إن القانون الفلسطيني قد مر بعدة مراحل تاريخية ابتداء من عهد الإدارة الاردنية والادارة المصرية لقطاع غزة، حيث صدر قانون قديم عام 1962 وهو لا يشكل رادعا حقيقيا لمروجي عقار الموتثم فترة الاحتلال الصهيوني، حيث صدر الأمر العسكري رقم 558 لسنة 1975 الساري المفعول والذي جاء تحت عنوان "أمر بشأن العقاقير الخطرة"، وهو القانون الوحيد الذي تناول موضوع المخدرات. حيث حل هذا الأمر العسكري مكان قانون العقاقير الخطرة الأردني رقم (10) لسنة 1955 فقد نصت المادة (42) منه صراحة على إلغاء قانون العقاقير الخطرة الأردني.
وهذا الأمر العسكري الساري المفعول يستدعي منا الوقوف على بعض أحكامه وكيفية معالجة لجرائم المخدرات، بالإضافة إلى بيان مواضع الخلل والنقص التي يعتريه هذا الامر العسكري.
أهم الملاحظات علي الامر العسكري:-
1- أن الأمر العسكري يعتبر الانقديم، ويتنافى مع الغاية الحقيقية من قوانين المخدرات المعاصرة، والتي تتناسب وطبيعة المرحلةوتستوجب أن تكون متطورة وحديثة وتشمل جميع المخدرات بكل انواعها، خاصة أنه في ظل التقدم العلمي والتكنولوجي ظهرت أنواع جديدة من المخدرات التي لم تكن معروفة سابقا والتي لا يشملها الأمر العسكري مما تعتبر أنها خارج دائرة التجريم، خاصة وأن تجريم استعمال أو التعامل بالمواد المخدرة يستند بشكل أساسي إلى وجود نص قانوني واضح وصريح يجرّم الفعل ويضع عقوبة خاصة له. فحتى تسمية القانون باتت قديمة جدا وغير واضحة فهو جاء تحت مسمى "أمر بشأن العقاقير الخطرة" .كما أنه منذ صدور هذا الأمر العسكري لم يصدر أي تعديل على هذا الأمر العسكري أوعلى الملاحق المرفقة بها والتي تحوي قوائم بأنواع المواد المخدرة المجرمة.
2- أن المادة الأولى من الأمر العسكري والتي جاءت تحت عنوان "التعاريف"، لم تتطرق إلى التقسيمات الأساسية للمخدرات أو المؤثرات العقلية أو المستحضرات ولا التمييز بينها. واقتصر الأمر على ذكر كلمة "عقار خطر" المشار إليها في الذيل الملحق بهذا الأمر العسكري. فهذا يعتبر قصور واضحوكان من الواجب إعطاء وصف لمادة المخدرات والتمييز بين أنواعها عن طريق ذكرها.فهنا لا يتطلب من المشرع أن يقوم بتعريف المخدرات وأنواعها بشكل محدد وضيق، كون أنه ليس هنالك تعريف محدد للمخدرات، وكون إعطاء تعريف محدد قد يخرج بعضها من نطاق التجريم. وإنما كان من الأجدر أن يتم تعريف المخدرات بشكل عام وموسع وأن يقوم بالتمهيد لها وتقسيمهفي بند التعريفات ليترك مسألة تحديد كل نوع من أنواع المخدرات إلى قوائم ملحقة بهذا القانون، أسوة بالمشرع الأردني والمصري والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة.بقوانين المخدرات،فلورجعنا مثلاً إلى قانون المخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 1988 الأردني، نجد أنه ميز وفرق بين المادة المخدرة والمؤثرات العقلية مع أنها تندرج تحت مسمى المخدرات. وهذا واضح عندما نصت المادة (1) على أن "يكون للكلمات والعبارات التالية حيثما وردت في هذا القانون المعاني المخصصة لها أدناه ما لم تدل القرينة على غير ذلك:
المادة المخدرة: كل مادة طبيعية أو تركيبية من المواد المدرجة في الجداول ذوات الأرقام "1 -2 -4 " الملحقة بهذا القانون.
