خبر : حركة فتح والعمل الوطني ...د.إبراهيم أبراش

الأحد 16 أغسطس 2015 01:44 م / بتوقيت القدس +2GMT
حركة فتح والعمل الوطني ...د.إبراهيم أبراش



كل ما سَنُعرِج عليه أدناه وإن كان يقارب بشكل عام استراتيجية العمل الوطني في إطار رؤية نقدية ،فإنه ينسحب على حركة فتح ،بل المقصود به حركة فتح لأنها مؤَسِسة المشروع الوطني وقائدته ،وما تم تحقيقه من انجازات أو نتج من أخطاء وتجاوزت فهي تعود أساسا لحركة فتح وقيادتها . حتى وإن كان ممارسو الأخطاء من غير حركة فتح فإن تموقع حركة فتح على رأس النظام السياسي بكل كياناته السياسية – تنظيم فتح ومنظمة التحرير والسلطة والدولة – يضعها في موقع المسؤولية . كما أن أي تفكير وتوجه نحو استنهاض الحالة الوطنية لن يكون مثمرا أو مجديا بدون حركة فتح ،سواء كحركة تحرر وطني أو كحزب سلطة ودولة ، وهو الأمر الذي يتطلب مراجعة استراتيجية لمنطلقات وطبيعة وأهداف العلاقة ما بين حركة فتح والنظام السياسي الفلسطيني كسلطة وحكومة أو منظمة التحرير  .

 فبعد خمسة عقود من تأسيس حركة فتح للمشروع الوطني الفلسطيني المعاصر كانت النتيجة أرض أقل وحق أقل وانقسام يبدو أنه سيطول ، بالرغم من التضحيات الجسام للشعب ومعاناته سواء داخل فلسطين أو خارجها ،وبالرغم من الجهود التي بذلتها وما زالت القيادة في عهدي الرئيس أبو عمار ثم الرئيس أبو مازن ، فأين يكمن الخلل ؟ . لأنه من المؤكد أن الخلل ليس في الشعب الفلسطيني ، كما لا يمكن تحميل المسؤولية للحلفاء والأصدقاء من عرب وعجم ، كما لا يمكن تبرير هزال وبؤس الحصاد الوطني باختلال موازين القوى العسكرية مع الاحتلال ، فميزان القوى العسكري بين الشعب الخاضع للاحتلال ودولة الاحتلال دائما مُختل لصالح الاحتلال . حتى وإن تم تحميل مسؤولية لهذا الأطراف والأسباب ، فالمسؤولية الأكبر تقع على عاتق مّن قاد وما زال العمل الوطني الفلسطيني طوال خمسة عقود . ولأن هذه القيادة نفسها – منظمة التحرير وحركة فتح على رأسها -  تتطلع لقيادة المشروع الوطني مستقبلا ، فإن مراجعة نقدية استراتيجية تصبح ضرورة وطنية .

في رأيي يمكن ملامسة الأخطاء أو مواطن الخلل أو أسباب عدم تثمير هذه الجهود والمعاناة والتضحيات بأمور بعضها بسبب غياب أو عدم وضوح الاستراتيجية الوطنية وخصوصا عند حركة فتح ، وأمور أخرى لها علاقة بخصوصية مكونات المشروع الوطني كما تم التعبير عنه في انطلاقته الأولى وما طرأ على هذه المكونات من متغيرات متسارعة ،ذلك أن استراتيجية القيادة الفلسطينية وقدرة الاستجابة أو التحدي لديها كانت وما زالت مرتبطة بتوازنات تحالفات خارجية هشة وغير ثابتة ، وبوضع فلسطيني غير خاضع لسيادة فلسطينية .، وهناك أسباب ذات علاقة بالإستراتيجية الفلسطينية ما بعد اختيار طريق الحل السلمي للصراع  .

ما سيرد أدناه رصد لأخطاء تم ارتكابها وبعضها ما زال في الإمكان تداركها ،وغموض لسياسات تحتاج لتوضيح وتعديل ، مع تضمين مقترحات حلول لبعض الإشكالات نتمنى الأخذ بها ، وكلها أمور قابلة للنقاش .

