خبر : حماس والحاجة إلى مقاربات سياسية وأيدولوجية جديدة (وجهة نظر شخصية) د. أحمد يوسف

الإثنين 15 ديسمبر 2014 01:45 م / بتوقيت القدس +2GMT
حماس والحاجة إلى مقاربات سياسية وأيدولوجية جديدة  (وجهة نظر شخصية)  د. أحمد يوسف



في أفق المراجعات

استراتيجيات ما بعد الحرب على قطاع غزة

حماس والحاجة إلى مقاربات سياسية وأيدولوجية جديدة

(وجهة نظر شخصية)

د. أحمد يوسف

قالوا: "إن فكرة المراجعة تحتاج إلى قدر كبير من الوعي بأهمية النقد الذاتي،مصحوباً بقدر كبير من الشجاعة المُعينة على الاعتراف بالخطأ، ووضع االممارسات والأفكار على محك نقدي صارم،وذلك لإنتاج مواقف جديدة، أو الإمساك عن ممارسات تبين خطؤها أوضررها معكرِّ الأيام وتوالي السنين".

تقديم

بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة (يوليو – أغسطس 2014م)، والتحولات التي شهدتها المنطقة بعد انتكاسة ثورات الربيع العربي، وواقع الاستهداف الذي يتعرض له الإسلاميون في المنطقة العربية، وحركة حماس على وجه التحديد، حيث استحكمت حلقات التآمر، وتعاظمت الضغوط والحصار، واشتد بأس الذين ناصبوها العداء، بطريقة تستدعي العمل بحكمة للتخذيل عن الحركة، وتجاوز مخاطر ما هو قادم، وانقاذ سفينة الوطن من الغرق في بحر الظلمات، الذي تهدد أمواجه العاتية مستقبل الشعب والقضية.

لقد تداولت وسائل الإعلام المحلي بأن حركة حماس تجري مراجعات في أروقتها المختلفة، بهدف الاستفادة من درس الحرب وتداعياتها السياسية، ومعرفة أين أصابت؟ وأين أخطأت؟ وإلى أين تمضي في خطواتها القادمة؟ أي الرد على السؤال الجوهري المثار حمساوياً: ماذا بعد؟

والحقيقة أن هناك جهوداً تتحرك في هذا الاتجاه، فهناك مجموعات تعمل بشكل رسمي وأخرى بطريقة فردية، والنتائج ستأخذ بعض الوقت، وإن كنا سنسمع بين الحين والآخر بعض التصريحات والتسريبات والمواقف، التي تشي بما يدور خلف الكواليس الحركية والشورية.

وتأسيساً على ما سبق، يمكن القول إن الجميع يعمل ويتفاكر برؤية استشرافية، هدفها الخروج بموقف يحمي مستقبل مشروعنا الوطني، ويحافظ على مصالح شعبنا العليا.

ومن الجدير ذكره، أن كل الدول والحركات تجري مراجعات عندما تحدث انعطافات أو هزات في مساراتها السياسية والأمنية والحركية، وهذه المراجعات تأتي بهدف استلال الدروس وأخذ العبر، وفي سياق مفهوم "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت"، فهي عملية تقييم وتقويم، وإعادة معايرة للأوزان الفكرية والتنظيمية من حيث الأهلية والجدارة، وطبيعة تحركاتها وأدوارها المستقبلية، ولا يعيب أي حزب أو حركة وطنية أو إسلامية أن تخرج لتقول لكوادرها وأنصارها وكل المحبين لها والمعجبين بها بأن هناك تعديلاً في اتجاهات الرؤية، وتوضيحاً لمعالم خارطة الطريق، بهدف التكيف مع المتغيرات والمستجدات الحاصلة على ساحتنا المحلية والإقليمية، والفضاءات العالمية المرتبطة بها، والانحناء أمام العواصف العاتية كي تنجو السفينة من الغرق، وتسلم الحركة من الاستئصال المباشر أو الإضعاف بسياسة تجفيف الينابيع.

