غزة سما
"حققنا انتصاراً كبيراً على عكس كل التوقعات والاحتمالات" خاطب نتنياهو جمهوره المحتفل بفوز نتنياهو و"الليكود" ومعسكر اليمين فور إعلان نتائج فرز العينات التلفزيونية، واتضح في الصبح بعد فرز أكثر من 99% من أصوات الناخبين ان انتصار نتنياهو شخصياً، ومعسكرة عامة، أكثر قوة وعمقاً، وأقل ما يوصف به انه انتصار ساحق وكبير وفشل وخيبة أمل شديدة لمعسكر هرتسوغ – ليفني، مما يشكل صدمة كبيرة ومفاجأة مدوية للمحللين والمستطلعين، وفي المقدمة طبعاً لقادة الأحزاب.
ستعتبر نتائج هذه الانتخابات الأكثر مفاجأة من كل الانتخابات السابقة، فالفوز الكبير (30 مقعداً لليكود) فاجأ نتنياهو، وتحطم حزب يشاي وتراجع "ميرتس" الى حافة الحسم مع أربعة مقاعد، وتراجع قوة المتدينين، والتراجع الكبير لقوة ما يسمى بـ "معسكر اليسار" وتحوله الى مجرد أقلية كبيرة، والزيادة الكبيرة لكتلة اليمين بدون حزب لبيد ووصولها لـ 67 مقعداً؛ هي مفاجآت كبيرة جعلت هرتسوغ يستسلم مهنئاً نتنياهو، وستجعل الجميع ينشغل لاحقاً في محاولة فهم أسباب نجاح اليمين.
ومن المفاجآت الكبيرة أيضاً، وربما شكلت العامل الأهم فيما وصلت إليه النتائج، هي الارتفاع الكبير لنسبة المصوتين من بين أصحاب حق الاقتراع، حيث وصلت نسبة المصوتين الى 71.8% وهي أكبر بـ 4% من الانتخابات السابقة، وتعتبر الأكبر منذ سنوات طويلة.
ارتفاع نسبة التصويت يعود بشكل اساسي الى خطاب الكراهية والتخويف الذي انتهجه نتنياهو وركز عليه في الأيام الأخيرة، خطاب عنصري اعتبر التصويت الفلسطيني خطراً على الدولة، وخطاب اعتمد على التهويل من مخاطر حكم "اليسار المعتمد على حنين زعبي"، خطاب بث الذعر والكراهية؛ الأمر الذي حفز مئات آلاف المصوتين على التجند لإنقاذ "البيت" من العرب و"اليسار" على الرغم من كل الأسباب التي كانت تظهر رغبتهم بالعزوف عن المشاركة، والتي كانت تترجم في نتائج استطلاعات الرأي خلال الفترة الأخيرة.
زيادة نسبة التصويت التي قاربت أضافت ثلاثمائة ألف مصوت، معظمهم من اليمين، ساهمت في ارتفاع كبير على حجم الأصوات التي يحتاجها كل مقعد في الكنيست، ولعبت دوراً رئيسياً في ان حزب يشاي لم يستطيع الحصول على الأصوات المطلوبة لتجاوز نسبة الحسم، وأن أصوات معسكر "ميرتس" لم تكن كافية لمنحها المقعد الخامس أو السادس، وهي السبب الرئيسي في ان القائمة العربية – على الرغم من حجم التصويت الكبير لفلسطينيي الـ 48 – لم تستطيع ان تتجاوز الأربعة عشر مقعداً، فلولا زيادة نسبة التصويت الكبيرة لدى اليهود لربما وصلت القائمة المشتركة لـ 17 مقعداً، ولتغيرت الى حد كبير نتائج الانتخابات.
أما عن التوزيع الجغرافي للتصويت فلم يتغير شيء، فبقيت مدن الجنوب بئر السبع والمجدل وأسدود والقدس ومدن التطوير والضواحي معاقل لليكود، ومعسكر اليمين وتل أبيب أكثر ميلاً لمعسكر "اليسار".
هزيمة هرتسوغ
النتيجة الأولية المباشرة لنتائج الانتخابات تشير بشكل واضح الى هزيمة وفشل "المعسكر الصهيوني" برئاسة هرتسوغ على الرغم من حصولهم على أعلى عدد من المقاعد من أكثر من ثلاث دورات انتخابية، لكن هذه المقاعد كان لهرتسوغ وليفني منها 21 مقعداً، حيث لحزب "العمل" خمسة عشر، ولحزب ليفني ستة مقاعد، وحزب "ميرتس" تراجع بمقعدين لصالح هرتسوغ، ولبيد فقد ثمانية مقاعد، وليبرمان فقد خمسة مقاعد.
فشل هرتسوغ ليفني أنهما لم يستطيعا ان يضيفا لمجموع مقاعدهم السابقة سوى ثلاثة مقاعد، برغم تراجع وتحطم بعض الأحزاب وغياب حزب "كاديما" ذي المقعدين، وبرغم كل الزخم والتجند الاعلامي والنخبوي غير المسبوق لإسقاط نتنياهو، وقد عبر عن هذا الفشل المستشار الاستراتيجي لحملة هرتسوغ رؤوبين ادلر الذي اعترف ان حملته انطوت ربما على أخطاء، من بينها التركيز على شخص نتنياهو.
