>>17/12/2014
ملخص
تناقش هذه المقالة سعي منظمة التحرير الفلسطينية حاليًا إلى تقديم مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي قبل الرابع والعشرين من الشهر الجاري يطالب بتحديد جدول زمني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية على أراضي عام 1967. يجادل الكاتب بأن مشروع السلطة لن يُكتب له النجاة بسبب تركيبة مجلس الأمن الدولي الحالية وتهديد الولايات المتحدة باستخدام حق النقض الفيتو. لكن في حال تم دمجه مع المشروع الفرنسي، وهو ما يتم التفاوض عليه حاليًا بين الأطراف المختلفة المهتمة بعملية السلام، فإن هناك فرصًا كبيرة لتبني القرار؛ حيث توضح المقالة التقاء مصالح الأطراف المختلفة المهتمة بعملية السلام (الولايات المتحدة الأميركية، وإسرائيل، والسلطة الفلسطينية، والاتحاد الأوروبي، والدول العربية) في تبني المشروع الفرنسي. وبالرغم من عدم بلورة المشروع الفرنسي حتى اللحظة بشكل كامل، إلا أنه من المتوقع أن يكون خاليًا من أي مضمون حقيقي يُنهي السيطرة والاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. بل على العكس من ذلك، سيسعى المشروع إلى تلبية متطلبات إسرائيل سواء فيما يتعلق بالاعتراف بها كدولة يهودية أو باحتياجاتها الأمنية.
تسعى منظمة التحرير الفلسطينية حاليًا إلى طرح مشروع قرار فلسطيني-عربي يهدف إلى تحديد جدولٍ زمني يمتد حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2016 كموعد نهائي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية على أراضي عام 1967. جاءت الخطوة الفلسطينية بعد أن أيقنت منظمة التحرير بفشل مشروعها السياسي القائم على المفاوضات الثنائية بين الجانبين: الفلسطيني والإسرائيلي على إثر رفض إسرائيل إطلاق الدفعة الرابعة من قدامى الأسرى في السجون الإسرائيلية وانهيار المفاوضات التي كان يقودها وزير الخارجية الأميركي جون كيري في إبريل/نيسان 2014. فقد استغلت إسرائيل المفاوضات كغطاء لتعميق سيطرتها على الأراضي الفلسطينية وترسيخ وجودها العسكري، وتهويد مدينة القدس، وترسيخ الفصل الجغرافي ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة ومضاعفة الاستيطان(1).
على إثر انهيار المفاوضات، قام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتوقيع طلبات للانضمام إلى 15 معاهدة ومنظمة دولية، أبرزها كان اتفاقيات جنيف الأربع والتي تمنح السُّلطة الحق في ملاحقة إسرائيل ومساءلتها على انتهاكاتها في الضفة الغربية وقطاع غزة. كما لوَّحت السلطة الفلسطينية في حينه برغبتها في الانضمام إلى 63 منظمة دولية أخرى. وعلى صعيد الوضع الفلسطيني الداخلي، قامت حركة فتح بتوقيع اتفاق الشاطئ مع حركة حماس، بهدف إنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي وتشكيل حكومة مؤقتة تمهِّد لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية.
تدويل القضية الفلسطينية
تعود جهود منظمة التحرير الفلسطينية الساعية إلى عضوية الأمم المتحدة إلى عام 1974 عندما قبلت الأخيرة المنظمة كعضو مراقب. تجدد الأمل لدى قيادات المنظمة بعد اتفاق أوسلو عام 1993 بإمكانية الحصول على دولة كاملة السيادة ولكن بعد أكثر من عشرين عامًا من المفاوضات، التي تبنتها المنظمة كخيار استراتيجي، لم تحصل سوى على سلطة رمزية لا تتمتع بسيادة حقيقية على الأرض والشعب. كما أصبحت هناك قناعة راسخة كما صرَّح ياسر عبد ربه، أمين سرِّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بأنه "لا يمكن الوصول إلى حل عن طريق مفاوضات مباشرة بيننا (الفلسطينيين) وبين الإسرائيليين". فقد تم تجريب هذا الطريق حسب عبد ربه "مئة مرة، وفشل فشلاً ذريعًا"(2)؛ لذا تسعى السلطة حاليًا إلى الارتقاء بوضعها القانوني كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة.