لماذا المراجعات الآن؟

في سياق تعزيز ما أطالب به - أنا وغيري- من مراجعات، وما ألاحظه من جهود وحرص في هذا الاتجاه، أود الإشارة إلى ما أورده الداعية الإسلامي أحمد مسمح في مقال له بعنوان (حركة حماس ومراجعات هامة) والذي تناول فيه الرد على التساؤل المطروح: لماذا هذه المراجعات بالذات الآن؟ حيث أجاب موضحاً ذلك بالنقاط التالية:

-إن هناك الكثير من المسلمات والحقائق التي نعتقد أنها مسلمات وحقائق ليست كذلك، فلابدَّ من العودة والتفكير بها، وإعادة اختبار مصداقيتها، والتأمل بها والتفكير فيها.

- خروج حركة حماس من الحكم، ومغادرة مواقع المسؤولية، يعطيها إمكانية التفرغ لإجراء مرجعات في الفكر والأداء الحركي والدعوي.

-إن أداء الحركة في الحكم لم يكن على المستوى المطلوب والمأمول، خصوصاً لمن نعتقد فيه أنه أمل الأمة ومستقبلها الواعد.

-إن تعاملها مع الآخر لا يدل على وجود حيوية في تفكيرها، وتجديد في وسائلها وأساليبها.

-إن تعاطيها مع المتغيرات المحلية والعربية والدولية لابدَّ من مراجعته.

-إن قرار السلم والحرب لم يشارك فيه أشقاء الوطن.

-إن القرارات الحركية لا تخضع أحياناً للشورى في المؤسسات الحركية!!

-إن الظروف المتجددة والمتغيرة التي تحياها المنطقة العربية والمحلية تتطلب من الحركة الإسلامية في فلسطين أن تراجع دائماً برامجها وخططها، وهذا يتطلب من قياداتها أن تبدأ بشكل جدي تغيير برامج الحركة، حيث إن برامجها منذ الانطلاق في ديسمبر 1987م لا يمكن أن تصلح لهذا العصر.

- إن النظام الانتخابي الداخلي، وطريقة الترشح وشروطه، لابدَّ من مراجعتها وإعادة النظر فيها.

القضايا المطروحة للنقاش والمراجعات:

 سأتناول بالرؤية والتحليل هنا بعض القضايا والملفات، والتي لن تبتعد عنها مجريات النقاش والجدل داخل حركة حماس بعد الحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة، والتي خلَّفت دماراً هائلاً في الممتلكات العامة والخاصة، وكلفت المقاومة والمدنيين أكثر من ألفي شهيد، معظمهم من النساء والأطفال، وحوالي اثنى عشر ألف جريحاً، وشردت قرابة ربع مليون من المواطنين، انتهى المقام بالغالبية العظمى منهم في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)..إن أهم تلك القضايا التي يدور حولها الجدل والنقاش بشكل عام هي كالتالي: 

- مستقبل قطاع غزة في ظل نجاح أو فشل المصالحة الفلسطينية.

- رؤية المقاومة الفلسطينية لشكل التعامل المستقبلي مع السلطة الوطنية، وكذلك لشكل وأدوات مشروع المقاومة في جولات المواجهة المستقبلية: الممكن والمآلات؛ عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.

- سبل إصلاح العلاقة مع مصر وكل من إيران والسعودية.

- الموقف من المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة مع إسرائيل، وشكل الدولة التي نتطلع إليها (الدولة الواحدة، الدولة ثنائية القومية، حل الدولتين، ؟؟)، طبيعة العلاقة مع المجتمع الدولي.

- سبل العودة للحاضنة الاجتماعية واستعادة مشهد الحضور الجماهيري الواسع، حيث إن استطلاعات الرأي - حالياً - تعطي حركة حماس حوالي 30%.

- فتح وحماس على قائمة انتخابية واحدة.

- مفهوم الشراكة السياسية والتوافق الوطني، وشكل التحالفات في أية انتخابات تشريعية ورئاسية قادمة.

- العلاقة مع دحلان وحركة فتح في قطاع غزة، من حيث التصالح والتحالف.

- الإسلاميون والحاجة إلى حزب سياسي برؤية وطنية جامعة.

