خبر : الأبيض والأسود في امتحان الثانوية العامة ....حسين حجازي

السبت 11 يوليو 2015 11:42 ص / بتوقيت القدس +2GMT




حنان عبد الغفور من تحت الأنقاض إلى التفوق
على جميع همومنا وآلامنا نحن الفلسطينيين، ولكن ربما بالرغم من ذلك تأثرنا الأسبوع الماضي بانفعال يشومه التقدير والفخر بأنفسنا، من التفوق الذي أحرزته مجموعة استثنائية من طلابنا وطالباتنا في القسم العلمي والأدبي في امتحان الثانوية العامة.
هنا في هذه المدينة التي لا تزال تلعق جراحها كما في الضفة وحتى بعيداً في مخيمات اللجوء في مخيم اليرموك تحديداً.
سلام تعظيم أيها الناجحون جميعاً ولترفع الأيدي للنجاح، ولكن لترفع الأيدي تعظيم سلام ألف مرة للطالبة حنان عبد الغفور، من بلدة القرارة في خان يونس، على وجه الخصوص، وليعزف لها النشيد الوطني هي وذاك الطالب من غزة الذي قدم إلى الامتحان من غرفة العناية المركزة، والذي يعاني إعاقة منذ عشر سنوات، وإلى ذلكم الطلاب الأربعة من مخيم اليرموك الذين حصلوا على التفوق في لوحة العلامات على مستوى القطر العربي السوري.
من تحت الأنقاض أخرجوهما هي ووالديها أحياءً بفضل عناية ورحمة السماء، بعد أن قصفوا البيت الذي من الصفيح، من بيوت الصفيح سوف يقدمون أولئك الفقراء والمظلومين أحباب الله، ولكن كما لو أنها العنقاء الفلسطينية التي ما برحت تعاود التجسيد في سيرتنا عبر الزمان، وفي كل مرة تلبس روحا جديدة، حتى نواصل إقامة هذه الحجة على عدونا المرة بعد المرة.
فهذا نحن الشعب الذي يتجسد في صورة فتاة اسمها حنان عبد الغفور، ولكم أن تسموها صورتنا بحنان أخرى، هي الفلسطينية حنين الزعبي.
وهل هي لنا مناسبة لنلقي بالتحية على حنان ميخائيل عشراوي، التي أدهشت العالم يوم كانت هي الناطقة باسم الوفد المفاوض الفلسطيني إلى مؤتمر مدريد للسلام.
98 وبضعة أعشار حصلت حنان عبد الغفور في امتحان التوجيهي للقسم العلمي، هل يعرف رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير حربه موشي يعلون في الحرب الأخيرة على غزة، وقائد سلاح الجو ورئيس الشاباك الذين أصدروا الأمر بقصف هذا البيت، وربما لم يعطوا أمراً محددا كهذا لأنهم كانوا يقصفون كل شيء؟
إنهم بهذه الأفعال التي تحاكي عصور الهمجية، إنهم هم الذين يرسبون في لوحة العلامات في امتحان التوجيهي أمام الفلسطينيين وعلى كل الأصعدة. وإننا نحن من نصعد من خرابهم وهم من يهبط إلى الحضيض إلى الخراب.
إن التفوق في الحرب كما في الحياة كان دوماً تفوقاً روحياً، تفوق الروح على السيف كما أقر نابليون.
هكذا كانت البطولة دوما هي مزيج من هذه الروح والحلم وهنا على هذا المحور إنما تحدد مصير البشرية، كما الموهبة الفردية في قهر المستحيل، الشيخ خضر عدنان نموذجا آخر. فهل يمكن لدولة عاقلة أن تعتقد بقدرتها على مواصلة استعباد واحتلال شعب يمتلك هذه الموهبة والقدرة على اجتراح البطولة؟
لقد كبرنا أيها السادة على أسطورة تفوقكم القديم علينا وعلى شعوب الأرض , كما مللنا حماقاتكم حتى اصبحنا نحن الذين نصنع تفوقنا كما أسطورتنا على حساب تخلفكم، نمتدح أي بادرة ولو صغيرة تعيدكم إلى جادة الصواب والعقل بديلاً عن هذا العبث والجنون . لعل في هذا الجنوح الى العقل ما يشكل مخرجا لكم ولنا لنبذ الحروب ورائنا،والتوجه لصنع السلام حقا السلام العاقل.
ولكن الم يحن الوقت لإصلاح النظام التعليمي الراهن؟
لكن بالمقابل أو لم نكبر أيها الـ (نحن) الفلسطينيون على مواصلة التعلق الأزلي بهذه الأسطورة أو الطقس الذي يتمثل بشهادة التوجيهي؟ ألم نكبر حقاً على هذا الامتحان الذي بات يستنفذ من طاقتنا كل هذا الجهد الوطني والشعبي، من أعصاب الأولاد وأمهاتهم وآبائهم وجيرانهم، ومن مال وثروة وطنية، في الوقت الذي بات فيه هذا الاحتفاء الصاخب بالثانوية العامة، جزءاً من إرث ماضٍ لنظام تعليمي أصبح متقادماً ولم يعد يؤخذ به في معظم نظم التعليم الحديثة حول العالم؟ ألم تحن اللحظة لنتخلص نحن أيضاً من ذلك الطقس الذي تقول الحكاية إن مجموعة من الفلاسفة أو ربما الكهنة، وقد اعتادوا أن يربطوا القط قبل بدء نقاشاتهم، لم يعرفوا ماذا يفعلون حين حضروا يوماً إلى مكان اجتماعهم ووجدوا يا لصدمتهم القط وقد مات.
