خبر : وما بعد الاتفاق الإيراني...الملفان السوري والفلسطيني ...حسين حجازي

السبت 08 أغسطس 2015 10:40 ص / بتوقيت القدس +2GMT
وما بعد الاتفاق الإيراني...الملفان السوري والفلسطيني ...حسين حجازي




تبدأ الجرائم الدولية الكبرى وعمليات قتل الدول وهي التمثيل الأكبر في زماننا لهذه الجرائم كلعبة أمم، وتنتهي هذه الجرائم ويبدأ السلام باتفاق بين هذه الأمم. وقد كانت عملية قتل الدولة الفلسطينية والحؤول دون بعثها او إحيائها وولادتها واستقلالها، جريمة الجرائم التي استهل بها القرن العشرين المنصرم والتي تمت كتجسيد للعبة هذه الأمم على المسرح السياسي العالمي. وهذه الجريمة تنتظر ان تنتهي فصولها المأساوية كما يؤمل في أيلول القادم، باتفاق أممي جديد من لدن نفس الأمم القديمة لإحلال هذا السلام في فلسطين. بالاعتراف بدولة فلسطين نفسها ولو على جزء من ارضها التاريخية.
لكن او لم نقل لكم هنا وبإلحاح في هذه الصفحة نفسها قبل اربع سنوات، ان ما يحدث في سورية، هذا البلد الذي يمثل الموطن الطبيعي والجغرافي لفكرة القومية العربية، انما هو لعبة أمم غادرة ومجرمة تستهدف قتل الدولة السورية ؟ وربما لم نكن الوحيدين من رأوا هذا الرأي، لكن المشكلة ان الكثيرين لم يصدقوا. فهل تصدق أو لا تصدق الآن ان هذه العملية التي بلغت ذروتها الدامية ولكن الفاشلة، إنما يجري الآن أمامنا أمام سمعنا وأعيننا التداول لأول مرة بين أطراف هذه اللعبة البعيدين من وراء البحار، والإقليميين المحليين للاتفاق على شروط إنهاء هذه التمثيلية وإحلال السلام في سورية.
وكانت الجملة السحرية او كلمة السر تلك التي وردت على هامش اجتماعات الدوحة النادرة، والتي ضمت معظم هؤلاء الممثلين المشاركين في هذه اللعبة. قال وزير الخارجية القطري: لقد وصلنا الى الحقيقة، ان أحدا لا يمكنه الحسم العسكري، وإذن هيا نجرب طريقاً آخر هو الاتفاق مع الأسد الابن نفسه وإيران.
وهل نعرف الآن او نصدق أن كل هذا الحراك الجديد من اتفاق الأمم انما هو الثمار الأولى كنتيجة مباشرة او جانبية لاتفاق باراك أوباما وآيات الله في إيران ؟ وانه من حق بنيامين نتنياهو ان يزعل ويغضب الى هذا الحد من هذا الاتفاق، وان تكون إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تشذ عن الإجماع العالمي في تأييد هذا الاتفاق، كما أشار الى ذلك أوباما نفسه في خطابه الأخير. الخطاب الذي شكل علامة أُخرى او ذروة جديدة في الحرب المعلنة بين إدارة أوباما وبنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة.
ليس الخوف من قنبلة إيران الوهمية ولكن من إعادة إغلاق وتسوية الملفات المفتوحة في المنطقة، وعلى ما بعد الاتفاق على الملف السوري مع إيران وروسيا إغلاق الملف الفلسطيني عبر مشروع المبادرة الفرنسية، التي ستطرح على مجلس الأمن وعليها إجماع دولي وموافقة فلسطينية، والطرف الوحيد المعارض هنا هو إسرائيل.
هل كانت هذه إذن نبوءة حينما صرخ حسن نصر الله قبل مدة وجيزة بالقول ان الطريق الى القدس تمر عبر القلمون ؟ حيث يحارب جنوده لئلا تسقط الدولة السورية، كما تمر عبر الزبداني وحلب. حتى وان لم يدر في خلده تسارع الأحداث على هذا النحو الدراماتيكي، بتبلور مشروع التسوية لحل الأزمة السورية، والتي بدأت الخطوة الحاسمة في الطريق اليه باجتماع جون كيري ولافروف ووزير الخارجية السعودي. ومهد اليه اللقاء في الرياض نفسها بين رجل المخابرات الأول في النظام السوري وولي العهد السعودي.
ان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز انما هو الذي يبرز اليوم على مسرح الشرق الأوسط، باعتباره ملك العرب الذي يحث الخطى سريعا ليملأ فراغا في دور القيادة الشاغر ربما منذ موت شقيقه فيصل، والرئيس المصري جمال عبد الناصر. وليس صدفة الآن ان عرفات كان يحرص دوما في كل زيارة يقوم بها الى السعودية، على مقابلة هذا الأمير العروبي والذي كان آنذاك يشغل منصب امير الرياض. لقد كان حازما في قراره الدخول في حرب اليمن الجديدة او الثانية كما فعل فيصل في الحرب الأولى أوائل الستينيات ضد عبد الناصر، ولكن هذه المرة ضد إيران.
كما كان شجاعاً وجريئاً في إحداث الانقلاب التاريخي في السياسة التقليدية للسعودية، التي طالما آثرت القيادة من الصفوف الخلفية او من وراء الكواليس او الستارة، ناقلاً هذه القيادة الى الصفوف الأمامية والى العلن. 