انتصار العامة على النخبة
الديمقراطية هي حكم الأغلبية، ومن الواضح حسب النتائج ان الأغلبية اليهودية الكبيرة الساحقة هي يمينة، وبالرغم من سوء أحوالها الاقتصادية والاجتماعية وعدم تمثيلها في الحكم والاعلام، ورغم ما تعانيه من عنصرية وتجاهل وتهميش؛ فهي تصوت بعواطفها وانتمائها القبلي لصالح اليمين، بغض النظر عن الافرازات الاجتماعية والاقتصادية لحكم اليمين.
طبقة العامة هذه لا يترجم صوتها في الفضاء الاعلامي والنخبوي، ويبدو انها لا تتأثر به، فقد هزمت طبقة العامة هذه طبقة النخبة من اعلاميين ورجال أعمال وعسكريين وأدباء وفنانين ونجوم ومشهورين، هزمت كل من تجند لإسقاط نتنياهو، ومن لم يتجند؟ من أوباما حتى دغان، ومن فضائح "القناني" حتى خطر الخطاب في الكونغرس، وقد أثبت الشارع الصهيوني ان النخب الصهيونية ليست الا فقاعة تل أبيبية، وأن معسكر اليمين هو فقط صاحب القول الحسم في لحظة الحسم.
انتصار شخصي لنتنياهو
من نافل القول ان نتنياهو هو المنتصر الأول والأكبر الذي قاد حملة بقائه السياسي من حافة السقوط، وكما قال ضد كل الاحتمالات، برغم الحملة الكبيرة ضدة وبرغم تأبينه المسبق من قبل الاعلام والكراهية الكبيرة له بين النخب وبين بعض أوساط معسكر اليمين وداخل حزبه؛ فقد استطاع ان يعود أقوى من السابق، فحقق فوزاً لحزبه وفوزاً لمعسكره، وسيشكل حكومته الرابعة والثالثة على التوالي، وهو في ذلك الثاني بعد بن غوريون، وربما يتجاوزه في طول فترة الحكم؛ الأمر الذي يعتبر انتصاراً شخصياً كبيراً لنتنياهو يتوجه كالزعيم الأقوى لإسرائيل بدون أي منافس.
الحكومة القادمة
يستطيع نتنياهو ان يشكل حكومة يمين ضيقة من 61 مقعداً بدون ليبرمان، بالاعتماد على المتدينين وكحلون و"البيت اليهودي"، ويستطيع ان يوسعها الى 67 بضم ليبرمان وتكون حكومة قوية متماسكة ذات أجندة يمينية سياسياً، وأجندة اجتماعية بوجود كحلون في وزارة المالية، والاستجابة للمطالب الاجتماعية الاقتصادية الخاصة بحزب "شاس"، ومن شبه الأكيد ان لبيد سيكون خارج هذه الحكومة لأن نتنياهو لا يريده ويفضل علية المتدينين، والمتدينون يضعون "فيتو" على دخول لبيد.
والسؤال الذي لا زال ربما مفتوحاً، يدور حول إمكانية دخول هرتسوغ لحكومة نتنياهو، وهو أمر يرحب به نتنياهو، وسيضغط رئيس الدولة ريفلين باتجاه إدخال هرتسوغ للائتلاف ليشكل ورقة تين كبيرة لحكومة اليمين ولتخفيف حدة الصدام المحتمل مع الإدارة الأمريكية ومع الاتحاد الاوروبي ومع السلطة الفلسطينية، لكن المرجح ان حزب هرتسوغ – ليفني لن يتمكن من اتخاذ هذا القرار وتمريره داخل الحزب، فليفني أعلنت مراراً انها لن تشارك في حكومة برئاسة نتنياهو، والكثير من أعضاء الكنيست في حزب "العمل" يرفضون ذلك، ويفضلون تشكيل معارضة قوية مع لبيد لحكومة يمين.
بغض النظر عن شكل الحكومة القادمة؛ فطالما ان نتنياهو سيرأسها وسيكون اليمين عمودها الفقري، فإن ذلك يقضي تماماً على أوهام التسوية أو عودة المفاوضات، ويمنح ما نسميه بالحمل الفلسطيني فرصة كبيرة للنجاح، والاتجاه هو نحو تعزيز احتمالات الصدام، وربما يكون له مفعول ايجابي على مستوى تعزيز حوار فلسطيني – فلسطيني أكثر مسؤولية وجدية، أما على مستوى العلاقة مع غزة فإن ما كان هو ما سيكون، تعزيز التوجه نحو فصل كيان غزة عن الضفة، والحديث عن تسهيلات لتخفيف حدة التوتر ولمنع التدهور نحو حرب جديدة، عمق التسهيلات وجديتها مرتبط بعمق التهدئة ومدتها.