خبر : حقبة الحصان السعودي والحصان الإيراني ... حسين حجازي

السبت 25 يوليو 2015 01:31 م / بتوقيت القدس +2GMT
حقبة الحصان السعودي والحصان الإيراني ... حسين حجازي





لا يمكننا ان نكون ضد الاتفاقية الاميركية والغربية مع ايران ونستل السكاكين ضدها، لئلا نجد انفسنا نقف صفا واحدا كالقلوب المؤلفة مع بنيامين نتنياهو، فالقاعدة في السياسة كما القاعدة في علم المنطق : اذا كان هذا الاتفاق ضد مصلحة عدوي فهو مصلحة لي , ولكن هل هو كذلك ؟ اذا كان الاتفاق يعمل في الوقت نفسه ضد مصلحة العاهل السعودي الملك سلمان الذي يمكن النظر اليه كمصلحة استراتيجية باعتباره الخليفة الحقيقي للملك فيصل رحمه الله، في قوة دفاعه عن العروبة وفلسطين.
وكذا بالجملة اذا كان هذا الاتفاق لا يتفق ومصلحة المحور الإقليمي الثلاثي الذي تمثله السعودية وقطر وتركيا، واذا كان الامر كذلك ؟ فأين يمكننا ان نقف نحن الفلسطينيين اذا كنا عاجزين ان نقف في القدم الأولى مع المحور الإيراني وفي الثانية مع المحور السعودي.
ان من تحصيل الحاصل القول: ان استقبال العاهل السعودي الأخ خالد مشعل ووفد قيادة حماس في هذا التوقيت الأسبوع الماضي انما كان جزءا من عملية الاستقطاب الجارية في المنطقة، وهي ربما تشبه في بعدها الرمزي الاستقبال الملكي على العشاء في القصر الهاشمي في الأردن من قبل الملك عبد الله الثاني , في اوج عملية الاستقطاب حول الازمة السورية .
وفي الحالتين كانت قطر التي لا تكل ولا تمل هي عراب هاتين المحاولتين لجذب حماس بعيدا عن اصطفافها القديم، في المحور الإيراني السوري مع حزب الله محور المقاومة والممانعة . ولكن بخلاف المرة السابقة فأن الامر يتعلق هذه المرة ليس بإخراج حماس من سورية، وانما بإعادة بناء تحالفات جيو سياسية على أرضية صراع مكشوف يعيد رسم خريطة توازنات القوى في المنطقة، ولا يقبل هذا الصراع اية حلول وسط او تسويات او حتى يسمح لاي طرف بهامش ولو صغير من المناورة . وهكذا اما معنا او ضدنا ولو من قبيل القول ان القضية الفلسطينية تحتاج الى الجميع كنوع من المخاتلة بالطفو فوق هذا الصراع .
ويعلمنا التاريخ ان أسوأ وضع يواجهه الفلسطينيون ان يوضعوا امام هذا الامتحان , حين يكون الاستقطاب جادا وجذريا الى هذا الحد . وتعلمنا التجربة انه غالبا ما نكون نحن الفلسطينيون الخاسرون الوحيدون تقريبا . تجربة حرب الكويت العام 1990 نموذجا , فنحن لا يمكننا ان نكون في حلف واحد مع أمريكا وإسرائيل كحركة تحرر وطني ضد دولة عربية هي العراق , ولكن ما كان لنا ان نقف وحيدين معزولين مع صدام حسين في احتلاله الكويت , وبعد ان سدت امامنا أية حلول وسط او تسويات .
واليوم لعلنا نواجه نفس المأزق ولكن مع تغير جديد في أدوار اللاعبين , فهل نقف مع محور ايران الراديكالية الصاعدة ولكن الحليف الجديد لامريكا والغرب مع استثناء وحيد هو اسقاط إسرائيل من هذا الحلف ؟ ام نحن مع المحافظية السعودية الخليجية العروبية ومعهما تركيا ؟ واذا وقفنا مع ايران خسرنا الممثلين الاّخرين للقومية العروبية التي هي الامتداد او التعبير عن القوم السني الأكثري، ولكن اذا وقفنا ضد ايران فأننا في واقع الحال نقف في الخندق الإسرائيلي ونخسر رفاق واخوة المقاومة والممانعة , اخوة معسكر المقاومة القديم .