تقدم الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال اجتماعات الدورة السادسة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2011 بملف لطلب العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة. ومع أن الجمعية العامة للأمم المتحدة هي صاحبة القرار في منح عضويتها، إلا أنه يُطلب من مجلس الأمن الدولي تقديم توصية سواء بقبول أو رفض الطلب. يتطلب قبول مجلس الأمن موافقة تسع دول (من أصل 15 دولة تُشكِّل المجلس) بشرط أن لا تستخدم أي من الدول الخمس دائمة العضوية (الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، والصين) حق النقض الفيتو. وفي حال تأمين الأصوات التسعة المطلوبة وعدم استخدام حق النقض تحال التوصية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تشترط موافقة ثلثي أعضائها على قبول انضمام دولة جديدة. وبعد فشل الجهود الفلسطينية في تأمين الأصوات التسعة المطلوبة في مجلس الأمن (في حال الحصول على الأصوات المطلوبة كان القرار سيواجَه بالفيتو الأميركي كما هددت الولايات المتحدة من قبل)، قدَّم أبو مازن طلب الحصول على صفة عضو مراقب لدى الأمم المتحدة. تم منح فلسطين هذه الصفة في 29 من نوفمبر/تشرين الثاني 2012 بعد أن اعترفت بها 138 دولة ومعارضة 9 دول وامتناع 41 دولة عن التصويت. منْح فلسطين هذه الصفة لم يرتب أي التزامات تجاه الأراضي الفلسطينية التي لا تزال ترزح تحت الاحتلال المباشر ولم يؤد إلى بسط سيادتها على الأراضي الفلسطينية.
مشروع القرار الفلسطيني ــــ العربي إلى مجلس الأمن
سعت السلطة، بعد الفشل الذريع للمفاوضات التي رعاها وزير الخارجية الأميركي وبعد الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة في صيف هذا العام، إلى بلورة خطة بديلة تقوم على تدويل القضية الفلسطينية والانضمام إلى المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة. خلال كلمته أمام الدورة الـ69 للجمعية العامة للأمم المتحدة، أعلن الرئيس أبو مازن عن نيته التوجه لمجلس الأمن بمشروع قرار يحدد جدولاً زمنيًّا لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي عن طريق استئناف المفاوضات الهادفة إلى التوصل إلى حل شامل(3). ينص مشروع القرار الفلسطيني والمدعوم من جامعة الدول العربية على إطار زمني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراضي الضفة الغربية وقطاع غزة بحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس(4). وبالفعل تم توزيع القرار من قبل الأردن، العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2014 لإجراء مداولات عليه بين أعضاء المجلس، لكن المشروع لم يحصل حتى الآن على الأصوات التسعة المطلوبة في مجلس الأمن، وبدأ يلوح في الأفق مشروع قانون فرنسي مدعوم من بريطانيا وألمانيا.
المشروع الفرنسي
طرح هذا المشروع وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أثناء نقاش الجمعية الوطنية الفرنسية، وهو مشروع قرار يحث الحكومة الفرنسية على الاعتراف بالدولة الفلسطينية. كشف فابيوس، إلى جانب تأييده لإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، عن نية فرنسا طرح مشروع يهدف إلى استصدار قرار من مجلس الأمن يرتكز على عاملين أساسيين، أولاً: إطلاق مفاوضات فلسطينية ضمن نطاق زمني ينتهي (بخلاف المشروع العربي) مع نهاية 2017. ثانيًا: تحديد إطار ومرجعيات واضحة للمفاوضات(5). لكن الشيطان يكمن في التفاصيل كما يقول المثل؛ فإلى جانب الاعتراف بالدولة الفلسطينية يتضمن القرار بنودًا تتعلق بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وإعادة توطين اللاجئين وتعويضهم، ونزع سلاح الدولة الفلسطينية، كما ورد على لسان صائب عريقات، رئيس شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية(6)، أي: إن القرار الفرنسي يلبِّي جميع الشروط الإسرائيلية بينما لا ينص على الاعتراف المباشر بالدولة الفلسطينية ويُبقي ذلك مفتوحًا لمدة عامين. لكن من المرجح أن تعترف فرنسا وبعض الدول الأوروبية بعد هذين العامين بالدولة الفلسطينية سواء نجحت المفاوضات أو فشلت. ومن المتوقع أن يحال مشروع القرار الفرنسي إلى مجلس الأمن خلال هذا الشهر كما صرح رياض منصور، ممثل فلسطين في الأمم المتحدة(7).