أولا : على مستوى غياب أو عدم وضوح الاستراتيجية الوطنية

الاستراتيجية بما هي رؤية وتخطيط ومنهج في العمل تحيط بكل المصالح الوطنية وما يهددها من مخاطر ،تربط الحاضر بالماضي وتستشرف المستقبل ،تنطلق من رؤية علمية للواقع بكل مكوناته وتشابكاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية ،محليا ودوليا ،إنها فن التوفيق بين الإمكانات الوطنية بكل مكوناتها من جانب والأهداف من جانب آخر، هذه الاستراتيجية هي الأساس الذي تقوم عليه سياسات الدول والكيانات السياسية العقلانية . الاستراتيجية تؤسس على المصلحة الوطنية العليا أو ثوابت الأمة التي هي محل توافق وطني ولا تخضع لألاعيب السياسيين ومناوراتهم  .

وضع الاستراتيجيات وتنفيذها مرتبط ارتباطا وثيقا بوجود مؤسسة قيادة جامعة وفاعلة ،وما يميز القيادة كمؤسسة عن رجال السياسة و الزعماء العابرين أو المتطفلين على الشأن السياسي ، أنه في الأولى يتم الاشتغال في إطار رؤية استراتيجية للمصالح القومية العليا ،فيما الآخرون يشتغلون ضمن رؤية ضيقة ترتبط بالمصالح الشخصية والحزبية الضيقة وهدفهم السلطة ومنافعها ،الأولون يعتبرون أن السلطة أداة لتحقيق مصالح الأمة فيما الآخرون يعتبرون السلطة هدفا بحد ذاته وقد يضحون بمصالح الأمة من أجل السلطة وما تدره عليهم من منافع .أية ممارسة سياسية بدون استراتيجية تصبح نوعا من العبث والتهريج أو مجرد إدارة يومية لشؤون الناس وللازمات السياسية دون إمكانية للانتقال من إدارة الأزمة إلى حلها .

 الشعوب الخاضعة للاحتلال وحركاتها التحررية أحوج ما تكون لإستراتيجية كفاحية ونضالية لمواجهة الاحتلال ،وقد وعت كل حركات التحرر الوطني الحاجة للإستراتيجية فتم وضع النظريات حول استراتيجيات حرب العصابات وحرب الشعب والمقاومة الشعبية والعصيان المدني الخ. أهم مكونات استراتيجية حركات التحرر الوطني هي الاتفاق على الأهداف الوطنية وعلى الوسائل أو الأدوات التي تضمن تحقيقها ،ودائما يرتبط نجاح أو فشل استراتيجيات حركات التحرر ليس باختلال موازين القوى مع العدو بل بمدى وجود مؤسسة قيادة قادرة على تعبئة الشعب وحشده حول برنامجها الوطني ، وفي وجود وحدة وطنية.

في الحالة الفلسطينية الراهنة يبرز غياب الاستراتيجية من خلال غياب التوافق على الأهداف العليا أو الثوابت ،والاختلاف حول الوسائل ،والاختلاف في تحديد معسكر الأصدقاء ومعسكر الأعداء .هذا الغياب للإستراتيجية أدى لفشل معمم على كافة الأصعدة ،وأدى لحالة تيه سياسي تتخبط فيه كل مكونات النظام السياسي وخصوصا بعد انقلاب حركة حماس على منظمة التحرير والسلطة في يونيو 2007 وفصل غزة عن الضفة , لذا فإن حالة الفشل والشلل التي تصيب القضية الفلسطينية ليست قدرا من السماء ولا تعود لإسرائيل  فقط ،فالقدر محايد في الشؤون السياسية،وإسرائيل وإن كانت عدوا قويا إلا أن حركات التحرر ما وجدت إلا لمواجهته وليس تبرير عجزها بوجوده.

