خبر : ضرائب دون تمثيل في العالم العربي ...هاني موسى

الأربعاء 05 أغسطس 2015 01:04 م / بتوقيت القدس +2GMT



تعيش الدول، ونظمها السياسية، وحكوماتها على الضرائب التي تتم جبايتها من الأفراد والمجتمع.
فإذا نظرنا لنموذج تحليل النسق لديفيد إيستون نقرأُ بوضوح أن علاقة النظام السياسي أياً يكن ديمقراطياً – غير ديمقراطي بمجتمعه أو بيئته علاقة جدلية، فالمجتمع يؤثر في النظام السياسي ويتأثر به أيضاً، فالنظام يُدعم من قبل المجتمع عبر التزام الأخير بدفع الضرائب، ومشاركته في تلبية الواجبات الوطنية (المشاركة في العملية الانتخابية، والخدمة العسكرية)، ومتابعة ما يصدر عن النظام من معلومات.
بالمقابل، يجب على النظام أن يوفر للمجتمع الأمن والأمان، وتوزيع الموارد والثروة بشكل عادل، وإشراك المجتمع في عملية اتخاذ القرارات، وعملية صنع السياسات. هذا في الحالة الطبيعية والصحية.
لكن المتأمل في الواقعين العربي والأميركي، يلمسُ اختلافاً جوهرياً بينهما، فالثورة الأميركية التي اندلعت العام 1775، رفعت شعار "لا ضرائب بدون تمثيل" (No Taxation Without Representaion)، وهو ما أرسى قواعد واضحة ومحددة للعلاقة بين الطرفين (الحكام والمحكومين) ما زالت ماثلة أمامنا إلى يومنا الحاضر على النحو الآتي:
أولاً، أن خدمة الإنسان الفرد، وحمايته هي الغاية الأسمى للدولة.
ثانياً، التمثيل العادل لكل فئات وشرائح المجتمع في النظام السياسي، والتداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات الدورية الملزمة.
ثالثاً، سيادة القانون، بحيث يخضع جميع الأفراد له سواء أكانوا حكاماً أم محكومين.
رابعاً، تعزيز مفهوم المواطنة، والحكم الرشيد.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت الولايات المتحدة الأميركية تتقدم شيئاً فشيئاً نحو النظام الدولي حتى أصبحت مع منتصف القرن العشرين تتربع على قمته اقتصادياً، وسياسياً، وعسكرياً، وتكنولوجياً حتى الآن.
أما فيما يتعلق بواقع العالم العربي، فإن الصورة مختلفة تماماً عن الواقع الأميركي، فَمُنذ أن استقلت الدول العربية عن المستعمر الأوروبي، وهي تعيش واقعاً صعباً سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي وغيرها... فالمواطن العربي ملتزمٌ بدفع الضرائب التي تتصاعد يوماً بعد يوم، ويُتابع ما يصدر عن النظام من معلومات، ولا يبخلُ بتاتاً في القيام بواجباته الوطنية.
ورغم ذلك، فهو محرومٌ من المشاركة في العملية السياسية "دون تمثيل"، ومحرومٌ أيضاً من الحرية والعيش بكرامة (تماماً كالعامل الذي يعمل دون مقابل)، فضلاً عن الجوانب الأخرى التي تتجاهلها الأنظمة السياسية العربية لعل أبرزها:
أولاً، النهوض بواقع المجتمعات العربية اجتماعياً وتكنولوجياً وسياسياً.
ثانياً، محاربة التدهور الاقتصادي (الفقر المنتشر، البطالة المتفاقمة، والغلاء المعيشي المتصاعد يوماً بعد يوم).
ثالثاً، تعزيز مفهوم المواطنة، وتطبيق مبدأ المساواة أمام القانون وإذابة الفوارق العرقية واللغوية والدينية والجنسية.
رابعاً، تعزيز وإسناد الاستقلال العربي من التبعية للعالم الرأسمالي الغربي.
ولذلك، تتعالى الأصوات في ظل هذا المشهد العربي المتناقض المطالبة بالتغيير، لا بل التخلص، لا بل الانفصال والاستقلال عن الدول الأم التي تتمسك بسياساتها الاقصائية والتمييزية، وهو ما يُنذر بحدوث سايكس بيكو جديد بعد مرور أكثر من مئة عام على وقوعه، وهذا أيضاً ما يفسر حالة الاضطراب والعنف التي يعيشها العالم العربي اليوم من المحيط إلى الخليج. وبالتالي، تتقاضى الأنظمة السياسية العربية الضرائب من شعوبها دون مقابل (تماماً كمّن يأخذ راتبه دون عمل).
صحيح أن بعض الدول العربية هي دولٌ ريعية وأخرى شبه ريعية، لكن ما تقدمه من هبات لا يغذي جميع الأفراد في مجتمعاتها بل فئة قليلة العدد، فمن لديه اتصال مع النظام السياسي يستفيد من خدماته، ويُحرم منها من يفتقد إلى مثل هذا الاتصال.