خبر : عندما يرتبط الابداع بـ”المؤخرة”: محاولة في نقد العقل السينمائي المغربي

الأربعاء 03 يونيو 2015 10:08 ص / بتوقيت القدس +2GMT
عندما يرتبط الابداع بـ”المؤخرة”: محاولة في نقد العقل السينمائي المغربي



محمد بعدي
يثير المنتوج الفني في المغرب عددا من التساؤلات المتعلقة بالهوية والقيمة والحرية، نظرا للدور الحطير الذي يلعبه على مستويات عدة… وفي كل مرة يظهر شريط إلى العلن نجد أنفسنا امام جدل جديد بخصوص المضامين على وجه التحديد… خصوصا وأن جل مخرجينا ولوا وجوههم شطر مواضيع محددة لا تصح السينما في نظرهم، ربما، إلا بها.
لنتفق في البداية على أن الفن إبداع… وعلى أن الابداع يتطلب ذكاء متقدا، وموهبة فذة، وخيالا خلاقا. ولنسائل مخرجينا: أين هوالذكاء الفني؟ وأين هي الموهبة الفنية؟ وأين هوالخيال الفني؟ وما هي الهوية التي يفترض أن يمثلها العمل الفني؟ وما هي القيم التي يدافع عنها؟
مناسبة هذه التساؤلات ترتبط ب”العمل الفني” غير “النبيل” الذي أنتجه نبيل عيوش بعنوان “الزين اللي فيك”… لقطات من الفيلم تعطي صورة واضحة تسمح ببعض الأسئلة والملاحظات النقدية…
لعل من الأسئلة الأساسية التي ينبغي على العقل السينمائي الاجابة عنها هوالسؤال المتعلق بحدود الحرية في العمل والانتاج السينمائي. هل توجد حدود في الفن؟ هل ينبغي أن يكون خاضعا لقواعد ترسم جغرافيا الحركة في المجال؟ هل ينبغي أن يكون العمل الفني عموما خاضعا للرقابة والوصاية؟ ألا يشكل حضور القوانين والرقابة خنقا وقتلا للابداع؟ ماذا سيتبقى للفنان المبدع عندما نمارس عليه نوعا من الحجر على ما ينتج؟ وبالمقابل ألا تعتبر الحرية المطلقة طريقا إلى التسيب والفوضى؟ ألا يمكن لإطلاق العنان أن ينتج العبث وبالأحرى العفن؟
بداية لا بد من التأكيد على أن سؤال الحرية لا يتعلق فقط بالمجال الفني السينمائي، وإنما هوسؤال يرتبط بالسلوك البشري بشكل عام. وهوسؤال يمكن أن يطرح بالصيغة البسيطة التالية: هل الإنسان حر؟ نستطيع الإجابة بأن الإنسان حر فعلا، ولكن ليس بشكل مطلق… لماذا ؟ لأن الإنسان صاحب فكر وإرادة واختيار مما يجعله حرا وفاعلا… لكنه ينتمي إلى واقع اجتماعي معقد يجعل حريته نسبية.. والأمر نفسه يمكن قوله بخصوص السلوك الفني. إنه سلوك حر، لكنه بالتأكيد لا ينبغي أن يكون حرا بشكل مطلق، ما دام الفنان لا يعيش منعزلا في جزيرة، وإنما ينتمي إلى واقع اجتماعي ثقافي قيمي يتقاسمه مع آخرين.