لكن هل هذا التشخيص او التوصيف للازمة واقعي او صحيح ؟ اذا كان هذا التشخيص يحيل هذه الازمة بالاخير الى نوع من الإشكالية او المعضلة التي لا تبقى او تطرح امام السياسة مخرج او حل ؟ وهذا الانسداد بحد ذاته منافي للمنطق اذا كان منطق السياسة لا يقبل او يعترف او يتعامل مع مثل هذه العدمية او المستحيل ؟ .
والواقع ان هذا التشخيص صحيح في تمظهرات الواقع او الجوهر بحسب الاصطلاح الهيغلي , ولكن الاستنتاج وهي معادلة لا يجب الاعتراف فيها او التفاعل معها هي الخطأ . اذا كانت هذه التمظهرات للواقع نفسه هي من الناحية الجوهرية والفعلية في حالة سيولة او سيرورة , لا تطرح علينا بعد اية ضغوط جدية او حاسمة للكشف عن اوراقنا التي يجب مواصلة الاحتفاظ بها محاطة بقشرة لاصقة من هذا الالتباس المراوغ او الغموض البناء تحت الطاولة . طالما ان هذا الاستقطاب نفسه لم يكشف هو نفسه عن جميع اباناته او سيرورته، وهي ابانات او سيرورة تخرج في ماّلاتها النهائية عن إرادة او رغبة الأطراف المنخرطة او المشتركة في هذه اللعبةالأكثر خطورة منذ الحرب العالمية الأولى . بما يتجاوز التمظهر الخارجي للازمة باعتبارها استبدال الاحصنة القديمة إسرائيل ومصر، وظهور احصنة جديدة هي اليوم تتمثل بايران والسعودية عاصفة الحزم , التي تنتقل من القيادة من الصفوف الخلفية الى الصفوف الامامية، الى جانب تركيا وقطر .
وهو ما يعني في الاستنتاج الأخير انه استقطاب او اصطفاف ليس ذي صلة بالقضية الفلسطينية ولا يصب في الفلك الفلسطيني , وانما هو صراع يدور في حجر او حضن الحبيب الأميركي للسيطرة على النفوذ في المنطقة ورسم خارطتها الجديدة , بين الممثلين الكبيرين لهذا الصراع السعودية وايران .
ولكن في الاستنتاج الأخير هو صراع او الادق تحول في خارطة التحالفات والادوار , اذا ما كان يجعل لنا كفتح وحماس على حد سواء لنا من الحب نصيبا كما يقال , على محور السياسة اليومية الجارية او المؤقتة بالمعنى التاكتيكي , اذا كان هذا المتغير الكبير يفاقم من ازمة إسرائيل مع الحبيب الأميركي والغرب , ويعزز بالتالي من موقف أبو مازن ومن فرص ممارسة الضغط على إسرائيل لفرض حل الدولتين . وبالنسبة لحماس في غزة كبح جماح الضغوط السابقة التي كان يمارسها نظام الحكم القائم في مصر , وذلك دون ان يقدم أبو مازن او حماس أي ثمن سياسي بالوقوف على مسافة من كل هذه الانهيارات والتشققات . وترك نتنياهو يصرخ طوال الوقت في البرية وانتظار زلزلة الساعة , فما بعد نهاية الدور اقتراب هذه الساعة . فالخاسران الوحيدان وفق هذا الاستنتاج هما بالاخير كلا اللاعبان القديمان والكبيران مصر وإسرائيل , اذا كان اللاعبان الصاعدان هما السعودية وايران , وهذا هو التبدل العظيم في المشهد.