فرص نجاح المسعى الفلسطيني
لا يحوز مشروع القرار الفلسطيني - العربي ببنوده الحالية إجماعًا داخل مجلس الأمن، كما صرَّح بذلك مؤخرًا رياض المالكي، وزير الخارجية الفلسطيني(8)؛ فقد فشلت السلطة الفلسطينية حتى الآن في تأمين الأصوات التسعة المطلوبة، وفي حال تأمينها فإن الولايات المتحدة الأميركية سوف تقوم على الأرجح باستخدام حق النقض الفيتو لإجهاض القرار. ولكن من المحتمل أن ينجح المسعى الفلسطيني في الحصول على قرار من مجلس الأمن في حال تم دمجه مع المشروع الفرنسي وإفراغه من مضمونه الحقيقي؛ فغالبية دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل لا تعارض إقامة دولة فلسطينية على أراضي عام 1967 ولكن تبقى الإشكالية الجوهرية متعلقة بطبيعة هذه الدولة وحدود سيادتها. فلا تزال هناك خلافات جوهرية في نقاط مفصلية تعوق التوصل إلى أي اتفاق فلسطيني-إسرائيلي مثل قضايا الحدود والأمن والسيطرة على مصادر المياه، ومدينة القدس، والاستيطان في الضفة الغربية وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين. فبينما تُعتبر ملفات مثل المياه والحدود وتبادل الأراضي قابلة لإيجاد حلول وسط تبقى قضايا مثل وضع مدينة القدس والأمن وحق عودة اللاجئين ملفات متفجرة.
ومن خلال مقارنة نتائج التصويت على الدولة الفلسطينية في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2012 نلاحظ أنه سيكون من الصعب تأمين الأصوات المطلوبة في دورة مجلس الأمن الحالية؛ حيث من المتوقع أن تؤيد 7 دول فقط المشروع الفلسطيني. كما أنه من المتوقع في حال تأمين الفلسطينيين للأصوات التسعة المطلوبة، وهو أمر صعب في ظل رفض فرنسا تبني المشروع، أن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض الفيتو؛ فقد أوضحت الولايات المتحدة رفضها لجميع الخطوات الفلسطينية بالتوجه إلى المؤسسات الدولية والتي تصفها واشنطن بأنها أحادية وتحث الجانبين: الفلسطيني والإسرائيلي على العودة إلى طاولة المفاوضات التي توقفت في نهاية مارس/آذار الماضي.
المسارات المحتملة
المسار الأول: دمج المشروع الفلسطيني - العربي في المشروع الفرنسي: وهذا مسار محتمل حيث يلبي احتياجات جميع الأطراف المهتمة بالصراع العربي-الإسرائيلي ولكن ذلك يعني أن قرار إقامة الدولة الفلسطينية سيكون معلقًا لمدة عامين ومرهونًا مجددًا بنتائج المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية وما يحمله ذلك من خطورة واضحة على سعي إسرائيل لإحكام سيطرتها على الأراضي الفلسطينية. فقد تجد جميع الأطراف أن من مصلحتها قبول مثل هذا الاقتراح وخاصة في حال تمت صياغته بشكل مقبول إسرائيليًّا وأميركيًّا وخال من مضمون حقيقي يُنهي الاحتلال.
فأميركيًّا، من الممكن أن لا تعارض الولايات المتحدة قرارًا لن يملك القوة الإلزامية تحت البند السابع، وهو خال من أية إشارات يمكن أن تهدد مصالح حليفتها إسرائيل، أي: إن الولايات المتحدة سوف تضمن أن ينضم القرار الجديد إلى القائمة الطويلة من قرارات مجلس الأمن الخاصة بالصراع العربي-الإسرائيلي والتي لم تُنفَّذ حتى الآن. كما أن الولايات المتحدة لا ترغب في التأثير على تحالفاتها الإقليمية مع بعض الدول العربية الداعمة للمشروع الفلسطيني (وخاصة الأردن والسعودية ومصر)، وعدم إفشال تحالفها في الحرب على الدولة الإسلامية في الشام والعراق.