لنأخذ النموذج الذي قدمه عيوش على سبيل المثال لا الحصر، ولنركز على معطيات أساسية فيه وهي: العري، الكلام النابي، الدعارة، الخمر… بالطبع نعرف جيدا أن واقعنا يعج بمثل هذه الظواهر. لكن أين تبدأ وأين تنتهي الحرية في مقاربة مثل هذه الظواهر؟ وما هوالحد الفاصل بين الابداع وما ليس إبداعا بخصوصها؟ الأكيد أن من يمتلك ضميرا حيا يحز في نفسه أن تصبح الدعارة رياضة وطنية والشذوذ سلوكا طبيعيا، ويزعجه أن يرى أبناء وبنات الوطن يدمرون زهرة شبابهم بالخمر والمخدرات… ويسعى بالتالي إلى مقاربة الظاهرة واقتراح علاجات لها. لكن السؤال الكبير هو: كيف؟ هل من خلال إعادة عرضها ومن خلال نقلها من الفضاء المغلق إلى الفضاء العام؟
إن الحديث عن مقاربة سينمائية يعني تقديم منتوج مؤسس على ذكاء فني، وموهبة فنية وخيال فني، كما سلف القول .. وعلى رؤية ذات قيمة إنسانية تجيب عن السؤال: من نكون وماذا نريد؟ لا يبدولي أن هنالك ضرورة منطقية، أوواقعية، أوأخلاقية، أوفنية حتى… تبرر العري وعرض مؤخرات تتلوى بغباء، وتبرر توظيف كلام يمتح من مرجعية “ماخورية” صرفة… سيقول بعض المخرجين بأن هذا موجود في الواقع وبأنهم ينقلون هذا الواقع… لكن: أين الابداع إذن؟ أين الخيال الفني؟…. أليس في نقل الواقع حرفيا استغفالا و”استحمارا” للمشاهد؟ ثم ما فائدة نقل واقع يعرفه الكثيرون أوعلى الأقل يعرفه القليلون؟ هل الهدف هوأن يعرفه الجميع وأن يطبع معه الجميع؟ أعتقد أن المخرج الذكي فنيا هومن يضيف لمسة إبداعية على عمله، ويمتلك القدرة على التخيل والإيحاء… وبدل أن يصور المشهد مباشرة يوحي إليه ويترك للمشاهد إمكانية التخييل. إن المخرج الذكي هومن ينقلنا من عري الطبيعة إلى رمزية الثقافة…
ما لا يفهمه العقل السينمائي الفقير إلى الذكاء الفني والبعيد عن الواقع المغربي هوأن من تمارسن الدعارة طوعا أوكرها لا تجاهرن بهكذا سلوك، ولربما “تحاضرن في الشرف”… ومن يتداولون كلاما بذيئا لا يفعلون ذلك إلا في مقامات محددة… وليس في الأمر أي نفاق ولا ازدواجية في الشخصية، “فلكل مقام مقال” كما يقال. فهؤلاء وأولئك يدركون أنهم يأتون سلوكا مرفوضا أخلاقيا ودينيا واجتماعيا… لكنهم صاروا مثل مدمن على التدخين يعرف الداء لكنه يعجز عن التوقف… لذلك فالمخرج الذكي حقا والذي يحمل رسالة حقا هومن يقرأ الواقع جيدا ويقاربه بمنظور تربوي يعالج الأعطاب بالبحث في الأسباب… أما المخرج الغبي والمعاق فنيا فهومن يضيف إلى الأعطاب أعطابا، وإلى الأسباب أسبابا…
في اعتقادي إن ما يحكم العقل السينمائي المغربي ليس له خلفية مرتبطة بالبعد الفني الجمالي، وإنما خلفية تحكمها الايديولوجيا والخصومة السياسية… وإلا فما السبب وراء هذا السعار والتهافت على مواضيع بعينها؟ لنأخذ الدعارة كمثال. لماذا لا تتفتق عبقرية مخرجينا في مقاربة جغرافيا الدعارة في المغرب وعلاقتها بالسلطة السياسية؟ ألا نجد مدنا لا يذكر اسمها إلا مقترنا بالدعارة؟ فلماذا يستعصي هذا الطابوعلى التكسير أيها المخرجون الصناديد؟ ألا توجد دعارة خمس نجوم توفر لها الحراسة الأمنية أكثر مما توفر لمؤسسات الدولة؟ فلم لا يقترب منها المخرجون الشجعان إلا لممارسة الدعارة التي يقتاتون عليها في أفلامهم المزعومة؟ لذلك فحضور الموضوع في العقل السينمائي المغربي هوحضور إيديولوجي هدفه التكتيكي هواستفزاز واحراج الحكومة التي يقودها “الملتحون”، وهدفها الاستراتيجي هوترسيخ الهوية الحداثوية “الجهادية” التي تقطع الصلة مع عناصر الهوية الثقافية المغربية إرضاء للأم “فرنسا”.
عندما يرتبط الابداع ب”المؤخرة” تكون السينما في المؤخرة، ويكون العقل في المؤخرة، ويكون البلد في المؤخرة… وتكون “المؤخرة” في المقدمة…