 الخلل يعود لغياب استراتيجية فلسطينية واضحة ،سواء استراتيجية تجسد مرحلة التحرر الوطني وتلتزم بمقتضياتها ،أو إستراتيجية تجسد مرحلة بناء الدولة وتلتزم باستحقاقاتها ، لذا وفي ظل التباعد الزمني ما بين مرحلة التحرر الوطني التي قامت على أساسها الحركة الوطنية الفلسطينية منتصف ستينيات القرن الماضي والواقع الراهن بما دهمته من متغيرات عربية ودولية وفلسطينية وعلى رأسها الانقسام ،وفي ظل تعدد الاستراتيجيات الإقليمية والدولية المتصارعة حول المنطقة العربية وفي جوهرها القضية الفلسطينية ، فالأمر يتطلب استراتيجية وطنية متعددة المسارات لا تقطع مع مرحلة التحرر الوطني ولكن في نفس الوقت تنفتح على مسارات جديدة للعمل السياسي .

إن كان يجوز القول بأن الاختلاف على الأهداف ووسائل تحقيقها أمر محايث للحركة الوطنية الفلسطينية منذ سنواتها الأولى نظرا لخصوصية القضية الوطنية من حيث أبعادها التاريخية والدينية وتداخلها مع قضايا الصراع العربي - الإسرائيلي ، حيث لم تستقر منظمة التحرير على أهدافها وإستراتيجية تحقيقها سوى سنوات قلائل ،إلا أن اختلافات تلك الحقبة كانت في بيئة عربية ودولية تسمح بشكل من الاستراتيجية الواحدة التي تسمح بالتعايش بين القوى المختلفة داخل منظمة التحرير،كما أن عدم وجود سلطة ومغانم سلطة آنذاك كان يحد من إمكانية تصعيد الخلافات إلى درجة الاقتتال الدموي.

بعيدا عن الشعارات الكبيرة والأيديولوجيات المخادعة والوعود البراقة فإن العمل السياسي الفلسطيني ومنذ التعاطي مع عملية التسوية السياسية يشتغل بدون استراتيجية واضحة المعالم ، الأمر الذي أدى إلى حالة التيه السياسي المعممة ،من المواطن العادي حتى المسئول والقيادي ،من السلطة وفصائل منظمة التحرير إلى حركة حماس، وأصبحت البوصلة السياسية بلا اتجاه عند الجميع ولم يعد بالإمكان إخفاء الحقيقة ،وخصوصا بعد انقلاب حماس على السلطة ومنظمة التحرير في يونيو 2007 .

حالة التيه نلمسها عند السلطة ومنظمة التحرير وحركة فتح ، من خلال حالة الحيرة والتخبط ما بين العودة للمفاوضات على أساس الاتفاقات الموقعة أو تغيير مسار العملية السلمية بما يتوافق مع مستجد الاعتراف بفلسطين دولة مراقب في الأمم المتحدة ،ونلمسها في التضارب ما بين الحديث عن مقاومة شعبية وانتفاضة ثالثة من جانب ،وخشيتها من أن تؤدي الانتفاضة إلى فقدان سيطرتها في الضفة أو توظيف حركة حماس للانتفاضة للانقضاض على السلطة من جانب آخر،ونلمسه في التضارب ما بين رغبتها في مصالحة تعيد الاعتبار للشعب الفلسطيني وللمشروع الوطني من جهة ،وخشيتها من مصالحة قد تثير عليها إسرائيل وواشنطن من جهة أخرى.

غياب الاستراتيجية المؤدي لأزمة النظام السياسي الفلسطيني ليس خللا ظرفي عابر، بل خلل بنيوي قبل أن يكون وظيفيا ،خلل صاحب المشروع الوطني منذ نشأته الأولى – وإن بدرجات متفاوتة-،الأمر الذي يستدعي مراجعة استراتيجية شمولية لمجمل الحالة السياسية الفلسطينية ولا نستثني من ذلك أحزاب اليسار ومؤسسات المجتمع المدني ، ولكن ولأن حركة فتح هي مؤسسة المشروع الوطني بداية وقائدته وعموده الفقري لاحقا فإن عليها المسؤولية والرهان في نفس الوقت .