وإسرائيليًّا، سترحب إسرائيل أيضًا بأي قرار خال من مضمون فعلي ينهي احتفاظها بالسيطرة الفعلية على الضفة الغربية، والقدس الشرقية، وقطاع غزة؛ حيث سيمنحها ذلك المزيد من الوقت لتعميق سيطرتها على الضفة الغربية وترتيب أوضاعها الداخلية بعد حلِّ الحكومة الإسرائيلية نفسها وتوقع انتخابات إسرائيلية جديدة في مارس/آذار القادم 2015. بالإضافة إلى أن مشروع القرار الفرنسي يلبي قسمًا كبيرًا من الشروط الإسرائيلية كالاعتراف بالدولة اليهودية، وعدم عودة اللاجئين، ونزع سلاح الدولة الفلسطينية. كما أنها تخشى من الارتدادات العكسية في حال فشل القرار وقامت السلطة بتنفيذ تهديداتها بإيقاف التنسيق الأمني، وخاصة اندلاع مواجهات شاملة في الضفة الغربية قد ينتج عنها انهيار السلطة أو على الأقل عدم قدرتها على القيام بالتزاماتها الأمنية تجاه أمن إسرائيل.
وعلى صعيد الاتحاد الأوروبي، سيدعم الاتحاد الأوروبي هذا الخيار خشية أن يؤثر على التوافق الأوروبي حيال الصراع العربي - الإسرائيلي، ورغبة في عدم استبعادهم من العملية السياسية؛ فخلال السنوات القليلة الماضية بات من الواضح أن هناك تفهمًا متزايدًا من قبل بعض الدول الأوروبية للموقف الفلسطيني الرسمي الساعي لإنهاء الاحتلال. فبعد فشل المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية الأخيرة، بدأ المزاج الأوروبي الشعبي (وبصورة أقل الموقف الرسمي) يتغير، ولكن ببطء، لصالح معاقبة إسرائيل؛ حيث تجلَّى ذلك بالحملات غير المسبوقة سواء في مقاطعة بضائع المستوطنات الإسرائيلية أو السعي إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ فقد دشنت السويد رسميًّا كأول دولة في أوروبا الغربية اعترافها بالدولة الفلسطينية، بينما إسبانيا، وإيرلندا، وبريطانيا، وفرنسا لا تبدي معارضة شديدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية وصوَّتت برلماناتها رمزيًّا لصالح ذلك. كما من المتوقع أن تقوم كل من بلجيكا والبرتغال والنرويج بخطوات مشابهة؛ حيث تتفهم هذه الدول الموقف الفلسطيني الساعي لإقامة دولة فلسطينية(9).
وبالرغم من أهمية هذا الحراك الأوروبي إلا أن هناك دولاً لا تزال تعارض وبشدة أي تحركات تجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية قبل انتهاء المفاوضات بين الطرفين: الفلسطيني والإسرائيلي، كألمانيا. وفي ظل آلية اتخاذ القرارات داخل الاتحاد الأوروبي والتي تعتمد التصويت بالإجماع، سيكون من الصعوبة حصول توافق أوروبي موحد داخل دول الاتحاد الـ28 تجاه هذه القضية ما لم يؤخذ بالمبادرة الفرنسية المدعومة من بريطانيا وألمانيا. لذا ستجد دول الاتحاد الأوروبي أن من مصلحتها دعم المشروع الفرنسي، على أمل حصول اختراقات حقيقية تجاه إقامة دولة فلسطينية والمحافظة على موقفها الموحد.