- د. سلام فياض ومشروع الرئيس القادم من حيث الكفاءة والخبرة والأفضلية الوطنية.

- المفاوضات المباشرة مع إسرائيل: سؤال برسم الجواب وردَّات الفعل المختلفة.

إن هناك عناوين أخرى سنتناولها بالرأي والتحليل، حتى نستكمل ما يدور في أدمغة نخبة كوادر حركة حماس وبعض قياداتها الحركية والفكرية.. فالحقيقة، أن أهم ما يتهامس به الكثير من تلك الكوادر - وخاصة بعد العدوان الأخير على قطاع غزة - لا يخرج عن الملفات والقضايا التالية:

أولاً) عودة السلطة ومستقبل قطاع غزة:

إن هناك إجماعاً فلسطينياً - وطنياً وإسلامياً – بأن لا دولة في قطاع غزة ولا دولة بدون قطاع غزة؛ أي الإصرار على وحدة الضفة والقطاع.

كما أن هناك تأكيداً وجدية لدى حركة حماس على التعاون لإنجاح حكومة د. رامي الحمد الله؛ لأن هذا النجاح معناه قطع الطريق أمام مخططات إسرائيل لتأبيد الانقسام والتوسع في سياساتها الاستيطانية لابتلاع الضفة الغربية وتهويد القدس، والقضاء على كل فرص إقامة دولة فلسطينية حرة ومستقلة، وحرمان الفلسطينيين في الشتات من العودة إلى أرضهم وديارهم.

إن المطلوب من الإخوة في حركتي فتح وحماس العمل معاً؛ يداً بيد، لتفويت أية محاولات لتخريب شكل الوفاق الذي نجحوا في أقامته، وهذا يتطلب تفاهمات على قاعدة "نحن الأمراء وأنتم الوزراء"؛ أي تقاسم السلطة، وذلك بحسب ما تمنحه الانتخابات والواقع الإقليمي والدولي من أفضلية لهذا الطرف أو ذاك.

إنني اقترح أن تدخل الحركة في تحالف انتخابي مع حركة فتح، حتى لا نجعل ثغرات في جدار وحدتنا الوطنية، ونقطع دابر المحتل الذي يراهن على زرع بذور الخلاف والتناكر بيننا.

ثانياً) المقاومة والسلطة وجدلية قرار الحرب والسلم:

لا يختلف اثنان في أن عودة السلطة إلى قطاع غزة بشكل كامل ومريح يحتاج إلى تفاهمات سياسية، وترتيبات أمنية لكيفية تنسيق العلاقة بين حكومة التوافق وقوى المقاومة الفلسطينية في القطاع، حيث إن الوضعيّة القائمة في الضفة الغربية من حيث "التنسيق الأمني" لا تناسب واقع ما هو قائم عندنا في قطاع غزة، حيث يتمتع سكان القطاع مقارنة بالضفة الغربية بدرجة تحرر أكبر نسبياً من الاحتلال.. فالمقاومة كفعل لها مساحة واسعة من التقدير والاحترام في أدبياتنا النضالية والثقة عالية في قدراتها في الدفاع وحماية الثغور، ولها ثكناتها وجهوزيتها في التصدي والوقوفبوجه جيش الاحتلال ورد كيد المعتدي. لذلك،فإن هندسة علاقة تفاهم بين الحكومة وقوى الفعل المقاوم في قطاع غزة تحتاج من الطرفين إلى الكثير من الحكمة والنضج السياسي وحصافة وفصاحة أولي الألباب، بهدف التوصل إلى تفاهمات ووثائق عهد تسمح بألا يشكل طرف عبئاً سياسياً أو أمنياً على الطرف الآخر.

ولذا، فإن نصيحتي إلى إخواني في حركة حماس تتلخص في الأبعاد والمعاني التالية: إن معركتنا الحقيقية القادمة هي في إعادة بناء ما دمره العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة؛ أي أن المطلوب من حركة حماس وكتائب القسام في المرحلة القادمة هي الاقتراب أكثر من حاضنتهم الشعبية، وذلك بالوقوف إلى جانب من تهدمت بيوتهم، وفقدوا العزيز من أبنائهم، علينا أن ندخر شيئاً من إمكانياتنا وجهودنا لهذه المهمة الوطنية، حتى وإن استدعى ذلك أن نضع السلاح جانباً لفترة زمنية يقدرها السياسيون من رجالات الحركة، كي نستعيد فيها ثقل كل من وقف وهتف "نحن مع المقاومة".

