خبر : "المنظمة" و"حماس" وشمّاعة الفشل .برهوم جرايسي

الأحد 30 أغسطس 2015 12:18 ص / بتوقيت القدس +2GMT



 يعقد المجلس الوطني الفلسطيني جلسة له في الأسابيع المقبلة، وسط حديث متشعب عن هدف الجلسة الاستثنائية التي يُراد منها، وفق ما ينشر، انتخاب لجنة تنفيذية جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية. ما فتح الباب على مصراعيه، مجددا، للحديث عن ضرورة إعادة بناء المنظمة، وضم حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" إليها؛ كما عن "فشل المنظمة" في استنهاض الشارع لانتفاضة جديدة. إلا أن ما يجري على أرض الواقع هو تحويل "المنظمة" الى شمّاعة فشل الفصائل المنشغلة بذاتها وحساباتها. كما أنه يغيب عن المشهد مساءلة "حماس" عما إذا كانت هي معنية حقيقة بالانضمام للمنظمة، وعن حقيقة مفاوضاتها للاحتلال الإسرائيلي.

كثير من الانتقادات التي توجه للمنظمة، في شتى الاتجاهات، تولد انطباعا بأن غالبية المنتقدين يغيّبون عن أحاديثهم ومقالاتهم واقع الاحتلال الذي يفتت التواجد الفلسطيني في داخل الوطن، بين ضفة وقطاع. وأن القطاع محاصر من جميع الجهات، في حين أن التنقل بين مناطق الضفة مرهون كليا بحواجز وعوائق الاحتلال.

وهذا يذكّرني بحملات الانتقاد للسلطة الفلسطينية بسبب "غلاء الأسعار"، مثلا. وهي حملات مضحكة مبكية، لأنها تتعامل مع "السلطة" وكأنها سيدة أمرها في الجانب الاقتصادي، بينما كل أصحاب الأقلام والسياسيين والناشطين، يعرفون من يتحكم باقتصادهم، ومياههم والتيار الكهربائي لبيوتهم وحواسيبهم، وخطوط هواتفهم التي يتواصلون بها مع الآخرين، فكلها بالمطلق بيد الاحتلال. ومن لا يعترف بهذا، لا يعترف بوجود الاحتلال على الأرض.

وفي حكاية استنهاض الشارع الفلسطيني، فإن شدة الاستغراب تتأتى من أن الأصوات الأعلى في الانتقاد للمنظمة، تأتي من الفصائل الشريكة في هذا الإطار الجامع. بينما علّمت تجارب الشعوب، وتجربة شعبنا الفلسطيني، أن فوران الشارع لا يتم بكبسة زر، ولا بقرار "من فوق". فانتفاضة الحجر الباسلة، التي تفجرت نهاية العام 1987، لم تكن بقرار من المنظمة، ولا من فصائلها، بل كانت ثمرة تعبئة سياسية وطنية تراكمية على مر السنين. ولاحقا، قادت الفصائل الانتفاضة، وصمدت لسنوات رغم تناحرات الفصائل الداخلية. بمعنى أنه حينما يكون الشارع معبأً بالمستوى المطلوب، فإن أي جهة لن تستطيع إعاقة أو منع انفجاره.

لذا، على كل واحد من الفصائل، في المنظمة أو خارجها، أن يسأل نفسه عن مدى دوره في تعبئة الشارع وتحشيده ضد الاحتلال. إن من ينصت للحوارات الفلسطينية الداخلية، يجد أن الناشطين والفصائليين، منشغلون أكثر بالتناحرات الداخلية، ليخلد الاحتلال الى راحة واسترخاء، وتمدد من دون توقف.

أما عن دعوات فتح أبواب "المنظمة" أمام حركتي حماس والجهاد الإسلامي، فهنا أيضا تغيب مساءلة الحركتين عما إذا كانتا معنيتين فعلا بالانضمام للمنظمة، بموجب سقف مشروعها الوطني العام والشامل. والسؤال يجب أن يوجه أكثر لحركة حماس، التي انخرطت في منظومة السلطة الفلسطينية، القائمة بموجب اتفاقيات أوسلو التي ترفضها الحركة ذاتها، بينما تمسكت "الجهاد" بموقفها المبدئي الرافض للاتفاقيات، وما ينتج عنها.

واعتقد أن "حماس" قدمت مؤخرا ردا عمليا على "السؤال غير المطروح عليها"، من خلال مفاوضاتها غير المباشرة مع الاحتلال. فمكتب بنيامين نتنياهو نفى وجود مفاوضات كهذه، بينما تصريحات العديد من قادة "حماس"، إضافة إلى ما نشرته صحف صادرة في قطاع غزة عن الدور التركي، تقول إن المفاوضات قائمة، ولربما أن استهزاء العديد من صنّاع الرأي والمحللين الإسرائيليين بنفي نتنياهو للمفاوضات، يعزز أكثر حقيقة وجودها.

واستنادا الى حقيقة وجوهر الصهيونية وعقليتها، نستطيع التأكد من أن مفاوضات كهذه لن تفضي إلى شيء، باستثناء ما يكرّس الفصل الكارثي بين القطاع والضفة، وما يعزز أكثر سطوة "حماس"، لأن إسرائيل ليست معنية بأي شيء يخدش سيطرتها على الأرض. في حين تكون "حماس" بمفاوضات كهذه، قد وضعت نفسها كجسم مواز للمنظمة، لتطبيق مشروعها الحركي الخاص، وفق رؤيتها الخاصة، وليس بموجب المشروع الوطني الفلسطيني العام.

يمر الشعب الفلسطيني في الداخل، عدا عن محنته الأخرى في مخيمات الدول المتفجرة، بفترة سوداوية خطيرة جدا، لا تلوح في الأفق نهاية قريبة لها. وهذا وقت لأن تسأل نفسها كل الفصائل الفلسطينية، الشريكة في المنظمة أو لا، عما تقدمه من أجل دفع المشروع الوطني الفلسطيني الذي تتمسك به الغالبية الساحقة جدا من الشعب الفلسطيني، وتمثله منظمة التحرير الفلسطينية كإطار جامع، والممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

عن الغد الاردنية