لم يعد كل العرب أخواني ولم يعد لي معهم لا سماء ولا أرض ولأن بين الشام وبغداد خط من الجحيم والقتلة والمقتولين فقد تكسرت كل أحلام البراءة وبات يهال عليها التراب بعد أن كان مشرقاً ذات يوم لأمة كانت تقرأ تاريخها بسذاجة الأطفال ولم تفق إلا حين تفجرت شظايا لتهرب من موت إلى موت حاملة أطفالها بين أسنانها كما القطط .
ثلاث مشاهد هذا الأسبوع لم تتوقف صفحات التواصل الاجتماعي عن صفعنا بها وكلما حاولنا أن نشيح بوجهنا ينشرها آخر ليلاحقنا بألم لم يتوقف عن هز ضميرنا الذي يحاول جاهداً النجاة من مذبحة الصراع على السلطة في هذا العالم الذي بدا كأنه فقد عقله دفعة واحدة.. ثلاث صور كفيلة بأن تحدث جرحاً غائراً لأرواحنا ولانسانيتنا التي فقدناها في بلاد العرب التي أصبحت غريبة على أهلها تلاحقهم بالموت.
الصورة الأولى لعائلة سورية تحاول الهروب من بين الأسلاك الشائكة لتدخل إلى دولة هنغاريا فتقوم الشرطة باعتقال الزوج أمام زوجته وأطفاله في مشهد كفيل بأن يشعر كل عربي أغلق الحدود في وجوههم وقبله من حول سوريا إلى جحيم أن يشعر بالخزي.. والصورة الثانية لمهاجرين ماتوا في شاحنة في الطريق إلى هناك إلى عالم يخلو من القتل والقصف والموت مكثوا لأيام وماتوا ببطء كيف كانت اللحظات..؟ إن مجرد التفكير بذلك يكفي للصمت مدى العمر.
أما الصورة الثالثة التي تقطع القلب وتصيب الروح بعطب مزمن صورة الجثث المنتفخة لأطفال ألقت بهم الشواطيء غرباء في بلاد غريبة بعد أن تحولت بلادهم إلى غول يأكل أبناءه هربوا من أنيابه..كانوا يحلمون وعدهم آبائهم بالسكينة والخلود هناك بعيداً في بلاد غير عربية، حلموا بالمدرسة وقرطاسية وقلم رصاص بعد أن لاحقهم كل الرصاص وعدوهم بألعاب ومدرسة تمسح لهم حزنهم الموروث والمكتسب وشجرة في فناء المدرسة وعدوهم بالخلود لكن كان له شكل آخر سيبقى شاهداً على خيبتنا وفجيعتنا.
قد تصيبك الصورة برجة عنيفة ولا فرق هنا أن تراها مرة أو مرات تفتح عينيك أو تغلقها فقد استقرت عميقاً في القلب فهي ليست ككل الصور ...لا تغسلها الدموع التي لا تمسح سوى الخطايا العابرة لكن الصورة أعمق كثيرا من أن تمحى فيا لنا من أمة تقتل نفسها بلا رحمة ويالنا من أمة يهرب أبناءها منها حيث أصبح الافتراس مهنتها اليومية والتآمر والتواطؤ ضد نفسها لعبتها المفضلة وهي تعد الجثث المحروقة والمنفوخة على تلك الشواطئ .
دمشق يا عاصمة التاريخ المجيد لا تسامحينا على ما فعله السفهاء والأمراء منا لا تتعجلي دفن أطفال الشواطئ أتركيهم شهودا على عارنا ونارنا التي أكلتنا جميعا تاركة العالم ينظر بدهشة واحتقار وحزن لما صنعناه .. أتركهم لتبكي كل الضمائر ولتهتز كل العروش التي استسهلت موتهم معتبرة أن عقول النفط الصحراء يمكن أن تضع أكثر من الموت والدمار .
قاسي ما يقوله كل الأصدقاء على الفيس بوك ، وقاسي أيضا ما قالته المستشارة الألمانية من أن التاريخ سيشهد أن هؤلاء المسلحين أتوا لبلادنا بعد أن أغلقت في في وجوههم بلاد الإسلام .. وكم هي قاسية مجرد المقارنة أننا نهرب ونستجير بهم من ظلم ذوي القربى .. وكم هو قاسي ما قالته رئيسة الوزراء الأسترالية وهي ترد على إحدى السيدات .. والأكثر قسوة هل تلك الصورة الأخيرة في الألبوم جثث الأطفال والتي مسحت كل ما قبلها والأسوأ أن البلاد التي دعمت الخراب في سوريا ودفعت بالمال والسلاح مغلقة أمام ضحايا نزواتها .. يا لتلك الخيبة ..!
Atallah.akram@hotmail.com