إن هذا لا يعني أن نركن سلاح المقاومة، بل يجب تطوير فعاليته، وبذل الجهد والتركيز على ما يشكل مفاجئات للعدو، والارتقاء بجهوزية فرق النخبة واستعداداتها القتالية.

إن علينا أن ندرك بأن الظروف السياسية والأمنية المحيطة بنا لا تعمل لصالحنا في الوقت الراهن، وهذا ما يوجب علينا البحث عن مواقف وعروض تخدم "سياسة التخذيل"، وسد باب الذرائع أمام حكومة نتانياهو، التي تتربص بنا الدوائر، وتتحرش لشن عدوان إسرائيلي جديد يستهدف قوى المقاومة، تساوقاً مع ما تقوم به أمريكا والتحالف العالمي معها، والهادف لكسر شوكة العرب والمسلمين بذريعة الحرب على الإرهاب.. إن الحكمة والفطنة السياسية والأمنية تستدعي ألا ننجرَّ وراء المهاترات ولغة التهديد والوعيد، ونتوخى الحذر في حجم الرد العسكري على أي شكلٍ من أشكال العدوان، وذلك حماية لمقاومتنا الباسلة، وتعزيزاً لمشروعنا الوطني في التحرير والعودة.

إننا كإسلاميين – بشكل عام وكحماس بشكل خاص – نقع في دائرة الاستهداف والتربص، حيث إن حالتنا السياسية ليست على ما يرام، فالخلاف ما زال قائماً بيننا كفلسطينيين، والمصالحة لم تستكمل تطبيقات بنودها على الأرض، حيث ملامح الانقسام تسود علاقاتنا ومؤسساتنا الحكومية، والواقع العربي الرسمي من حولنا يغيب عنه التوافق والاتفاق في جدوى الوقوف إلى جانبنا، كما أن العالم أوجد تحالفات أممية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وإسرائيل الدولة المارقة تعمل اليوم على استغلال انشغال العالم بالمواجهة مع (داعش) لتوجه ضرباتها الجوية وصواريخها التدميرية لنا.. وبالطبع، فإن العرب والمسلمين ليس لديهم ما يقدمونه لنا؛ لأن حكوماتهم مرتبطة بالتحالف أو متواطئة معه، وإذا أحسنَّا الظن قلنا إنها مشغولة بأمورها الداخلية المتفاقمة.. فنحن اليوم ساحة مفتوحة للعدوان، وعلينا التعامل في رده بالحكمة، حتى لا نفقد زخم التعاطف الشعبي مع قضيتنا.

إن المعركة اليوم تحتاج إلى فطنة وذكاء، وتجنب اللجوء إلى لغة التهديد والوعيد، حيث إن قدرات عدِّونا على لعب دور الضحية كبيرة، وإمكانياته في تبرير جرائم الحرب التي يرتكبها عالية، كما أن انتهاكاته للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني واضحة، وهو يمتلك البراعة التي  تمكنه – دائماً – من الهروب والتملص من تبعات تلك الجرائم.

