعيات فان جميعها تتفق على الانطلاق من حقيقة أكيدة أنه لا يمكن حسم الصراع في سورية بالقوة.
 واذا كان النظام نفسه بالقوى والتحالفات التي يمتلكها لم يستطع حتى اللحظة حسم المعركة لصالحه وهزيمة قوى الإرهاب، فانه لا يمكن إنكار حقيقة ان قواه الجماهيرية المدنية والإدارية والعسكرية والأمنية لا تزال متماسكة موحدة وفاعلة، وانه ما زال الطرف الشرعي الأوحد الذي يمثل الدولة السورية ومجتمعها ويدافع عنهما ويقودهما ويسيّر أمورهما بشكل طبيعي الى حد كبير، وانه لا يزال يمتلك تحالفات ثابته تدعمه على كل المستويات وترفض التساوم على شرعيته واستمراره ودوره. ولا يمكن إنكار، ان النظام الى ذلك، ما زال قادراً على الصمود في وجه الاعتداءات، بل وانه يحقق انتصارات مهمة الى درجة تستدعي التدخل المباشر لقوات الاحتلال الصهيوني نصرة لقوى الإرهاب كلما رأت أنهم في وضع خطير. 
وأي مقترح للحل السياسي لا يستوعب هذه الحقيقة ولا يقوم على أساسها لن يقدر له النجاح. 
أما على الطرف المقابل فلا تزال الشرذمة والتفتت والعداء والسيطرة المناطقية الواسعة نسبيا او الفسيفسائية وصولا الى التقاتل، إن الاختلاف السلطوي وإن التشدد الفكري التكفيري وإن صراع النفوذ والسيطرة، لا تزال هي المظهر الغالب بوضوح شديد.
هذا فيما يتعلق بالقوى المقاتلة، اما ما يتعلق بالهياكل السياسية فقد فشلت فشلا ذريعاً في فرض وجود لها بمستوى يدعم ادعاءها بتمثيل الشعب السوري او حتى جزء وازن منه.
هذا الوضع هو ما يجعل قرار هذه الهياكل، واي قوة ضعيفة تتبع لها، هو بيد القوى الغربية بنسبة تقترب من الـ 100%. 
 ولا تزال متعثرة أو تواجه الإخفاق ودون اي نتائج ملموسة كل محاولات وخطط توليف قوة عسكرية "معتدلة" يتم إلحاقها اسميا بهذه الهياكل، يتم اختيار أعضائها على فرّازة مواصفات ومعايير القوى الغربية النافذة والمقررة وتقوم قوات هذه القوى وأجهزتها بتدريبهم على نهجها وعقيدتها وأهدافها كما تقوم هي بتوجيههم والتخطيط لهم، كما توفر لهم الأسلحة والتجهيزات.
وللخروج من حالة الإخفاق هذه والادعاء انها تملك قوة عسكرية متواجدة على الأرض- لزوم المفاوضات السياسية- فان القوى الغربية وبالذات الولايات المتحدة بدأت بتعديل موقفها لاستمالة قوى مقاتلة ذات حضور على الأرض أهمها "جبهة النصرة" بعد ان تنزع عنها صفة الإرهاب، وقد كانت هي أول من اطلق عليها هذا الوصف وتعاملت معهم على أساسه طوال سنوات.
في بازار المبادرات للحل في سورية وتزاحمها، اليس من الطبيعي والأفضل لو وجدت مبادرة من دولة او دول عربية؟ بعد ان تقاعدت جامعة الدول العربية عن القيام بدورها منذ سنوات واكتفت باستدعاء الدور الخارجي.