قبل نحو تسع سنوات حذر الخبير الفلسطيني الدكتور جلال الدبيك المختص في علوم الأرض وهندسة الزلازل من وجود نشاط زلزالي نشط في منطقتنا، وبدأ جهودا حثيثة هو وآخرون لتأصيل مفاهيم مناهضة الزلازل والحد من مخاطرها.
وكنت قد كتبت بعد فترة من تحذيرات الدبيك تحت عنوان "الدكتور جلال الدبيك يدبك وحده على ايقاع الزلازل" مشيرا الى الاهمال الرسمي والشعبي لتحذيراته.
ودرجت العادة كلما حدث زلزال خفيف نسبيا أن يتم الاتصال بالدبيك لفترة من قبل مختلف وسائل الاعلام وكأن الموضوع "فورة حدث" ليس أكثر ما جعلني أكتب بعد فترة مقالة بعنوان "ما زال دكتور جلال الدبيك يدبك وحده على ايقاع الزلازل".
نشطت نقابة المهندسين في مجال اشتراط مراعاة اعتبارات الزلازل عند قيام المهندسين باجراء التصاميم الهندسية الجديدة المختلفة ونشط بعض البلديات في هذا المجال وجزء من المؤسسات الرسمية، لكننا على أرض الواقع لم نجد هذا التطويع الملموس فعلا لاستقبال الزلازل اللهم الا في بعض الحالات الفردية للمباني الجديدة.
تنطلق استراتيجية تطويع الزلازل من الناحية العلمية من الوعي بأنه لا يمكن لأي انسان وللقدرات العلمية الحالية أن تقول بالضبط متى سيحدث الزلزال، بمعنى في أي يوم وأية ساعة واية دقيقة واية ثانية، وان تمكنت البشرية علميا ذات يوم من تحديد ذلك، عندها يتم الطلب بهدوء من الناس اتباع ارشادات معينة ولا يكون هناك ضحايا.
والحقيقة العلمية الثانية أن الزلزال نفسه لا يقتل، فالذي يقتل هو انهيار المباني والأدراج والسلالم وحوادث السير جراء الانزلاقات وتطاير الأشياء غير الثابتة وأعمدة الهاتف والكهرباء وما شابه.
فلو تواجد المرء في الصحراء أو المناطق المنبسطة الرحبة لرقص كما يقولون عندما ترقص الأرض.
ولقد اجتهدت البشرية على امتداد تاريخ الزلازل في وضع استراتيجيات للحد من مخاطر الزلازل تتلخص بشكل أساسي في العمل ما قبل وقوع الزلزال وأثناء وقوعه وبعد وقوعه.
نحن الآن ببساطة، في مرحلة ما قبل وقوع الزلزال. والمؤشرات تقول إن هناك نشاطا زلزاليا ملحوظا في منطقتنا بؤرته اما جنوب البحر الميت أو شمال فلسطين وأن قوته سوف تتعدى الست درجات وفق مقياس ريختر وقد تتعداها بدرجة او درجتين أو كسور من هاتين الدرجتين.
وحيث إننا في مرحلة ما قبل حدث الزلزال، لماذا يجب علينا أن ننتظر وننتظر دون ان نعد العدة ونعمل على الحد من مخاطر القادم؟
هناك اتجاهان للشروع في الاستعداد للزلزال، الاتجاه الأول يتعلق بالأبنية التي يتم تشييدها حاليا أو في المستقل القريب قبل حدوث الزلزال بحيث تكون مطوعة للحد من أخطار الزلازل وتكون قادرة على امتصاص زلزال يصل الى 9 درجات وفق مقياس ريختر ويلزم لذلك قرار سياسي وتعليمات بالتطبيق الفوري بالتعاون من كافة الجهات الرسمية وغير الرسمية ذات الاختصاص ولا يتعلق الأمر فقط بالبناء بل وبالبنية التحتية كاملة.
وهناك الاتجاه الثاني وهو الأصعب الذي يتعلق بتأهيل المباني والبنية التحتية القائمة، من خلال تشكيل لجان متخصصة تقوم بفحص كل المباني القائمة وعلى الفور تقديم تقرير في الموقع بكيفية اجراء بعض الأعمال التي من شأنها أن تخفف من تبعات الزلزال، ونحن نتحدث هنا بالتحديد عن المباني متعددة الطوابق وبشكل خاص تلك التي تستند إلى طوابق رخوة أي تلك التي تستند فقط إلى أعمدة حيث يكون الطابق الأرضي عبارة عن مساحة لمواقف السيارات بين هذه الأعمدة.
نحن في هذه المرحلة الآن، ويجب ان نعمل على تشكيل لجان من مختصين وبشكل طوعي تقوم بهذه المهمة وذلك هو اتجاه واحد للعمل قبل حدوث الزلزال، الاتجاه الثاني يتعلق بإعداد خطة طوارئ في كل مدينة وقرية ومخيم تشمل تحديد مواقع انشاء المستشفيات الميدانية وأرقام الطوارئ واجراءات التدريب والاسعاف الأولي وتدريبات الاخلاء في كل مكان سواء مدرسة أو مسجد أو سوق تجارية أو عمارة سكنية وغيرها.
ليس الهدف من هذه المقالة اثارة حالة من الرعب والقلق. لكن هناك مؤشرات علمية تقول إن الزلزال المدمر قادم ونحتاج الى لطف الخالق وعنايته والى أن نعمل للحد من مخاطره.
ان نسبة الضحايا والضرر ستكون بالغة ان بقينا نقف منتظرين، ونحن هنا لا نتحدث عن أرقام بسيطة وانما عن خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، ويهمنا هنا أيضا أن تصل رسالتنا الى أهلنا في الداخل لأن المؤشرات تفيد بأن الضرر هناك أيضا سيكون كبيرا جدا.
هل نتحرك؟