لقد أثار إعجابي ما كتبه د. خالد محمد صافي؛ الأكاديمي الفلسطيني، في الورقة التي أعدها بعنوان: "قراءة نقدية تقييمية أولية لمعركة العصف المأكول"، حيث أشار إلى العديد من الإنجازات والإيجابيات التي حققتها المقاومة في مواجهتها للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وعدد الكثير من النقاط التي ربما غاب عن البعض رؤيتها، وقال:"إن المقاومة الفلسطينية قد حققت إنجازات كبيرة في العمل المقاوم والمواجهة المباشرة مع الجنود الإسرائيليين، وتمَّ مفاجأة الإسرائيليين بأداء مقاوم جديد يقوم على حرب الأنفاق، التي برع بها مقاومو الشعب لفلسطيني. وقدموا نموذجاً يُحتذى به في المواجهة والصمود وقوة الإرادة والصبر والشجاعة والثبات والقدرة التدريبية العالية، ونجحوا بذلك في مفاجأة الجنود الإسرائيليين في أرض المعركة، وألحقوا بهم الخسائر الفادحة التي كانت مفاجأة بالنسبة لهم، وقلبوا المعادلة بأن الدخول إلى غزة ليس نزهة أو ترفاً عسكرياً بل معركة حقيقية. وهذا الفعل المقاوم لمقاتلينا يجب أن يُثمن ولا يقلل من شأنه. لقد حطم المقاومون أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وهذا له مغزى كبير في الفعل النفسي والفعل العسكري، ويعد الإنجاز المقاوم الفلسطيني حدثاً هاماً ومتغيراً استراتيجياً يجب أن يبنى عليه".

وأضاف: "كما أن المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب عز الدين القسام قد تبنت خيارات عسكرية قوية عندما قامت بالجمع بين العمليات العسكرية الدفاعية والعمليات العسكرية الهجومية، حيث ساهمت العمليات العسكرية الهجومية البحرية والبرية وحتى الجوية في تعزيز الإرادة." 

وقد أشار د. صافي أيضاً في مقاله المنشور على موقع (سما الإخباري)بتاريخ الرابع من أكتوبر 2014م، لما يرتئيه بعض السلبيات التي تحتاج منَّا إلى مراجعات.

وعليه؛ فإنني أقترح على الإخوة في حركة حماس تعليق العمل المسلح لثلاث أو خمس سنوات قادمة، وأن ينطلق الجميع في المقاومة من مهندسين ومقاتلين لاستنهاض قطاع غزة وإعادة بنائه، وأن نكتفي بما هو متاح في هذه الفترة من مقاومة سلمية شعبية تفضح الاحتلال، وزيادة هذه المقاومة وأشكالها في الضفة الغربية, حتى لا تبدو الضفة وكأنها قد أُخضعت تماماً للاحتلال، وكذلك لسد باب الذرائع أمام أي عدوان إسرائيلي قادم على قطاع غزة.

إن بيت القصيد وحجر الزاوية يكمن في تفهم أن عودة السلطة الفلسطينية لبسط مظلتها على قطاع غزة يتطلب تنسيقاً سياسياً وأمنياً بين الحكومة وفصائل المقاومة، وفي ظل إشراف الحكومة على جهود إعادة الإعمار، فإن فرص التناغم بين الأهداف يمكن أن تُفسح المجال لمشروعات مشتركة تديرها المقاومة.

ثالثاً) حماس والعلاقة مع دول الجوار والمحيط الإقليمي:

لاشك أن علاقات حركة حماس مع محيطها العربي والإسلامي بحاجة إلى إصلاح وترميم، فليس كل الأخطاء يصلح تحميلها على شماعة الآخرين، حيث إن هناك ما يتوجب علينا الاعتراف به كمدخل لأن تتسع لنا الصدور من جديد.

وفي لعبة السياسة ليس من الضروري أن تكون على حق حتى يحترمك الآخرون، فهناك مصالح وحسابات للدول يجب مراعاتها، لأن الأخلاق لا تكفي وحدها في قاموس السياسة والعلاقات الدولية.

فمثلاً؛ تأثرت علاقاتنا مع الشقيقة مصر بعد الأحداث الدامية التي أطاحت بالرئيس محمد مرسي في يوليو 2013م، واعتبرها البعض أنها ثورة على الثورة، فيما نظر إليها البعض الآخر أنها انقلاب على السلطة الشرعية، وهذا جدل انشغل به الشارع المصري والعربي بمستويات مختلفة.. ونظراً لحساسية الموقف في علاقتنا بالشقيقة مصر، قلنا: إن هذا موقف يخص أهل مصر، وهم وحدهم أصحاب الحق في ترسيم الأسماء، وإطلاق ما يشاءون عليها من تسميات، أما نحن فإن الذي يهمنا هو استقرار مصر الدولة، واستتباب الأمن والأمان فيها، لأن أية اختلالات أمنية واضطرابات سياسية سوف تُضعف مصر, وإضعاف مصر هو إضعاف لفلسطين ولنا جميعاً, وأيضاً لأن أية اختلالات أمنية ندفع ثمنها نحن أهل فلسطين وبشكل مباشر، شئنا أم أبينا.

