الحكم أكبر من كونه منصب،او كرسى يتحرك من يشغله أينما يريد، والحكم ثقافة وتربية ومنظومة قيم عامة تحكم الحاكم والمحكوم أساسها أن السلطة مطلب جماهيرى ، وأنها حق للجميع ، والحكم أساسه علاقة بين الحاكم والمحكوم ، وهذه العلاقة تتباين وتختلف من ثقافة إلى أخرى ، فى بعض الثقافات قد يسودها الكراهية وغياب الثقة بين الحاكم والمحكوم، وفى بعضها تقوم على الحب والترابط والتكامل، وهذه العلاقة تتوقف على تصرفات الحاكم ، وكيف ينظر للحكم ، فإذا كان ينظر للحكم من منظوره هو فقط والبطانة التى حوله ، سادت أشكال من الكراهية والعنف وعدم القبول، وهنا تكون آدة الحكم القوة ألأحادية ،واما إن نظر الحاكم للحكم من منظور مواطنية وسخر الحكم لهم سادت علاقة الحب والإنصهار بينهما. والحكم عقد بين الحاكم والمحكوم إن إلتزم الحاكم ما به من شروط حظى بحب الناس له.
وكما يقال يدخل الحاكم حاكما ويخرج منه محكوما، ولذلك نرى فى مثل هذه نماذج الحاكم يحظى بحب شعبه له وبدرجة أكبر بعد الحكم. هذه الحالة أو التوصيف تقدمه البرازيل،او بالأخرى قدمه رئيسها السابق لولا دا سيلفا.
هذا الرئيس الذى بكى يوم خروجه من القصر الرئاسى ليس حبا أو لأنه سيترك كرسى الحكم ، ولكن لمحبة البرازيليين وتمسكهم ببقائه، وهو من وصفه الرئيس الأمريكى أوباما بأنه أشهر سياسى على وجه ألأرض. وهو من دخل الحكم فقيرا وخرج منه فقيرا، لدرجة أنه إستدان من أصدقائه مالا ليرمم كوخه الريفى الذى سيعيش فيه بقية حياته.
عاش لأسرة فقيرة جدا، وعاش فى أفقر وأسوأ ألأحياء الفقيرة ،عمل فى حياته ماسحا للأحذية ، وصبيا فى محطة بنزين، وخراطا ، وميكانيكى سيارات، وبائع خضار، وهى مهن فيها من المعاناة والفقرالكثير، هذه الوظائف لم تحل دون وصوله لأعلى منصب وهو الرئاسة ، وهذا أحد اهم أسس الديموقراطية التى تعنى ان من حق اى مواطن ان يصل للرئاسة بشرط نزاهة سلوكه وحبه لبلده، وليس على أساس معايير الثروة والقوة أو أى معيار يتنافى من المواطنة الإنسانية ، وهذا درس يقدمه هذا الرئيس، الفقر لم يدفعه للبحث عن الثروة ليعوض بها سنيين حياته الفقيرة ,لا تعنى ان يغدق بها على أفراد أسرته الفقيرة ، والدرس الآخر الذى يقدمه وهو درس علمته له أمه ان يعرف كيف يبقى مرفوع الرأس وكيف يحترم نفسه اولا كى يحترمه الآخرين هذا أحد أهم المبادئ فى الحكم ، وفى إتخاذ القرارات السليمة والصحيحة التى تجلب الكرامة والإزدهار لشعبه، ولو كان غيرر ذلك لخضعت قراراته لحسابات بعيدة عن الكرامة الوطنية .
فأساس الحكم عنده ان تبقى الدولة ويبقى مواطنيه مرفوعى الرأس امام شعوب العالم ، ولذا حظيت البرازيل وشعبها بالحب والتقدير،وحققت درجة عالية من التقدم السياسى والإقتصادى ، والرفاهية الإجتماعية.
والحكم لديه أخلاق، وهو بذلك أسس لقاعدة جديدة فى الحكم تنفى القاعدة الميكيافيلية التى تقوم على الغاية تبرر الوسيلة، هو اعاد للأخلاق مكانتها فى السياسة ، وهى نفس الأخلاق التى تربى عليها فى قريته الفقيرة ، أخلاق تقوم على المحبة والتسامح، والمساعدة ومد يد العون، وكان دائما يقول : لقد علمتنى أمى كيف أمشى مرفوع الرأس وكيف أحترم نفسى حتى يحترمنى ألآخرون.
والدرس المهم فى الحكم الذى يقدمه ويعبر به عن حبه لشعبه وهو سبب بكائه، انه قد التزم بفترة الحكم المسموحة له وهى فترتان رئاسيتان فقد حكم من 2003 إلى 2011، وبعد ان إنتهت فترة رئاسته رفض تعديل الدستور ليسمح له بمواصلة الحكم، وكان هدفه انه لا يريد ان يخلق الحاكم الديكتاتور، بكى بسبب المحبة ألأسطورية التى أحبها له شعبه، التى خرجت يوم إنتهاء فترة حكمه تطالبه بالبقاء رئيسا، رفض الحكم وقبل حب شعبه بنى البرزايل القوية ديموقراطيا، والقوية إقتصاديا ،والتى تحترمها دول وشعوب العالم ألأخرى. هذه بعضا من دروس الحكم التى تركها هذا الرئيس تصلح ان تدرس فى أقسام العلوم السياسية فى الجامعات ، وتصلح لنا حتى نصلح أحوالنا السياسية ، ولعلها دروس فى الحكم لمن لا يحكمون برضا وحب شعوبهم.
drnagish@gmail