إن المشكلة ربما تكمن أن البعض منا ولعلنا جميعاً الشعب كله لا يمكنه أن يتقبل نظام التعليم من دون امتحان التوجيهي، بحيث يتراءى لنا في ذلك موت القط، وكأن نظام التعليم يتجرد من لباسه الداخلي وبات عاريا، ولم يعد تعليماً يعتد به. إذاً ماذا سنفعل في كل شهر حزيران من كل عام من دون هذا الاستنفار الوطني الذي يقارب حالة الطوارئ والتعبئة العامة في كل البيوت، كما الشوارع والمجالس في الحارات؟ "مارس إله الحرب ما الذي سنفعله إذا انتهت الحروب؟ " كتب الشاعر رسمي أبو علي.
وأنا أقول نريد أن تنتهي هذه الحرب ولو لم نفعل أي شيء في حزيران من كل عام، فما الذي عناه أستاذ التخطيط الاستراتيجي الأمريكي الشهير بيتر دراكر عندما قال: "إذا كان التعليم على هذه الشاكلة باهظ الثمن فلنجرب الجهل".
إن ما يدور في خلدي على المقلب الآخر، وربما هذا ما كان يقصده الأستاذ دراكر هو مأساة ذلك الولد والعائلة من الشجاعية من حي الشجاعية في غزة، فهل كان ينقص هذا الحي على مأساته ومأساتنا أن يثقل على جرحنا المصير المأساوي بالانتحار شنقاً، الذي أقدم عليه ذلك الفتى خياراً أخيراَ للخروج من الألم والمعاناة الذي شعر به كنتيجة لرسوبه في الامتحان.
لنا فخرنا بأنفسنا واعتدادنا بالتفوق على المستحيل وإقامة الحجة على العدو المتسبب الأول في شقائنا وألمنا بأننا نستحق الحياة، لكننا لا يمكن ننتصر على أنفسنا كما على عدونا ما لم نتعلم كيف نعمل الشيء الصحيح قبل أن نعمل الأشياء نفسها بصورة صحيحة، وعمل الشيء الصحيح هنا هو التخلص من هذا النظام التعليمي المتقادم، ونقطة البداية هنا هي في إعادة النظر في منهج التعليم أو ما يسمى المقرر بما يتلاءم وظروفنا الخاصة نحن الشعب الفلسطيني حصراً، وبما يخدم أهدافنا العليا في التحرر والاستقلال كما القدرة على البقاء والصمود النابض بالحياة، وفي رؤية تشتق "من تحرير أرضكم وإنسانكم".
نظام تعليمي جديد يعيد النظر في قواعد النظام التعليمي القديم في محورين رئيسيين على الأقل: المنهاج المدرسي ودور المعلم أو المدرس في ظل الثورة المعلوماتية والتقنية الحديثة والمفهوم المؤطر للمعرفة في زماننا، بوصفها هي القوة الحقيقية كما الثروة ورأس المال.
وهذا يعني إعادة تحرير العقول من طرائق البرمجة القديمة الخشبية التي تمارسها المدرسة التقليدية، والتي تقوم على تشويه البرمجة الطبيعية والفطرية التي ينشأ عليها الأولاد، وكبح التطور الطبيعي لهذه المواهب والميول الفطرية، عبر عملية قاتلة من إعادة قولبتها وتدجينها وفق نظام متصلب يقضي بالنهاية على الإبداعية العميقة والقدرة على التفكير، الذي هو الهدف الرئيسي للتعليم، وبحيث لا يصبح لدينا أفزاد متميزون ومتفوقون بديلاً عن أن يكون التميز والتفوق جماعياً.
إن المطلوب اليوم شيء من الإبداعية لإعادة النظر في التعليم بإرجاعه إلى روحه الأصلية، بوصفه بحثاً عن هذا العلم ولو في الصين، بوصفه نزعة برومثيوسية، شعلة النار والنور التي ترمز إلى المعرفة في الميثولوجيا الإغريقية القديمة، كما بوصفها محاورات سقراط القديمة التي تقوم على حب الحكمة، كما البحث عن الحقيقة بتحرير العلم من غربته.
أقل شرط أن يكون أحسن ومفيداً ونافعاً، لأن ما ينفع هو ما يبقى.
نظام يتعلمون فيه كيف يعلمون أنفسهم بأنفسهم دونما حاجة إلى دور هذا المدرس الملقن الذي يشبه الكاهن القديم، واستبداله بالمدرس المرشد أو الموجه، وحيث في ظل أبو المعرفة والموسوعي الأعظم google، ربما نجازف بالقول: إن دور ومفهوم المدرسة القديمة ذات الأسوار والصفوف، أصبحت الآن نفسها موضع سؤال إن كانت سوف تستمر الحاجة إليها أو البقاء.