بداية يخطئ من يظن انه يمكن لحماس ان تتوصل الى اتفاق هدنة طويل، تجمد فيه خيار المقاومة، أو توقف عمليات الاعداد والتسليح والتطوير والتجنيد، اللهم الا اذا وافقت "اسرائيل" على الزام نفسها بذلك أيضا، وذلك مستحيل.
حرص حماس على الاعلان قولا وفعلا انها لن تتوصل الى اتفاق هدنة الا بإجماع فصائلي ووطني سيجنبها اللجوء الى قمع اي فصيل فلسطيني يلجأ خرق لاتفاق الهدنة لأنه بذلك يخرق الاجماع الوطني وسيجد نفسه في مواجهة اجماع وطني.
رغم ان كسر الحصار، واعادة الاعمار، وفتح ممر بحري يربط القطاع بالعالم الخارجي عبر قبرص او اسطنبول لا يهم، هو حق طبيعي انساني لشعبنا الفلسطيني، كي لا يبقى قطاع غزة رهينة لمزاج ونزق الشقيق المصري في فتح واغلاق معبر رفح الذي بات يشكل عنوان المعاناة والاذلال بالنسبة الى مليونين من اهالي غزة.
الرئيس عباس هو من يدفع حماس وبقوة نحو هذا الخيار، لأنه وببساطة فشل وحكومته وكافة اركان سلطته، في القيام بواجبه الوطني تجاه انهاء معاناة ابناء شعبه في غزة واعادة اعمار بيوتهم المدمرة واحلامهم المبعثرة، فضلا عن انه متهم من قطاع عريض من الشعب بانه هو من يحرض على حصار غزة وعلى تأخير الاعمار املا في قبض ثمن سياسي من حركة حماس.
ملف التفاوض فقط هو ما يحرص عباس على احتكاره، ولا يريد لا لحماس ولا لغيرها منازعته اياه، ورغم تجنب الكل الوطني الاقتراب من هذا الملف الملغوم بالعار، فهو يثبت نفسه يوما بعد يوم كرئيس ملف التفاوض مع "اسرائيل" وبوابتها الوحيدة لظنه الخادع ان التفاوض مع "اسرائيل" هو بوابة الشرعية الدولية، وليس كونه رئيس لكل الشعب بغض النظر عن الوانهم ومشاربهم.
تقاطر الى غزة في الايام الاخيرة كثير من الوسطاء الاوروبيين، فيما حفلت كثير من الصحف العربية والاجنبية ووسائل الاعلام المختلفة بالتسريبات حول اقتراب حماس من توقيع اتفاق هدنة مع "اسرائيل" عبر وسطاء ، وعلى رأسهم توني بلير ريس الوزراء البريطاني الاسبق الذي التقى مشعل مؤخرا في العاصمة القطرية الدوحة.
بغض النظر عن كون بلير الحليف المخلص "لإسرائيل"، ويديه ملطخة يديه بدماء العراقيين، إلا أن صفقة التهدئة التي يحاول الوصول اليها لن تكون بمنأى عن فوهات البنادق وحفر الخنادق، وعموما اتفاقات الهدنة لا تتم الا بين الاعداء.
راية المقاومة التي استظلت بها حركة “حماس″ واستمدت منها شرعيتها وشعبيتها الطاغية في اوساط الفلسطينيين والعرب والمسلمين، لن تغامر حماس بتاتا بإسقاطها، وستبقى على موقفها الرافض لاتفاقات اوسلو واخواتها ونتائجها الكارثية على الشعب والقضية، ، كما ستبقى على مواقفها الرافض لمفاوضات السلطة العبثية على مدار نحو 20 سنة عجفاء.
ذلك انه بات لدى حماس يقين تعلمته من اخطاء حركة فتح ومسيرة الهبوط التي تمر به، بان البندقية والقوة هو مصدر الشرعية وليس أي اتفاق مع العدو.
وان السير على ذات الطريق الذي سارت عليه منظمة التحرير بقيادة حركة “فتح”، ووقعت اتفاق اوسلو مع العدو الصهيوني هو بمثابة سير نحو الهاوية.
توصل المقاومة بقيادة حماس لاتفاق تهدئة مع العدو وسط اجماع وطني، دون دفع أي ثمن سياسي كالاعتراف "بإسرائيل"، ودون التنازل عن أي من الثوابت الوطنية، ودون التوقف عن مسيرة الاعداد والتدريب والتسليح والتجنيد وبقاء الايدي قابضة على الزناد، مقابل كسر الحصار كليا وفتح المعابر واقامة ميناء بحري واعادة الاعمار، لا شك سيشكل انجاز وطني كبير، نظرا لكونه يسهم في اسناد صمود الشعب، ويتيح للمقاومة ان تستغل الفضاء المفتوح للتجهز بشكل افضل لأي مغامرة قد يقدم عليها العدو في منطقة تموج بالفوضى والتحولات.
لذا على شرفاء الأمة واحرار العالم ان يطمئنوا ان المقاومة بقيادة حماس لن تلقي سلاح المقاومة بكافة اشكالها.
والقبول بهدنة مع العدو ما هو الا وقت مستقطع بين حربين، وفرصة لالتقاط الانفاس املته الضرورة لإحكام عمليات الاعداد والتطوير واسناد صمود الشعب الذي يمثل الحاضنة القوية للمقاومة، فضلا عن ترميم الصفوف الداخلية، والعمل على اكتساب حلفاء جدد، لأن المقاومة مسألة فكر…وفكر حركة حماس مبني على المقاومة .
ويمكن القول ان ما لم تحققه المقاومة في حرب الـ51 يوما يمكن ان تحققه بالهدنة بفضل توازن الردع الذي نجحت المقاومة في ارساء دعائمه.
ولن تسقط المقاومة بقيادة حماس في مصيدة الحلول المؤقتة او الهدن المتجددة، ولن تكون المقاومة وحاضنتها الشعبية عبيدا للرواتب والمعونات الخارجية، تحت مسميات مختلفة.
اتفاق “هدنة” في قطاع غزة لا يعني الا بداية صفحة جديدة لتطوير قدرات المقاومة، والتفرغ لتعزيز علاقة غزة بالضفة المحتلة، وربما فتح فصل جديد من انطلاق عمليات المقاومة في الضفة دون ان تتلقى غزة العقاب.
غير ان فشل الجهود الدولية لإبرام اتفاق التهدئة قد يضع الجميع على حافة مواجهة جديدة، فللحريـــةِ الحـــمراءِ بـــابٌ .... بكـــلِّ يَـــدٍ مُضَرَّجَــةٍ يُــدَقُّ.


