خبر : أوباما - نتنياهو: الصراع في الكونغرس .. محمد ياغي

الجمعة 07 أغسطس 2015 03:33 م / بتوقيت القدس +2GMT



كما لو أنه في سباق من أجل فوز في انتخابات الرئاسة، يخوض الرئيس أوباما اليوم معركته مع نتنياهو لتمرير اتفاقه مع إيران في الكونغرس الأميركي.
المشهد يعطي الانطباع بأن لدى أميركا رئيسين: الأول منتخب ومفوض من شعبه والثاني لديه نفوذ كبير على أعضاء الكونغرس الأميركي من الحزبين لدرجة تهدد بإفشال سياسات الرئيس الأول.
المشهد استثنائي ولا يوجد بالطبع في أي دولة باستثناء أميركا. يخشى رؤساء الدول الكبرى عادة من فشل سياساتهم الخارجية بفعل موازين القوى العالمية أو تأثير مواقف الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن عليها، لكن أن يخشوا من فشلها بفعل تدخل دول أخرى في شؤونهم الداخلية، فإن هذه الحالة تخص أميركا وحدها.
في الأسبوع الماضي اجتمع الرئيس أوباما مع قيادات أكثر من عشرين منظمة يهودية أميركية لإقناعها بأن الاتفاق مع إيران هو في نهاية المطاف يخدم أمن إسرائيل. في حديثه معهم أكد أوباما أن من حقهم ومن حق نتنياهو معارضة الاتفاق وأن بإمكانهم أن يصرفوا ملايين الدولارات في دعاية هدفها التأثير على الكونغرس حتى يرفض الاتفاق في التصويت المتوقع عليه في أيلول القادم، لكنه طالبهم فقط أن يتحدثوا عن الاتفاق كما هي نصوصه لا أن يختلقوا شيئا من خارجه. أوباما ذكرهم بأن الحرب مع إيران لن تؤذي الولايات المتحدة بمقدار ما ستؤذي إسرائيل.
الأيباك، المنظمة اليهودية الأكثر تأثيراً على السياسة الخارجية الأميركية في كل ما يتعلق بالشرق الأوسط قد رصدت فعلياً اكثر من 25 مليون دولار لتنظيم حملة يقودها المئات من نشطائهم للضغط على أعضاء الكونغرس لرفض الاتفاق. الحملة تتضمن أيضاً إعلانات تلفزيونية مدفوعه للدعاية هدفها حشد الرأي الأميركي ضد الاتفاق، وربما تستخدم دعاية هدفها إثارة الرعب من إيران وتصويرها على أنها قادرة على تدمير أميركا «بضربة واحدة.»
في خطابه أمام الجامعة الأميركية في واشنطن تحدث أوباما عن أن القوى التي ترفض الاتفاق هي تلك التي أصرت على إعلان الحرب على العراق العام 2003 والتي كانت أهم نتائجها زيادة نفوذ إيران في الشرق الأوسط. أوباما ذكرهم بأن تلك القوى هي التي دقت طبول الحرب على العراق وهي التي تدق طبولها اليوم على إيران كبديل للاتفاق. فقط للتذكير في العام 2002 قدم نتنياهو شهادته أمام الكونغرس بصفته شخصية اعتبارية مشجعا الحرب على العراق.
أوباما، الذي رفض الدخول في مواجهة مفتوحة مع نتنياهو من أجل تسوية سلمية سياسية للقضية الفلسطينية يجد نفسه اليوم مجبراً على مواجهة نتنياهو في المسألة المتعلقة بإيران. لا توجد خسائر بشرية أو مادية لأميركا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، لذلك لا مانع من تجاهل رفض إسرائيل للسلام مع الفلسطينيين. لكن فيما يتعلق بإيران المسألة مختلفة تماماً.
صحيح، يقول أوباما، بأن إيران، لا تستطيع أن تؤذي الولايات المتحدة في عقر دارها، لكنها تستطيع أن تهدد بقايا الوجود الأميركي في العراق وأن تستهدف بعض القطع البحرية الأميركية في الخليج العربي. لكن أوباما ركز أكثر، على أن إيران تستطيع أن تؤذي إسرائيل أكثر من خلال حزب الله. الذي قاله اوباما بشكل واضح في الجامعة الأميركية بأن الذين يرفضون الاتفاق بديلهم ليس اتفاقا أفضل منه لأنه لا يوجد مثل هذا الاتفاق، ولكنه الحرب مع إيران. والحرب مثل تلك التي جرت على العراق كانت بتحريض من الجمهوريين ومن جماعات الضغط اليهودية المؤيدة لإسرائيل وكانت نتيجتها أمن أقل للولايات المتحدة، خسائر كبيرة في أرواح الأميركيين والعراقيين، وخسائر مالية كبيرة للخزانة الأميركية، وفوق ذلك زيادة الإرهاب في الشرق الأوسط وزيادة النفوذ الايراني فيه.
هذا الخطاب الواضح استفز أنصار إسرائيل في الولايات المتحدة كما لم يحدث من قبل. «الأيباك» بحسب نيويورك تايمز ادعى بأن جماعته لم تضغط من أجل الحرب على العراق، وأن دعاية الرئيس أوباما مغرضة وتسعى لتشويه صورتهم. «الأيباك» يحاول إنكار عشرات الشهادات أمام الكونغرس الأميركي التي تطوعت جماعته لتقديمها كدليل على أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، وينكر تأثير جماعته على الإعلام التي صورت العراق كما لو أنه على أعتاب امتلاك السلاح النووي. من منا يمكنه أن ينسى كيف سيق كولن باول الى مجلس الأمن، قبل الحرب بأيام لتقديم أكاذيب تجيز الحرب على العراق؟ مشكلة اللوبي اليهودي في أميركا أنه اصطدم مع رئيس لا يوجد لديه الكثير ليخسره وعلى استعداد لأخذ المسألة للرأي العام الأميركي، حيث لا تريد جماعات الضغط لها أن تكون.
مع الكونغرس، وفي مراكز الأبحاث تشعر هذه الجماعات بأن لديها اليد العليا حيث لا يوجد هنالك من يكترث كثيراً لأرواح الأميركيين وأموالهم وحيث الحسابات قائمة على المكاسب الشخصية. في الشارع الأميركي القضية الأولى لهم هي ما يتعلق بحياتهم اليومية: العمل، سياسات الضمان الاجتماعي والصحي، وأمنهم اليومي. إذا ربح أوباما المعركة في الشارع من الصعب على الكونغرس أن يقف ضد الاتفاق، هذه مراهنة أوباما الكبرى، لذلك في خطابه في الجامعة الأميركية، طالب الشعب الأميركي بأن يضغط على نوابه لقبول الاتفاق من أجل أمنهم ومستقبلهم.
الممتع حقاً في كل ذلك أن الجميع يحاول التهرب اليوم من مسؤوليته في الحرب على العراق. بمعنى أن الحرب أصبحت في الذاكرة الأميركية مرتبطة بأكاذيب السياسيين على شعبهم وباستعدادهم للتضحية بأرواح الجنود وأموال الشعب الأميركي خدمة لأجندات غير أميركية، لكن المثير للشفقة في نفس الوقت، بأن الرئيس الأميركي لا يزال مضطراً للصراع على سياساته في الشرق الأوسط مع رئيس وزراء دولة أخرى لديها القدرة على تعطيل سياساته لدرجة تدفعه للتأكيد مراراً وتكراراً بأنه على استعداد لمضاعفة أمن إسرائيل وضمان تفوقها على إيران وعلى دول الشرق الأوسط مجتمعة.