خبر : ماذا يعني تفرد القادة ؟ حسين حجازي

السبت 29 أغسطس 2015 08:12 ص / بتوقيت القدس +2GMT



اتهم الحاج أمين الحسيني هو أيضاً بهذه الجرثومة الخبيثة والمرضية، التي تسمى "التفرد". تفرد القادة مطلقي الصلاحيات في اتخاذ القرارات، وقد انتقد هذا الزعيم القائد حتى وهو يتولى القيادة في عهد كان اقل تطوراً يمر به المجتمع الفلسطيني المحلي، وكانت القيادة تستمد شرعيتها من بقايا قوة التقاليد العائلية الأرستقراطية والاجتماعية والدينية، ولم يكن الفلسطينيون يتوفرون بعد على امتلاك منظومة سياسية ممأسسة على غرار منظمة التحرير الفلسطينية.
ووجد صانع وباني هذه المؤسسة الكيانية المتطورة والتي تشبه في تعقيدها الأخطبوط، أي الأستاذ احمد الشقيري حتى بالرغم من قصر مدة ولايته القيادية، من اتهمه بهذا التفرد. حتى من بين صفوف القوميين العروبيين الذين كان الممثل الحقيقي لتيارهم، وتحفل اليوميات والوثائق الفلسطينية لأعوام منتصف الستينيات، والتي قامت مؤسسة الدراسات الفلسطينية ومركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت في بالحفاظ عليها وتسجيلها، بذكر هذه الانتقادات والخلافات والأزمات مع هذا المحامي والخطيب البارع والضليع. 
ولكن هاكم من ستظل ذكراه عطرة في القلوب، من اعتبر دوما ملك التفرد، القائد الفرد أبدا وظل طوال الوقت يقذف بحجارة النقد، ولو قدر له ان يحقق حلمه بتحرير الدولة الفلسطينية واقامتها ومن ثمة حكمها، لوصم بالدكتاتور. لكن أعداءه وأعداءنا أرادوا في لحظة مجنونة من غبائهم ان يجنبوه هذا المصير، ليمنحوا هذا المتفرد بموته القداسة. "لا نختلف عليك ولكن نختلف معك" وكانت هذه هي الكليشيه التي من تحت ستارتها كانوا يشحذون السكاكين ويطعنونه.
ها هو التاريخ الملهاة والمسرحية الفيلم الممل الذي شاهدناه من قبل، يعاود العرض والتكرار من جديد مع محمود عباس رابع ملوك فلسطين. وكانت كلمة السر في ذلك ليس انه بلغ سن الثمانين والأولاد الذين كبروا وضجروا في انتظار الأب ان يموت. ولكن في اختياره القوة الناعمة التي تختزل صلابة كل أسلافه الثلاثة السابقين من حيث الجوهر. ومن حيث الجوهر فأنه يقف حجر عثرة امام نقل المعركة الى داخل معسكر الفلسطينيين. هيا اذا أزحنا هذا الممثل الأخير لجيل الشيوخ، فإن الأبناء سوف يدب بينهم الشقاق والخلاف وينتهي بهم المطاف لان يصبحوا الإخوة الأعداء، "الإخوة كارمازوف" رواية ديستوفيسكي الشهيرة.
لقد كان جلالته اله المعرفة يعرف كل ما يحدث ويفصل بنفسه في كل شيء"، هكذا وصف أمناء نابليون تفرده في الحكم. اما يوليوس قيصر الذي خلد مأساة مقتله شكسبير، فقد تآمر اقرب خلصائه على التخلص منه باسم الدفاع عن الجمهورية خشية من تحوله الى امبراطور يتفرد بالحكم. وهل نواصل هذا السرد للتأكيد على هذه الحقيقة التي نريد الإشارة اليها، من ان هذا المرض في الحقيقة اذا جاز لنا ان نصفه بذلك ليس خاصية فلسطينية، وانما هو المتلازمة التاريخية التي رافقت على مدى الأزمان والعصور أداء وسلوك القادة. 
هل نذكر هنا ستالين و"الستالينية" التي اعتبرت المثال الأبرز في دراسات أنظمة الحكم عن "التوتاليتارية"، وهو باني عظمة الاتحاد السوفياتي. بل هل نشير هنا الى بن غوريون الذي جرؤ متفردا على اتخاذ جميع القرارات الخلافية بحل "البالماخ" وحل المجموعات والمنظمات الإرهابية اليمينية ونزع الشرعية عنها. الم تكن هذه قراراته هو نفسه بوصفه بن غوريون؟ وما زلت اذكر شخصيا مرارة الكلمات التي صاغ بها إسحاق رابين في مذكراته الشعور الذي احس به ورفاقه بعد حل بن غوريون البالماخ، "لقد عاملنا كما لو اننا هنود حمر". 
لم يمارسوا ادوارهم القيادية اذن كأنثويين توافقيين، وحيث المتلازمة التي ترافق النزعة الأنثوية هي التوافقية. وانما مارسوا هذا الدور بصفتهم الذكورية وبوصف هذه النزعة الذكورية، هي التأكيد على التفرد والمنافسة مع الأقران الآخرين الذكور. فما الذي نعنيه اليوم مواصلة اتهام الرجل على مستوى الجدال الجماهيري العام بالتفرد ؟ او لم يصل الى سدة القيادة بوصفه الممثل الأعلى للإرادة العامة بصفته المتفردة والشخصية ؟ ولكونه هو الأفضل او الأكثر قدرة في الظروف الموضوعية والذاتية المعطاة للإجابة على الأسئلة المطروحة.
دعونا إذن لكي نفهم لا ان نبحث عن الذرائع او الدوافع الخفية التي تقف أحيانا وراء قراراتهم او سلوكهم، ان نضع نحن انفسنا في مكانهم لندرك حينئذ كنه أفعالهم ونوع الضغوط التي تحت تأثيرها لم يجدوا أمامهم سوى هذه الخيارات او المخارج، لكيما يتحاشوا الفشل. وهذه هي القصة التي تتكرر دوما في الجدالات التي تحيط بقراراتهم.