ثانيا : خصوصية المشروع الوطني ومكوناته الأولى

إن كان من المجحف والظلم أن نحاكِم ونقَّيم العمل الوطني وقيادته اليوم من خلال المقارنة مع الأهداف والأدبيات الأولى للمشروع الوطني فقط ، فإن الرجوع لتلك المرحلة مهم في سياق أية مراجعة للعمل الوطني ،وذلك لاستلهام التجربة واستخلاص الدروس والعبر .

كان المشروع الوطني كما وضعت حركة فتح مبادئه الاولى ثم تمت صياغته في الميثاق الوطني 1968 وفي أدبيات فصائل منظمة التحرير متأثرا ومعبرا عن طبيعة مرحلة الستينيات والسبعينيات من حيث وجود حالة وطنية صاعدة ومد قومي ثوري عربي ووجود معسكر اشتراكي ومنظومة دول عدم الانحياز ، وعليه كان المشروع الوطني الأول سواء من حيث الهدف – تحرير كل فلسطين – أو وسيلة تحقيقه – الكفاح المسلح – محصلة مشاريع في مشروع واحد : المشروع الوطني والمشروع القومي العربية والمشروع التحرري العالمي ، وكانت مراهنة الفلسطينيين على الحلفاء أكثر من مراهنتهم على أنفسهم .

خلال عقدين ونصف حدثت انهيارات زعزعت مرتكزات ومكونات المشروع الوطني من أهمها:-

1-     تراجع المشروع القومي العربي بدأ من حرب 1967 ثم توقيع اتفاقية كامب ديفيد إلى حرب الخليج الثانية ،ولم تعد القضية الفلسطينية القضية الأولى للأنظمة العربية ، حتى وإن استمروا بالحديث خلاف ذلك  .

2-      انهيار المعسكر الاشتراكي – الحليف الاستراتيجي للثورة الفلسطينية – ومعه تراجعت منظومة دول عدم الانحياز.

3-    انزلاق الثورة الفلسطينية في عدة حروب ومواجهات مع دول عربية كأحداث الأردن 1970 والحرب  الأهلية في لبنان 1975- 1982 ،وحرب الخليج الثانية .

كل ذلك أضعف من قوة الثورة الفلسطينية في مواجهة إسرائيل عسكريا ،وبقي الفلسطينيون وحيدون في الميدان ، الأمر الذي كشف الهوة الواسعة بين أهداف المشروع الوطني الأول والممكنات الفلسطينية، ليس لأن الأهداف غير شرعية بل للاختلال الكبير في موازين القوى بحيث من المستحيل تحقيق الهدف دفعة واحدة . إلا أنه كان مطلوب تدفيع الثورة الفلسطينية الثمن على سياسات وممارسات لم تكن خاطئة تماما بقدر ما كانت محصلة لتحالفات وتوازنات تلك المرحلة . حاولت القيادة الفلسطينية التكيف مع هذه الاختلالات مع الحفاظ على استقلالية القرار الفلسطيني من خلال نهج الواقعية السياسية وسياسة المراحل في الوصول إلى الهدف .

لا نعتقد أن القيادة الفلسطينية في تلك المرحلة ارتكبت أخطاء استراتيجية بمقتضاها يمكن القول إن عدم ارتكابها كان سيغير من مسار الاحداث ، لأن ما جرى كان نتيجة متغيرات عربية ودولية وليس نتيجة تقصير فلسطيني . إلا أن ذلك لا يمنع من القول بوجود خلل وأوجه تفصير ، مثالا على ذلك تغلغل المال السياسي مما أنتج أشكالا من الفساد ،وغياب المحاسبة للفاسدين ،وترهل بنية الفصائل وتمركز السلطة بيد شخص واحد ، بالإضافة إلى عدم حدوث مراجعات استراتيجية بعد كل أزمة مرت بها الثورة الفلسطينية . ومع ذلك كانت لتلك المرحلة حصيلة مهمة وهي استنهاض الحالة الوطنية والاعتراف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني في قمة الرباط 1974 والاعتراف بها مراقبا في الأمم المتحدة .