ولعله اليوم صاحب النقلة الكبرى في وضع حد للعبة في سورية، حينما فتح خطا مباشرا مع النظام السوري واستقبل علي المملوك في الرياض من لدن نجله ولي العهد.
لقد كانت الأزمة السورية في أبعادها التراجيدية خطأ في التقديرات والرهانات ارتكبته كل من قطر وتركيا، بعد ان كان الأسد الابن حليفا مخلصا للشيخ حمد آل ثاني في قطر والجار التركي رجب طيب أردوغان.


واليوم لعل الوقت حان لتصحيح هذا الخطأ الذي كان يحتاج الى قرار شجاع وجرأة قائد بمستوى الملك سلمان، اذا كان على العرب ان يملكوا هم بأنفسهم زمام المبادرة وملكية القرار الإقليمي للخروج قبل فوات الأوان من هذه الفتنة الكبرى، او الحرب العبثية بين السنة والشيعة، التي ليس لها سوى نتيجة واحدة وهي تذرير المنطقة الى دويلات وطوائف بالعودة الى ذكرى ملوك الطوائف، وهذا التحول لن يستفيد منه سوى إسرائيل، ولن يكون فيه خاسر سوى العرب وفلسطين.


ان الدافع وراء كل هذا التحول او الصحوة السياسية لدى الممثلين الرئيسيين للعائلة الدولية، «وفاق الجبارين» كما في لحظة تاريخية مشابهة أوائل الستينات انما هو الوقوف صفا واحدا في مواجهة خطر تمدد الدولة الإسلامية، والإدراك المتأخر بأن فتح باطن الدولة السورية بعد غزو العراق هو العامل المشترك وراء الانفجار الكبير اليوم في الشرق الأوسط. 

هو الانفجار الذي يهدد بانقلاب السحر على الساحر. قال باراك أوباما في لحظة من تقمص روح جون كينيدي ومن ذات المكان والمنصة في العام 1963، في محاولته شراء السلم الدولي مع الاتحاد السوفييتي بزعامة خورتشوف، ان البديل عن الاتفاق مع إيران هو الحرب والصواريخ على تل أبيب. وفي ممارسة نادرة للشفافية السياسية والمراجعة العلنية، قال الرئيس الأميركي إن كل النتائج التي نراها الآن انما هي نتاج القرار الخاطئ بغزو العراق.


الإجماع والاتحاد إذن في مواجهة التطرف هو الجواب، وعزل التطرف الإسلامي بموازاة عزل التطرف اليهودي الذي تمارسه إسرائيل. وان الرابط اليوم بين حل الأزمة في سورية هو أوضح ما يكون في هذه المقاربة الدولية الجديدة، مع حل القضية الفلسطينية. وهي المقاربة التي تقوم على توازي الأضلاع.. الاتفاق الأميركي الروسي بالتوازي مع التجسير بين الحصان السعودي والحصان الإيراني.