للأسف، وقعت القطيعة مع النظام الجديد، ودونما حاجة للشرح وسرد الأسباب، علينا الآن مواجهة السؤال الأهم: ما هو المطلوب منَّا لإصلاح هذه العلاقة؟ وما هو الثمن المطلوب لاستعادة الثقة والبناء على ذلك مستقبلاً؟

أعتقد أن الملف الأمني، وخاصة استقرار الوضع في سيناء، يمكن أن يشكل عملية التنسيق والتعاونبشأنهما نقطة البداية لمشوار إصلاح العلاقة الأخوية والتاريخية مع الدولةالمصرية، كما أن ملف التفاوض مع إسرائيل حول مختلف القضايا، والدور المصري الفاعل فيه كوسيط برغبة حمساوية، يمكن أن يخلق أجواء إيجابية،وحالة التقاء مع الحركة، تفتح الطريق أمام المزيد من التفاهمات الاستراتيجية حول طبيعة الصراع، وكيفية التعاطي مع الاحتلال الإسرائيليبما يخدم مصالح مصر وفلسطين.إضافة إلى تعديل الخطاب الإعلامي خاصة في قناة الأقصى وبقية وسائل إعلام الحركة, بحيث لا تظهر في التغطيات أية انحيازات، وتوخي الحياد ما أمكن.

بالنسبة لبعض الدول العربية كالأردن والسعودية والأمارات، فإن عدم تصدر حماس لمشهد الحكم والسياسة سيفتح الطريق أمام الحفاظ على "شعرة معاوية" معها، والتفاهم من جديد لتسهيل مهمة تقديم الدعم لها، خاصة إذا تمَّ النظر للحركة والتعاطي معها كحالة بعيدة كل البعد عن أوضاع الاصطفاف والتحالفات المتصارعة القائمة بالمنطقة.

وفي الجانب الأخر من معادلة العلاقة مع دول المنطقة، فإن هناك إيران وتركيا، وكلا الدولتين يتوجب على حركة حماس الحفاظ على جوهر العلاقة بهما، وتمتين عرى التآخي وأواصر الصداقة مع كلٍّ منهما، باعتبار قدراتهما السياسية ونفوذهما الواسع ومكانتهما الاستراتيجية المتقدمة في المنطقة، وكونهما - مع مصر - يمثلان العمق الاستراتيجي للقضية الفلسطينية.

إن لفلسطين القضية، ولشعبها المرابط بعزيمة وإصرار متحدياً الاحتلال الإسرائيلي، مكانة خاصة في قلوب أبناء أمتنا العربية والإسلامية، وهذا يمثل رصيدنا الكبير الذي نعتز به ونقدره، وهو الضمانة للحفاظ على وشائج القربى والعروة الوثقى، والتواصل مع عمقنا العربي والإسلامي، حتى وإن تأثرت تلك العلاقة سلبياً نتيجة لتقلبات وتقديرات سياسية معينة، إلا أنها سرعان ما تعود سيرتها الأولى من الحميمية والتآخي، وقوة الالتزام تجاه أرض فلسطين؛ جوهرة المسلمين المفقودة، بكل ما لها من أبعادٍ دينية وقومية وإنسانية.

إن على حركة حماس التي تتمتع بعلاقات متميزة مع كل من قطر وتركيا أن تعمل على تقريب المواقف، وتلطيف الأجواء، بين هاتين الدولتين والنظام المصري، حيث إن انفراج العلاقة بينهما هو حماية لمصر الدولة من الوقوع في برثن المخططات الاستعمارية، التي ترمي إلى استهداف قدرات مصر العسكرية وهز مكانتها الإقليمية، وجرَّها إلى أتون الفتنة والحرب الأهلية، كما نشاهد في العراق وسوريا.