 ثالثا : التباس وغموض الاستراتيجية الوطنية ما بعد 1988  

سادت هذه المرحلة حالة من الإرباك وعدم الوضوح نتيجة الفجوة الكبيرة ما بين (مشروع السلام الفلسطيني) وما آلت إليه المفاوضات والتسوية ، بل أن عملية التسوية مع مؤتمر مدريد ثم اتفاقية اوسلو لم تؤسس على ما ورد في مشروع السلام الفلسطيني .

 في إطار مراجعة استراتيجية نقدية وتقويمية يمكن الإشارة إلى النقاط التالية وهي تتراوح ما بين الأخطاء الاستراتيجية ،والخلل في الإدارة ، وعدم وضوح الرؤية والموقف :

1-    القبول بدخول عملية التسوية في مدريد وأوسلو على أساس قراري مجلس الأمن 224 و 338 فقط وتجاهل بقية قرارات الشرعية الدولية كقرار التقسيم 181 وقرار حق العودة 194 وعديد القرارات التي تتحدث عن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وحقه بمقاومة الاحتلال الخ . لذا فإن منطلقات التسوية في إطار اتفاق اوسلو تتعارض مع إعلان قيام الدولة في الجزائر 1988 الذي قَبِل الدخول بعملية التسوية على أساس كل قرارات الشرعية الدولية .

2-    القبول بأن تكون المفاوضات تحت رعاية الامم المتحدة وروسيا الاتحادية فقط دون إشراف دولي أو محاولة تشريع الاتفاقية بقرار دولي من مجلس الأمن ،الأمر الذي أسقط عن اتفاقية اوسلو صفة الاتفاقية الدولية .

3-    تأجيل قضايا الوضع النهائي وهي قضايا استراتيجية ، مما جعل المفاوضات تشكل غطاء للاستيطان والتهويد في الضفة والقدس .

4-    الاعتراف المتبادل كان بين دولة إسرائيل ومنظمة التحرير ، والصحيح أن يكون الاعتراف بإسرائيل مقابل التزام إسرائيل بدولة على حدود 1967 بعد نهاية المفاوضات .

5-    القبول بالمفاوضات واستمرارها مع استمرار الاستيطان ، وهذا خلل استراتيجي لأنه يعزز المقولة الإسرائيلية بأن أراضي الضفة وغزة أراضي متنازع عليها وليست أراضي فلسطينية محتلة ، وهذا ما أدى لأن تُشَكل المفاوضات تغطية على الاستيطان

6-    استمرار نفس الفريق المفاوض تقريبا واقتصاره على حركة فتح ، وعلى شخص واحد احيانا .

7-    عدم تحيين فكرة الدولة مباشرة بعد نهاية المرحلة الانتقالية مايو 1999 ، وهو خطأ استراتيجي تكرر مرة أخرى عندما اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة في اجتماعها السابع والستين يوم 29 نوفمبر 2012  بفلسطين دولة غير عضو (القرار 67/19)  وتقاعست القيادة عن مباشرة سيادتها على الاراضي الفلسطينية أو تحويل السلطة من سلطة حكم ذاتي إلى سلطة دولة  .

8-    المراهنة كليا على الخارج سواء تعلق الأمر بالشرعية الدولية أو الأمم المتحدة أو الاعتراف بدولة فلسطينية .

9-    غياب أو عدم وضوح استراتيجية وطنية واضحة في التعامل مع الشرعية الدولية .وماذا بعد الذهاب لمحكمة الجنايات الدولية ؟ وماذا لو فشل خيار حل الدولتين ؟.

10-                       إهمال القيادة للشعب بل وعدم الثقة بقدرات الشعب ولو من خلال أشكال من المقاومة السلمية . وهذا ما خلق فجوة ما بين القيادة والشعب لم تستطع الرواتب والإغراءات المالية أن تملأها .

11-                       تهميش منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها سياسيا وماليا. مثلا مقررات المجلس المركزي للمنظمة الاخيرة لم يتم تنفيذها ، وكذلك قرارات سابقة سواء للمجلس المركزي او لمنظمة التحرير .