المستحضر:كل مزيج سائل أو جامد يحتوي على مخدر وفقا لما هو منصوص عليه في الجدول رقم (3) الملحق بهذا القانون.
المؤثرات العقلية: كل مادة طبيعية أو تركيبية من المواد المدرجة في الجداول ذوات الأرقام "5-6-7-8 " الملحقة بهذا القانون.
كما نص قانون مكافحة المخدرات المصري رقم 180 لسنة 1960 في مادته الأولى على أنه "تعتبر جواهر مخدرة في تطبيق أحكام هذا القانون المواد المبينة في الجدول رقم (1)الملحق به ويستثنى منها المستحضرات المبينة بالجدول رقم (2)". حيث جاء هذا الجدول رقم (1) وبين المواد التي تعتبر مخدرة.وأصدر وزير الصحة المصري القرار رقم 487 لسنة 1985 في شأن تجريم تداول بعض المواد والمستحضرات الصيدلية المؤثرة على الحالة النفسية والمعدل بقرار رقم (47) لسنة 1997.
كما نصت الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961 بنصها المعدل ببروتوكول سنة 1972 المعدل للاتفاقية الوحيدة للمخدراتلسنة 1961علىأنه "يقصد بتعبيرالمخدر" أية مادة، طبيعية كانت أو اصطناعية، من المواد المدرجة في الجدول الأول. كما ونصت المادة (1) من اتفاقية المؤثرات العقلية لسنة 1971، على أنه يقصد بتعبير "المؤثرات العقلية" كل المواد سواء أكانت طبيعية أو تركيبية، وكل المنتجات الطبيعية المدرجة في الجداول الأول أو الثاني أو الثالث أو الرابع.
ويقصد بتعبير "مستحضر" ما يلي:-
1- كل محلول أو مزيج مهما كانت هيئته الطبيعية يحتوي على مادة أو أكثر من المؤثرات العقلية.
2- أو كل مادة أو أكثر من المؤثرات العقلية تكون في شكل جرعات.
3- كما أن الأمر العسكري،لم يفرق في العقوبات المقررة ما بين مجرد"حيازة المخدرات" و بين "جريمة حيازة المخدرات بقصد التعاطي أو الاتجار"، وفرض على كلتا الجريمتين نفس العقوبة والمتمثلة في "الحبس لمدة عشر سنوات أو بغرامة مقدارها خمسون ألف ليرة إسرائيلية أو بكلتا العقوبتين".
4- ومن ناحية أخر فإن الأمر العسكري لم يفرض سياسة علاجية بحق المتهم بجريمة حيازة وتعاطي المخدرات بحيث لم يقرر وسائل معينة قد يتم اللجوء إليها لمساعدة المدمن وتأهيله وإدخاله مرة أخرى في المجتمع و شفي من أثار التعاطي.
وإن المتاجرين يملكون أساليب حديثة ومتطورة لترويج وبيعتجارتهم وهذاما تثبته الاحصاءات التي تتحدث عن رقم مدمنين خيالي يصل إلى ما يقدر بعشر قطاع غزة.
وفي ظل غياب عقوبة رادعه.. لتجار ومدمني "الترامادول" فيمكن أن تحول هذه الظاهرة إلي وباء تنتشر في المجتمع الفلسطيني بقطاع غزة.
إن هذا التوصيف لحالة انتشار الترامادول في قطاع غزة، بصفته أحد المسكنات التي تستخدم للأوجاع القوية والمتوسطة، وإن الترامادول المخدّر لم يكن معروفاً من قبل في قطاع غزة، لكنه انتشر بعد وجود الانفاق علي الحدود المصرية الفلسطينية بشكل كبير خلال الثماني سنوات الماضية أي خلال فترة الانقسام البغيض.
إن المدمنينقد يزيدعددهم بشكل كبير، خاصةً بين الشباب، وأن الإدمان على الترامادول أصبح يشكل خطر كبيرا على المجتمع الفلسطيني بقطاع غزة.
إن أعداد المدمنين في قطاع غزة يقدّر بالآلاف. وأن المواد التي يُدمن عليها المدمن تتراوح ما بين مادة "الترامادول" المخدرة و"الحشيش والبانجو"، وأن إحصائية خاصة به أظهرت أن ثلث الحالات الجديدة تعود لإدمان الترامادول".