أما الدول العربية والسلطة الفلسطينية؛ فمن المرجح أن تقبل الدول العربية، والتي تعاني من مشاكلها الداخلية، بخيارات السلطة الفلسطينية، وتكثف السلطة الفلسطينية حاليًا من مشاوراتها مع فرنسا لضمان تحقيق الحد الأدنى من المتطلبات الفلسطينية، في الوقت الذي يمر فيه الرئيس الفلسطيني وحركة فتح حاليًا بمآزق متتالية بسبب فشل مشروعهما السياسي والنزعة الاستبدادية الواضحة التي ينتهجها الرئيس الفلسطيني تجاه معارضيه وخصومه السياسيين؛ حيث "تشعر عدَّة شخصيات من فتح بالقلق من أن الرئيس محمود عباس يتجاوز سلطته ويحاول فرض حكمه على السلطتين التشريعية والقضائية"(10)؛ فكما تُظهر استطلاعات الرأي فقد تراجعت شعبية محمود عباس مقارنة بحركة حماس، المنافس الأقوى والتقليدي لنفوذ حركة فتح؛ حيث أظهر استطلاع حديث للرأي نشره المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام لله اليوم (10 ديسمبر/كانون الأول 2014) تراجع شعبية الرئيس أبو مازن (42%) مقارنة بالقيادي في حركة حماس ورئيس الوزراء الفلسطيني السابق إسماعيل هنية (53%). كما فقدت غالبية الشعب الفلسطيني (55%) الثقة في السلطة الفلسطينية وترى أنها أصبحت عبئًا عليها، مقارنة بنسبة 40% فقط ترى أنها إنجاز له، حسب نفس الاستطلاع. وعلى صعيد الاستراتيجيات الوطنية والتعامل مع إسرائيل، يُظهر استطلاع الرأي تأييد غالبية الشعب الفلسطيني لمشروع حماس القائم على العمل المسلح (42%) مقارنة ببرنامج المفاوضات (26%) والمقاومة الشعبية السلمية (28%). هذه الثقة في برنامج حماس، تنعكس أيضًا وبشكل واضح في خيارات الشعب الفلسطيني والذي يؤيد 79% منهم نهج الحركة القائم على العمل المقاوم في التعامل مع الاحتلال في قطاع غزة(11). لم تتراجع شعبية عباس على المستوى الوطني فقط بل إن هناك أيضًا غضبًا متصاعدًا من إدارته للملف الفلسطيني داخل حركة فتح؛ فقد أشار أحد قيادات حركة فتح خلال مقابلة معه إلى أن هناك تململاً داخل أطر حركة فتح من إدارة ملف المفاوضات من قبل أبو مازن، وأن مؤتمر الحركة المزمع عقده في الأشهر القادمة سيشهد خلافات عميقة بسبب الاصطفافات الكبيرة التي تعانيها الحركة(12). كما أن القيادي المفصول من الحركة محمد دحلان ومؤيديه داخل حركة فتح لا يزالون يشكِّلون تهديدًا مباشرًا لنفوذ عباس بالرغم من جميع الحملات الأمنية والإدارية لاستئصالهم من هياكل السلطة والحركة(13). جميع هذه العوامل تدفع أبو مازن لقبول أي حلول وسط لتحقيق إنجازات ولو كانت شكلية وخالية من أي مضمون. وربما تكون هذه العوامل هي التي دفعت الرئيس عباس إلى تصعيد نبرة خطابه تجاه إسرائيل في الأشهر الماضية وسعيه إلى الانضمام إلى مجموعة من المنظمات الدولية كرد على جمود عملية السلام.
المسار الثاني: إصرار الجانب الفلسطيني على التقدم بطلبه ولكن الانتظار حتى تأمين الأصوات المطلوبة في الدورة القادمة لمجلس الأمن. ستتغير تركيبة المجلس بداية العام القادم بعد انتخاب إسبانيا، ونيوزيلاندا، وفنزويلا، وماليزيا، وأنجولا بدل أستراليا ولوكسمبورغ، والأرجنتين، وكوريا الجنوبية، ورواندا لعضوية المجلس غير الدائمة لعامي 2015 و2016 (14)، ويمكن للفلسطينيين الحصول على الأصوات التسعة المطلوبة في التركيبة الجديدة لمجلس الأمن؛ حيث دعمت هذه الدول عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ومن المتوقع أن تدعم المشروع الفلسطيني في مجلس الأمن أيضًا. ولكن حتى لو تم تأمين الأصوات التسعة المطلوبة، فمن المرجح أن تستخدم الولايات المتحدة الأميركية حق النقض الفيتو وتجهض التحرك الفلسطيني.