12-                       إضعاف حركة فتح سواء كحركة تحرر وطني أو كحزب سلطة ودولة ،وجعل سقفها السياسي نفس السقف السياسي للسلطة . وهو ضعف وغياب يمس كل الاقاليم : في الضفة وغزة والشتات ، وكأنه مطلوب تصفية حركة فتح .

13-                       عدم وضوح العلاقة ما بين حركة فتح والسلطة والحكومة . مما يجعل حركة فتح تتحمل أخطاء وأوزار الحكومة والسلطة .

14-                       تفريغ حركة فتح من مضمونها الفكري والثقافي وتحويلها لمجرد حزب يعتاش على ذكرى الماضي – أبو عمار والرصاصة الأولى – وعلى ما تجود به السلطة من مال وامتيازات لقياداته . فهناك جيل كامل لا يعرف عن حركة فتح إلا الذكريات أو الراتب او المساعدات الحاصلة أو ألموعودة .

15-                       انشغال قيادات فتح وخصوصا أعضاء اللجنة المركزية بوظائف ومجالات تلهيهم عن واجب ومتطلبات استنهاض الحركة والتواصل مع أبنائها ، فغالبيتهم أصبحوا بيروقراطيين منقطعي الصلة بالشعب .

16-                       غياب أو ضعف مؤسسة القيادة وتمركز كل شيء بيد الرئيس ابو مازن . ومع كامل احترامنا وتقديرنا للسيد الرئيس إلا أن عدم قدرته على الإحاطة بكل الملفات والقضايا لأسباب موضوعية ومنطقية أو بسبب تقدمه في العمر ، فإنه يُحيل كثيرا من القضايا الهامة للمحيطين به الذين يتصرفون باجتهادهم الشخصي وبما يمليه عليهم واجبهم الوطني أو مصالحهم الشخصية وارتباطاتهم ، دون مراقبة او محاسبة من مؤسسات مرجعية دستورية .

17-                       تمركز الرئاسات بيد واحدة – رئاسة الدولة ورئاسة منظمة التحرير ورئاسة السلطة ورئاسة حركة فتح .

18-                       أصبحت التعيينات في الوظائف العليا وخصوصا في السلك الدبلوماسي تتم في الفترة الأخيرة على المحسوبية والعلاقات الشخصية والعائلية أو إدعاء الولاء لشخص الرئيس أو لقيادات نافذة من بطانته ،وليس على الكفاءة والأحقية المهنية أو الولاء للمشروع الوطني الفلسطيني .

19-                        قوة تأثير نخبة سياسية اقتصادية من خارج حركة فتح ومن خارج المدرسة الوطنية على عملية اتخاذ القرار .

20-                       استمرار الفساد في بعض الوزارات والمؤسسات التابعة للسلطة وغياب الشفافية في بعضها ،وضعف الرقابة إن لم يكن غيابها من طرف الجهات المختصة بالرقابة .

21-                       استمرار بعض المسئولين الكبار على رأس عملهم لسنوات طوال  بالرغم من شبهة الفساد المحيطة بهم ، بل تقديم بعضهم للتحقيق بشبهة الفساد إلا أن ارتباطاتهم المشبوهة بجهات خارجية كانت وما زالت تحميهم من المحاسبة .

22-                       استمرار التنسيق الأمني مع إسرائيل بنفس الوتيرة والضوابط التي كانت في بداية التسوية  بالرغم من تنصل إسرائيل من عملية التسوية .

23-                       إهمال فلسطينيي الخارج بما في ذلك تنظيم حركة فتح في الخارج ،مما سمح لتنظيمات أخرى بالانتشار بينهم .

24-                       تم ارتكاب خطأ استراتيجي عندما تم توظيف الدعوات التي انطلقت منذ عام 2000 لإصلاح السلطة ومحاربة الفساد لتوقيف أو تخفيض الدعم الذي كان يقدمه الرئيس أبو عمار  لفلسطينيي مخيمات سوريا ولبنان ، وهذا ما أدى لسيطرة جماعات فلسطينية مسلحة من خارج منظمة التحرير وجماعات غير فلسطينية على المخيمات ، وما ترتب على ذلك لاحقا من مجازر في المخيمات بل ومحاولة توظيف الصراع في المخيمات لتصفية قضية اللاجئين .