إن عدد الحالات يصل سنويا في العيادة الحكومية إلى 108، أما في العياداتالخاصة تقدر بـ (156 حالة)، والسبب في ذلك الفارق يرجع إلى خجل المدمن من الذهاب للعيادات الحكومية بسبب وصمة العار المصاحبة لموضوع الإدمان .
إنالأسباب التي أدت إلى انتشار آفة الإدمان في قطاع غزة هي ضعف الوازع الديني، وصحبة السوء خاصة من فئة المراهقين، إضافة للتفكك والتصدع الأسري، والفضول وحب التجربة، وللأغراض الجنسية.
أن عدد المتعاطين يتزايد في ظل غياب الرادع القانوني وسهولة الخروج من السجن أو مركز الإيقاف بكفالة مالية وإن العقوبة ليس رادعا قويا وفاعلا للمتهمين في قضايا المخدرات ولا تحد منعملية التعاطي أو الترويج بالشكل المطلوب، ولو كان القضاء الفلسطيني يتعامل بحزم في هذه القضايا لكان بالإمكانتجنيب سقوط الكثير من الضحايا ولا سيما من الأطفال الصغار.
إن قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الفلسطيني رقم 7/2014 والذي نشر في العدد رقم 189من الوقائع الفلسطينيةجاء فيه ما يلي:-
1- إن قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الفلسطيني،وفي المادة(1) منه، لم يفصل ويميز بين أنواع المخدرات،حيث جمع بين المخدرات والمؤثرات العقلية في تعريف واحد، في حين كان الأجدر به أن يعرف كل واحدة على حدا. صحيح أن المؤثرات العقلية هي من أنواع المخدرات ولكن لها طبيعة خاصة تمييزها على غيرها من الأنواع.
2- نصت المادة (2) من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الفلسطيني،على أنه: "تنشأ لجنة وطنية تسمى اللجنة الوطنية العليا للوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية تتمتع بالشخصية الاعتبارية". فهنا يبرز التساؤل، إذا كانت المادة (2) المذكورة أعلاه قد نصت على إنشاء اللجنة الوطنية العليا للوقاية من المخدرات، فما مصير المرسوم رقم (3) لسنة 1999 بشأن اللجنة العليا للوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية، والمرسوم الرئاسي رقم (31) لسنة 2005 بشأن إعادة تشكيل هذه اللجنة. فنحن هنا أمام ازدواجية اللجان. حيث أنهيوجد لجنة مشكلة بموجب المرسوم الرئاسي وأخرى مشكلة بموجب مشروع قانون المخدرات. فكان الأجدر لهذا القانون أن يتناول هذه المشكلة عن الطريق النص على إلغاء المراسيم الرئاسية أو تضمين نص المادة (2) منقانون المخدرات والمؤثرات العقلية الفلسطيني مما يجعل منه نصاَ كاشفاَ وليس منشأ لتلكاللجنة.
3- أن المادة (88) من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الفلسطيني قد تحدثت عن صفة الضبط القضائي. عندما نصت على أن "يكون لمدير عام الإدارة العامة لمكافحة المخدرات ومعاونيه من الضباط وضباط صف صفة مأموري الضابطة القضائية في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية، وكذلك يكون لرؤساء الضابطة الجمركية ومعاونيهم من الضباط وموظفي الهيئة العامة للتبغ هذه الصفة، فيما يختص بالجرائم المنصوص عليها في هذا القانون.
فالملاحظ من الشق الأول من هذه المادة أن قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الفلسطيني، أنه تم التوسع في الصلاحيات الممنوحة لضباط وضباط صف الشرطة الذين يعملون تحت ما يسمى بالإدارة العامة لمكافحة المخدرات، فمع أنهم يتمتعون بالأصل بهذه الصفة بموجب قانون الإجراءات الجزائية كونهم من الضابطة القضائية ذات الاختصاص العام، إلا أنه بالنص على أن اختصاصهم يشمل جميع الأراضي الفلسطينية وسع اختصاصهم و لم يحصره بمنطقة معينة. أما فيما يتعلق بالشق الثاني من المادة (88) فنجد أنها أيضا وسعت من صلاحيات مأموري الضابطة الجمركية، فهم أصلا من ذوي الاختصاص الخاص إلا انه تم إضافة صلاحية ضبط الجرائم المتعلقة بالمخدرات.