رابعاً) المفاوضات وشكل الدولة الفلسطينية القادمة:

من المعروف في السياسة أن المفاوضات هي الحلقة التي تنتهي عندها كل الحروب، وتنسحب بتوافقاتها وعقودها كل أشكال الاحتلال، فالتفاوض في خلاصته إنما هو عملية لتسريع حل النزاعات أو إدارة الصراع بتفاهمات تمنع المواجهات المسلحة، انتظاراً لظروف تنعدل فيها موازين القوى، ويتمكن فيها الطرفان من التوصل إلى اتفاق يتم التراضي عليه،والخروجمعه بأقل الخسائر.

وبالرغم من أن مشروع "حل الدولتين" ما يزال هو المفضل لدى المجتمع الدولي بناء على اتفاق أوسلو، إلا أن فرص هذا الخيار آخذة في التلاشي لحساب خيارات أخرى، مثل حل الدولة الواحدة أو الدولة ثنائية القومية، وذلك في سياق ما يمكن تسميته بفدرالية الأرض المقدسة، حيث يجد الجميع من مسلمين ومسيحيين ويهود متسعاً للعيش المشترك على أرض فلسطين التاريخية، مع حق كل الذين تمَّ تشريدهم من الفلسطينيين بالعودة إلى أرضهم وديارهم.

قد تلقى هذه الخيارات اليوم اعتراضاً من هذا الطرف أو ذاك، ولكن نهاية الصراع لن تبتعد عملياً عن واحدة منها.

خامساً) إصلاح البيت واستعادة أركانه الاجتماعية:

إن الحكمة التقليدية التي توارثها البشر على مرِّ السنين تقول: إن البيت المنقسم على نفسه لا يمكنه الصمود وتحقيق الانتصار، حيث إن التنازع هو وصفة للفشل وضياع الهيبة والوطن.. من هنا، يتوجب علينا العمل لإصلاح ذات البين بين كافة فصائل العمل الوطني والإسلامي، وأن يمد كل واحد فينا يده لأخيه وأن نتسامح ونتغافر ونجمع الشمل، حيث إن المحتل الغاصب يتربص بنا هو ومستوطنوه لتكريس احتلال وطننا وتشريد شعبنا, وسفك دمائنا ونهب مزارعنا، وتدمير بيوتنا والاستحواذ على مقدساتنا.

ما وقع بيننا من انقسام وقطيعة وتنافر يجب النظر إليه على أنه خروج عن سياقات قيمنا وأعرافنا الوطنية والدينية،وهو الآن وراء ظهورنا،ومن التاريخ الذي يجب علينا أن نضرب عنه الذكر صفحاً، باعتبار أن ما وقع كان خطئاً ويتحمل مسئوليته الجميع، حيث إن القاتل والمقتول هما في النهاية شهداء الوطن، وأن الذي اقترفناه كان سببه "نزغ الشيطان"، وطيش السياسة والصراع على السلطة في لحظةٍ غاب فيها صوت العقل والحكمة.

إن ما نحتاجه لاستعادة أركان البيت الفلسطيني هو مقاربة إصلاحية يتحرك بها الجميع لجبر الضرر (الهمِّ والدم) الذي أصاب البعض، وأن ترعى الحكومة جزءاً من الالتزامات المالية المترتبة على القيام بحملة واسعة لفتح صفحة جديدة بين أبناء الوطن الواحد.

كما أن على حركة حماس العمل على توظيف طاقة رجال الدعوة والإصلاح للتحرك في هذا الاتجاه، ليتكامل جهد الكلمة والمال في تغيير واقع الحال.

ولعله بات من المفيد الآن، العمل على ادماج المصالحة المجتمعية ضمن برنامج الإعمار الشامل لغزة, باعتبار أن إعمار البنية الاجتماعية، وتنفيس الاحتقانات والثآرات الكامنة، هو جزء لا يتجزأ من عملية رعاية التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة, وضمان مستقبلي لنجاحها.