المسار الثالث: الانضمام إلى المنظمات والمؤسسات والمواثيق والمعاهدات والبرتوكولات والاتفاقيات الدولية التابعة للأمم المتحدة بما فيها التوقيع على معاهدة روما المؤسسة لمحكمة الجنايات الدولية. سيسمح هذا بإمكانية تقديم شكاوى جرائم حرب ضد إسرائيل، خاصة أن هناك إجماعًا فلسطينيًّا على هذه الخطوة بعد موافقة حركة حماس رسميًّا عليها والتي يمكن من خلالها ملاحقة قادة إسرائيليين بالرغم من أن إسرائيل ليست عضوًا في نظام روما؛ فقد أكد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف، أن القيادة الفلسطينية ستقرر الانضمام لـ522 منظمة ومعاهدة دولية في حال فشلت مساعيها في مجلس الأمن. ولكن الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل تعتبر خطوة كهذه إعلان حرب ضد إسرائيل، وليس من المتوقع أن تتحدى وتُغضب السلطة إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، ولكن تبقى هناك خيارات أخرى يمكن للسلطة أن تستفيد منها، كما يؤكد خبراء القانون الدولي، كالانضمام إلى محكمة العدل الدولية والتي يمكن أن تشكِّل عامل دفع وضغط إضافي تجاه إقامة دولة فلسطينية(15).
المسار الرابع: فشل المسعى الفلسطيني في مجلس الأمن واندلاع مواجهات شاملة في الضفة الغربية. يُعتبر هذا الاحتمال من أقوى السيناريوهات في حال فشل جهود السلطة في مجلس الأمن وتلاه وقف التنسيق الأمني ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين كما هدد الرئيس الفلسطيني. يمكن أن يؤدي هذا إلى خلخلة -واحتمالية انهيار- الوضع الأمني في الضفة والتي تعاني من أوضاع اقتصادية وسياسية تنذر بانفجارها؛ حيث تدور مواجهات شبه يومية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
خاتمة
لن تستطيع مشاريع القوانين في مجلس الأمن حل المشاكل المرتبطة بطبيعة الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية أو بسط السيادة الفلسطينية على الأراضي الفلسطينية. تدرك القيادة الفلسطينية -ليس فقط هذه الحقيقة بل أيضًا- أن جميع جهودها ودعم الدول العربية لها لن تُفلح في الحصول على الاعتراف بدولة فلسطينية ذات سيادة ناجزة في ظل الدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل. وبعكس ما هو متوقع، يتمسك الرئيس أبو مازن بهذا الخيار بدلاً من تبني خيارات أخرى تعتبر أسهل وأنجع كإنجاز المصالحة بين فتح وحماس، وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيلها، وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وتقوية الجبهة الداخلية ودعم صمود المواطن الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة. كما يمكن للقيادة الفلسطينية استخدام عناصر قوة وضغط كثيرة بعيدة عن الفيتو الأميركي كالانضمام إلى الهيئات والمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة كاستحقاق يمكن أن يشكِّل أداة ضغط بيد القيادة الفلسطينية في حال تم تفعيله ولم يظل مجرد أداة مساومة.
____________________________________________________
* محمود جرابعة، باحث في مركز إيرلانغن للإسلام والقانون في أوروبا، ومقره ألمانيا.