25-                       سوء إدارة ملف الانقسام ، سواء من حيث وضوح الرؤية والإستراتيجية ،أو من حيث عدم جدية الذين تكلفوا بالحوار مع حماس ، أو من حيث التعامل مع الانقسام وكأنه خلاف بين فتح وحماس وليس بين حركة حماس ومنظمة التحرير بكل فصائلها .

26-                       إهمال قطاع غزة وتهميشه سواء من خلال ما جرى وقت الانقلاب الحمساوي او بعد ذلك من خلال تهميش وإضعاف تنظيم فتح في القطاع ، أو على مستوى تمثيل غزة في السلك الدبلوماسي وفي المنظمات الدولية وفي الوزارات .

27-                       خلل في إدارة ملف الخلاف مع محمد دحلان ، حيث اختزل البعض سبب وجود مريدين لدحلان وانتشار نفوذه إلى ما ينفقه من مال فقط . اختزال إشكالية دحلان بهذا السبب يُغيب عن القيادة رؤية الاسباب الحقيقية لأزمة حركة فتح .

28-                       سياسة قطع رواتب موظفين على خلفية شبهة علاقتهم بدحلان أو عدم الولاء للرئيس والسلطة أساءت كثيرا لحركة فتح وللرئيس ، بل أساءت للشعب الفلسطيني لأنها  تُظهر وكأن ولاء أبناء فتح للراتب وليس لحركة فتح وللمشروع الوطني ، كما تخفي الأسباب الحقيقية لازمة تنظيم فتح .

29-                       عدم الحسم بمستقبل منظمة التحرير وحركة فتح والسلطة ،وخصوصا رئاسة هذه المؤسسات ،ما بعد الرئيس أبو مازن . فمع دعواتنا بأن يُطيل الله بعمر الرئيس إلا أن رئيسا تجاوز الثمانين عليه التفكير بمستقبل حركة فتح والقضية الفلسطينية بشكل عام ، وألا يكون لسان حاله كملك فرنسا لويس الرابع عشر الذي قال (أنا وليكن بعدي الطوفان) وخصوصا أن تنظيم حركة فتح ضعيف ومتعثر النهوض ،  وحال منظمة التحرير ليس أفضل.

30-                       التسوية السياسية المؤدية لسلام عادل ، والمصالحة الوطنية الحقيقية ، وإنهاء الانقسام ، المشروع الوطني ، كلها أمور مرتبطة بل ومرتهنة بحركة فتح وقدرتها على استنهاض نفسها . إن لم يتم استنهاض حركة فتح وبدون حركة فتح لن يتم التقدم على أي من المسارات المُشار إليها . لذا فإن كل من يعمل على أو يُعيق استنهاض حركة فتح أو يعمل على إفسادها ، إنما يهدف لتدمير المشروع الوطني وإجهاض كل فرص نجاحه سواء كمشروع سلام أو مشروع مقاومة .  

لقد تطرقنا لقضايا ومشاكل داخلية نعتقد أنها أثرت وما زالت تؤثر على الخيارات والاستراتيجيات العامة للقيادة . إن نظاما سياسيا وقيادة سياسية ضعيفة داخليا وبدون استراتيجية لن تنجح في الانتصار على اعدائها خارجيا .في السياسات الدولية وعلى طاولة المفاوضات لا ينظر المفاوضون لعيون بعضهم بعضا ولا يستمعون لكلمات بعضهم بعضا فقط ، بل ينظر كل منهم إلى ما وراء ظهر الآخر ، إلى جبهته الداخلية وما يملك من قوة ومدى شرعيته وتمثيله ومصداقيته عند شعبه .