4- أما في مجال العقاب، نجد أن قانون المخدرات الفلسطيني ميز من ناحية ما بين الإحراز والحيازة بقصد التعاطي، والإحراز والحيازة بقصد التعاطي من ناحية أخرى. فنجد أن المادة (60) من القانون المذكور، قد عاقبة بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن خمس عشرة سنة، كل من حاز أو أحرز أو اشترى المخدرات بقصد الاتجار. في حين شدد العقوبة في حال توافرت لدى المتهم أي من الشروط المنصوص عليها في المادة (61). في حين أن المادة (69) عاقب على الإحراز والحيازة والشراءبقصد التعاطي أو الاستعمال الشخصي، بالحبس مدة لا تقل ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ألف دينار ولا تتجاوز ثلاثة آلاف دينار أردني.بالإضافة إلى أنه أجاز للمحكمة الحكم بعقوبة الأمر بإيداع من يثبت إدمانه في إحدى المصحات ليعالج فيها طبياَ ونفسياً واجتماعياً، بحيث لا تقل مدة بقاء المحكوم عليه بالمصحة عن ستة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات أو مدة العقوبة المحكوم بها أيهما أقل.
5- أنقانون المخدرات وسع نطاق التجريم بحيث عاقب في المواد (64) و(65) و(66) على تأليف العصابات أو إدارتها وتجريم بعض العمليات الواقعة على المخدرات وتصرف المرخص لهم بالحيازة بمقابل.
أن قانون الصيادلة عالج بعض الأمور المتعلقة بعدم جواز تقديم استشارة طبية أو اعطاء علاج إلا بواسطة الطبيب وهذا ما نصت علية المادة 38 والخاصةبمنع مزاولة أعمال الطب حيث جاء فيها بأنه"يحظر على الصيدلي أن يقدم استشارة طبية أو علاجاً أو يزاول عملاً من أعمال الطب ما عدا حالة الإسعافات الأولية السريعة، أو في حالات الأوبئة والجائحات واستحالة وجود طبيب " وكذلك المادة39 الخاصة بتقييد صرف الوصفات والتي نصت علي أنه"لا يجوز للصيدلي صرف أي وصفة لطبيب ما لم يكن اسمه منشوراً في جدول نقابة الأطباء الذي ينشر في الجريدة الرسمية في شهر تشرين الثاني من كل عام أو في الجداول الملحقة وكل مخالفة لذلك تعتبر مخالفة للأحكام المتعلقة بمزاولة مهنة الصيدلة والمادة(44) الخاصةبالخطأ في الوصفة الطبية حيث جاء فيها بأنه"يجب على الصيدلي أن يمتنع عن صرف الدواء إذا ظهر له خطأ في الوصفة الطبية، ويجوز له أن يصحح هذا الخطأ بموافقة الطبيب" وعليه فأنني أوصي الجهات المختصة بالتوصيات الآتية:-
أولا: أوصي الحكومة القيام بإجراءات أكثر قوة مع مهربي "الترامادول"، والصيدليات التي تنتهك أخلاقيات المهنة وتتعامل بمنطق الربح فقط، وأن أي تساهل مع بعض الأطباء والصيادلة في صرف المؤثرات العقلية بجرعات كبيرة يؤدى إلى الإدمان إذا استخدم بجرعات عالية لفترة تزيد عن الشهر.
ثانيا:أوصي مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات المختصة بالمشاركة المجتمعيةفي علاج ظاهرة الترامادولوأن تأخذ دورها الحقيقي في معالجة هذه الظاهرة الخطيرة مع تفعيل دور مراكز الشرطة والمؤسسات الشرطية والنيابة العامة والقضاء بحيث تكون العقوبة علاجا رادعا لهذه الظاهرة الاجتماعية المقلقة في المجتمع الفلسطيني.