المراجع
1 خلال المفاوضات التي رعاها كيري واستمرت لمدة تسعة أشهر، قامت إسرائيل بمضاعفة الاستيطان في الضفة الغربية، للمزيد انظر: إسرائيل ضاعفت الاستيطان أثناء المفاوضات، موقع الجزيرة الإخباري، 30 إبريل/نيسان 2014.
http://aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2014/4/30/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D8%B6%D8%A7%D8%B9%D9%81%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86-%D8%A3%D8%AB%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D8%A7%D9%88%D8%B6%D8%A7%D8%AA
2 مسؤول فلسطيني: لا يمكن الوصول إلى حل من خلال المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، رويترز، 3 ديسمبر/كانون الأول 2014،
http://ara.reuters.com/article/idARAKCN0JH0X620141203
3 كلمة الرئيس محمود عباس أمام مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية بتاريخ 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، وفا، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية، 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، http://www.wafainfo.ps/atemplate.aspx?id=9206
4 إسماعيل جمال، قمة عمل مكثف لتأمين 9 أصوات بمجلس الأمن لفلسطين… وندعم أي مصالحة عربية، القدس العربي، 3 ديسمبر/كانون الأول 2014، http://www.alquds.co.uk/?p=259813
5 ميشال أبو نجم، وزير الخارجية الفرنسي يؤكد دعم بلاده لإقامة دولة فلسطينية، صحيفة الشرق الأوسط، 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2014،
https://www.aawsat.com/home/article/232431/%D9%88%D8%B2%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D9%8A-%D9%8A%D8%A4%D9%83%D8%AF-%D8%AF%D8%B9%D9%85-%D8%A8%D9%84%D8%A7%D8%AF%D9%87-%D9%84%D8%A5%D9%82%D8%A7%D9%85%D8%A9-%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9
6 عريقات: مشروع القرار الأوروبي يتضمن الاعتراف بدولة يهودية، العربي الجديد، 5 ديسمبر/كانون الأول 2014، http://www.alaraby.co.uk/politics/790618f3-0574-40fa-a5fc-8fdf8a16ae2f#sthash.7MHsa7tw.dpuf
7 إحياء الآمال باستئناف مفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، صحيفة الحياة، 2 ديسمبر/كانون الأول 2014، http://alhayat.com/Articles/6016125/%D8%A5%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A2%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A8%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%A6%D9%86%D8%A7%D9%81-%D9%85%D9%81%D8%A7%D9%88%D8%B6%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86
8 http://mofa.pna.ps/index.php/en/info-services/archive/487-arabic-ar/5166-2014-11-30-12-53-25
9 http://www.dw.de/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%8A-%D9%8A%D8%A4%D8%AC%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B9%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%81-%D8%A8%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9- %D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86/a-18090952
10 داود كتَّاب، تزايد المخاوف بشأن ميول عباس الاستبدادية، المونيتور، 5 ديسمبر/كانون الأول 2014،
http://www.al-monitor.com/pulse/ar/originals/2014/12/fatah-concerns-abbas-rule-judiciary-legislative.html #
11 المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، نتائج استطلاع الرأي العام رقم 53، 25-27 سبتمبر/أيلول 2014، http://www.pcpsr.org/ar/node/499
12مقابلة مع أحد قيادات حركة فتح في الضفة الغربية عن طريق التليفون، فضَّل عدم ذكر اسمه بسبب حساسية الموضوع، 6 ديسمبر/كانون الأول 2014،
13 انظر المزيد حول هذا الصراع في: محمود جرابعة، ليهي بن شطريت، حركة فتح تحت وطأة الصراع بين عباس ودحلان، مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي (صدى)، 22 إبريل/نيسان 2014http://carnegieendowment.org/sada/2014/04/22/%D8%AD%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D9%81%D8%AA%D8%AD-%D8%AA%D8%AD%D8%AA-%D9%88%D8%B7%D8%A3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%B3-%D9%88%D8%AF%D8%AD%D9%84%D8%A7%D9%86/h8sg
14 انتخاب خمسة أعضاء غير دائمين جدد لمجلس الأمن، trt عربي، 17 أكتوبر/تشرين الأول 2014، http://www.trt.net.tr/arabic/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85/2014/10/17/%D8%A5%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8-%D8%AE%D9%85%D8%B3%D8%A9-%D8%A3%D8%B9%D8%B6%D8%A7%D8%A1-%D8%BA%D9%8A%D8%B1-%D8%AF%D8%A7%D8%A6%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%AC%D8%AF%D8%AF-%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%86-96368
15 فيكتور قطان، الخيارات الفلسطينية في الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، الحياة، 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2014،
http://alhayat.com/Articles/5600311/%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AD%D9%83%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9
ـ مركز الجزيرة للدراسات ـ