رابعا : مقترحات للخروج من الازمة واستنهاض الحالة الوطنية

بالنسبة لمؤسسة الرئاسة وشؤون المفاوضات

1-    تأسيس مركز دراسات استراتيجي من شخصيات وطنية اكاديمية وسياسية لوضع السياسات العامة وإصدار أوراق ،أسبوعية وشهرية وسنوية ، مختصة بتقييم الموقف واستشراف المرحلة المقبلة ، ويكون المركز تابع مباشرة لمؤسسة الرئاسة أو لمنظمة التحرير ، مع استقلالية وحرية العمل واستقلالية مالية للمركز بحيث لا يعتمد في تمويله على السلطة .

2-    مع أن الأمر يدخل في المجال المحفوظ للرئيس ،إلا أننا نتمنى وضع وضبط المعايير التي بمقتضاها يتم تعيين مستشاري الرئيس مع تحديد اختصاصات كل مستشار ، وأن يتم تشكيل مجلس مستشاري الرئيس داخل مؤسسة الرئاسة يكون على تواصل بمركز الدراسات المُشار إليه .

3-    فصل الرئاسات عن بعضها البعض وخصوصا رئاسة السلطة عن رئاسة حركة فتح ومنظمة التحرير حتى يكون هامش لحركة فتح ومنظمة التحرير للتحرك خارج الاستحقاقات والالتزامات المفروضة على السلطة .

4-    إعادة تشكيل طاقم المفاوضات وإستراتيجية التفاوض مع الوضوح والشفافية بكل ما يتعلق بالمفاوضات ، وفي هذا الشأن نقترح تغيير رئيس طاقم المفاوضات وأن يضم فريق المفاوضات شخصيات وطنية مستقلة وأعضاء من فصائل منظمة التحرير تختارهم الفصائل نفسها .

5-    لأن المفاوضات ليست استراتيجية بحد ذاتها بل جزء من الاستراتيجية الوطنية ،فيجب رفدها بمقاومة سلمية شعبية ملتزمة بالحل السلمي وبالشرعية الدولية وخاضعة لتوجيه وإشراف منظمة التحرير أو إطار قيادي موحد.

بالنسبة لمنظمة التحرير والمصالحة الوطنية والدولة

1-    المصالحة الوطنية الحقيقية تحتاج لوضع استراتيجية وطنية متعددة المسارات ،يتم التوصل إليها إما من خلال مؤتمر شعبي عام أو من خلال مؤتمر تأسيسي ينبثق عن الإطار القيادي الموحد  الجديد – سنشير لذلك لاحقا -

2-    المصالحة الوطنية الحقيقية تحتاج لمصالحات تسبق المصالحة الوطنية : مصالحة فتحاوية داخلية ، مصالحة داخل منظمة التحرير الفلسطينية وبين فصائلها،فإذا كانت حركة حماس لا تريد المصالحة فإن هذا لا يمنع من استنهاض منظمة التحرير بفصائلها الحالية .

3-    في حالة تعثر المصالحة الاستراتيجية وتفعيل الإطار القيادي المؤقت ، يجب إصلاح منظمة التحرير من خلال تغيير بعض أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بالتوافق بين مكونات منظمة التحرير ،ذلك أن كثيرا من هؤلاء لم يعد وضعهم الصحي وتقدمهم بالسن أو مشاغلهم وارتباطاتهم الخارجية يسمح لهم بِتَحمُل مسؤولية القيادة في هذا الوقت العصيب .

4-    تفعيل واستنهاض مؤسسات ودوائر المنظمة في صيغتها ومكوناتها الحالية ، وخصوصا دائرة شؤون اللاجئين التي تعيش حالة من الموات ، ودائرة العلوم والثقافة ، ودائرة العلاقات القومية ،مع إلغاء أو إعادة النظر ببعض الدوائر والمؤسسات الأخرى .

5-    وضع وصياغة استراتيجية وطنية قابلة للتطبيق يحتاج لمؤسسة قيادة وطنية جامعة ، ونظرا لأن المؤسسات والكيانات السياسية القائمة طرف في الازمة ،أزمة التسوية وأزمة الانقسام ويمسها عوار الشرعية ،فالأمر يحتاج لمجلس تأسيسي لصياغة هذه الاستراتيجية .