قبيل نهاية عام 2013 استدعينا مجموعة من الصحافيين للقاء المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين روبرت تيريز الذي اعتاد على الالتقاء بشكل دوري بالصحافيين ، في ذلك اللقاء فاجأنا بأن الوكالة تمر بأزمة مالية خانقة وأنها ستجد صعوبة في تأمين رواتب العاملين للعام 2014 ، كتبنا حينها عن الأزمة مشككين نقلا عن الرجل في ضمان استمرار رواتب موظفيها خاصة أن الأمر ترافق مع أزمة رواتب حماس التي كان قد مضى عليها ما يقارب الأربعة أشهر ، وبدأت نذر أزمة لدى السلطة التي كانت تؤمن ما يقارب 60% لموظفيها .
إذن لا مجال للتشكيك وكأن هناك شيء ما ، لكن حين بدأ العام الجديد ظهر أن الوكالة تمكنت من سد العجز ومع الاجتماعات اللاحقة أصبجت أكثر حذرا في الكتابة عن أزمات الوكالة التي لم يتوقف السيد تيريز عن عرضها في كل لقاء ، وفي بداية الأزمة الأخيرة منذ أسابيع اعتقدت أنها أزمة مفتلقة كما سابقاتها للضغط على الممولين لكن هذه المرة يبدو الأمر جديا أكثر مما اعتقدنا وأكثر خطورة مما نتصور فالأمور تتصاعد والقرارات تتخذ تباعا ولم تترك مجالا للشك .
منتصف هذا الشهر سبحسم الجدل حول العام الدراسي الجديد بتأجيله أو إلغاءه كما قالت ساندرا ميتشيل نائب المفوض العام ، لا وقت أكثر أمامنا ربما ليؤكد حالة القلق التي تسود لدى مسئولي الوكالة وموظفيها وأولياء الأمور الذين سيجدون أبناءهم في الشوارع ولن يغير كثيرا الهجوم على الوكالة لأنها ليست طرفا مقررا في السياسة الدولية تجاه اللاجئين بقدر ما هي جهة تنفيذية هناك من قرر تجفيفها لمعاقبتهم وهي الدول التي توافقت وبالتزامن على وقف تمويل الوكالة وليست الدول الغربية فقط ولكن أيضا الدول العربية التي اعتدنا على غيابها حين تقرر الدول الكبرى وحضورها الطاغي أيضا حين توافق الدول الكبرى .
الفلسطيني ليس متسولا على هامش موازنات العالم الذي كان شريكا في الجريمة عندما قبل لبعض العصابات الصهيونية أن تطرد ثلاثة أرباع مليون فلسطيني من أرضه وعجز عن إعادتهم وشريكا عندما اتخذ قرار التقسيم ولم يرغب بتنفيذه وشريكا عندما قبل بكل هذه المأساة التي ازدحمت في شوارع مخيمات الوطن واللجوء وصمت متفرجا على فاجعتهم محاولا تبرئة ضميره ببعض الفتات ، من منا يمكن أن يصدق أن كل هذه القوة الدولية عجزت عن إلزام 650 ألف يهودي حينها في فلسطين بالالتزام بالمقررات الدولية .
كان يجب إعادة اللاجئين إلى وطنهم منذ الأشهر الأولى وقد كان الأمر سهلا بقرار سياسي وبدلا من ذلك تعاطى العالم مع قضيتنا بالبعد الإنساني الذي أضاعها لنكتشف بعد سبعة عقود أن التسول لم يعد ممكنا بل وتحولت تلك المنة إلى وسيلة عقاب للإجهاز على ما تبقى من حقوقنا لإذلالنا وتركيعنا ففي سياسات الدول الكبرى ليس هناك مصادفات وفي موازنات الدول الكبرى ليس هناك مصادفات أيضا والأهم أن موازنة وكالة الغوث لا تكاد تذكر في موازنات تلك الدول .
لقد قبل هذا العالم أن يعلن بن جوريون أمامه دولة على حساب المطرودين وسارع بالاعتراف بها وإرسال سفراؤه وبالمقابل قبل لنا أن نبقى لاجئين ليشكل لنا قبل ستة عقود ونصف هيئة إغاثة وتبدو تبريرات بعض المانحين أشبه بنكبة حين يقولون أنهم لم يتوقعوا أن يستمر اللاجئون لسبعة عقود وهم يعرفون أنهم لم يفكروا حتى بالضغط على إسرائيل ، ....جدي الفلاح ظل محتفظا بوثائق ملكية الأرض معتقدا أن اللجوء لن يطول ، لكن الولايات المتحدة الأميركية وكندا تريدان تصدق أنهما كانا مثل جدي ..!
إنها أزمة جدية تأخذ بعدا سياسيا وليس إداريا كما يعتقد رئيس لجنة العاملين بوكالة الغوث معتقدا أن الأزمة في التعليم وما يحتاجه التعليم ممكن تغطيته بل أزمة نذر التخلص من اللاجئين الفلسطينيين الذين أصبحوا بتزايدهم المذهل أزمة دائمة تكبر باستمرار يريدون إنهائها ، فالقرار الذي اتخذته الوكالة بالأمس بتخويل المفوض العام بإعطاء إجازات قسرية للموظفين يعني إلغاء العام الدراسي وهو بطاقة حمراء ترفعها الوكالة في وجه العالم مهددة بإلقاء نصف مليون طالب في الشوارع بلا تعليم ولتجندهم داعش وليكن ما يكون أو ليدفع العالم الثمن مضاعفا .
هناك من يعتقد أنه يجب أن يبدأ العام الدراسي بكل الظروف لكن قرار الأمس يقطع الطريق خوفا من أن يعتاد العالم على التعايش مع الأزمة ويصبح موظفو الوكالة مثل موظفو حركة حماس براتب كل بضعة أشهر وفي هذا خطأ كبير إذن يجب دفع الأمور إلى حافة الهاوية وهذا ما فعلته الوكالة ، وهذا ما هو مطلوب من الفلسطينيين إدارة الأزمة بحكمة بتحرك جماهيري واسع دون المساس بأي من مؤسسات الوكالة حتى لا يصبح مبرر للعالم بإغلاق مقراتها هنا في غزة ، رفع البطاقة الحمراء في وجه العالم ولا ننسى أن ما يدفعه للوكالة هو لتسكين أزمتنا الدائمة "اللاجئين "وليس حلها و الأزمة الأخيرة هي الأكبر وتلك لا تخضع لوجهات نظر أو لابتزاز الدول فالتعليم والصحة هي جزء من حقوق الإنسان التي كفلتها الاتفاقيات الدولية ولا يمكن التهرب منها أو مساومتنا عليها .. إنهم يمنون علينا بلجوئنا .. يا للسخرية !
هناك حل بضربة واحدة .. أن يذهب مليون لاجئ لاجتياح الحدود الإسرائيلية للعودة إلى وطنهم ولإنهاء قضية اللجوء .. لم تفكر الفصائل بهذا ،حينها ويمكن أن يفهم العالم ماذا بامكان الفلسطيني أن يفعل وكيف يمكن إنهاء الأزمة .. سيسارع بإغاثة وكالة الغوث ، فلماذا لا نفكر بالحلول الكلية ؟ فلتفعلها الفصائل واذا لم تستطع فبأضعف الايمان بالقضية بالتهديد بفعلها ،ألم يعد الموت والحياة يتشابهان في غزة ؟
Atallah.akram@hotmail.com