سادساً) الانتخابات وشكل النظام السياسي القادم:

من الواضح أن أية تسوياتٍ للعلاقة بين فتح وحماس تحتاج إلى أن يعود الجميع إلى صناديق الاقتراع، لأنها مناط الشرعية وكلمة الفصل في تقدير الأوزان السياسية التي يمثلها هذاالطرف أو ذاك.. وتسود القناعة لدى الكل الوطني والإسلامي أن النظام السياسي الفلسطيني بحاجة إلى تغيير وتصويب مسار، وذلك لكي يجد الجميع نفسه فيه بأنه مكونٌ وفاعلٌ حيوي؛ باعتبار أن التصويت على قاعدة النسبية الكاملة هو الخيار الأفضل،والذي يمنح حضوراً لكل فصيل له مساهمة على أرض الواقع وكرَّس بها نضاله؛ سواء أكان ذلك بالسيف أو القلم.

بناءً على ذلك، فإنني أرى بأن بناء نظام سياسي قائم على منطق الشراكة السياسية والتوافق الوطني هو طوق النجاة لنا جميعاً، وأن الذي ينظر إلى عملنا الوطني ويفكر فيه بأسلوب التفرد والمغالبة هو يعيش في حالة حالمة تأخذه وتأخذنامعه باتجاه المجهول، لتضيع شوكتنا وتذهب ريحنا، ونكون بذلك لقمة سائغة تنهشنا ذئاب الاحتلال وأنياب غلاة مستوطنيه.

إن على حركة حماس أن تعاظم في أدبياتها وفي تربية كوادرها من التأكيد على أنها حركة تحرر وطني فلسطينية برؤية إسلامية، ولا تخرج في رؤيتها عن سياق الإجماع الوطني، وما يمثله العمق العربي والإسلامي من إسناد استراتيجي في مواجهة المشروع الاستيطاني الصهيوني، الذي يحتمي بالسياسات الاستعمارية الغربية، ويتمدد على حساب أرضنا وشعبنا.

سابعاً) دحلان: حسبة داخل المشهد أم خارجه:

من الواضح أن النائب محمد دحلان وبما يمثله من ثقل تنظيمي في قطاع غزة لا يمكن تجاهله بحال من الأحوال؛ فهو الحاضر الغائب، وهو الذي نحتاجه للحفاظ على شوكة حركة فتح قوية داخل القطاع.. حيث إن التنظيم الفتحاوي لا يبدو فيما نعرفه ونشاهده أنه على قلب رجل واحد، والخلاف الذي بينه وبين الرئيس أبو مازن ما زال يستعصي على الحل؛ لأنه أخذ – للأسف - أبعاداً شخصية، وإدانات جارحة، لا أعتقد أن بالإمكان معالجتها أو تخطيها بسهولة.

نحن في حركة حماس يهمنا أن تستعيد حركة فتح قوة تنظيمها، وانضباط كوادرها، ضمن رؤية وطنية نجتمع عليها جميعاً.. لذلك، فإن العلاقة مع الرئيس أبو مازن والنائب محمد دحلان هي إشكالية بحاجة إلى حلٍّ وفضِّ اشتباك، ولكن السؤال: كيف؟

إن هذه الاشكالية لن تحل إلا بالانتخابات التشريعية القادمة، حيث أن فرص ظهور محمد دحلان كفاعل سياسي داخل حركة فتح والساحة السياسية الفلسطينية تظل قائمة، وخاصة إذا أصر الرئيس أبو مازن على قراره بعدم الترشح ومغادرة الميدان.

ثامناً) فياض ومشروع الرئيس القادم:

يعتبر د. سلام فياض – من وجهة نظري – واحداً من بين أكفأ القادة السياسيين على الساحة الفلسطينية، وهو بمثابة ثروة ورأس مال وطني، وقد قدَّم الرجل خلال مسيرته في العمل الحكومي؛ كوزير للمالية في الحكومة الحادية عشر (حكومة الوحدة) أو كرئيس للوزراء في الحكومة التي تشكلت بعد الانقسام،مواقفَ وسياسات ومشروع رؤية للحفاظ على الكيانية الفلسطينية أفضل من ناحية الفكرة والتحرك من اجتهادات غيره.. وكما أن للرجل ما له من إنجازات ونجاحات على مستوى ترسيخ الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية، وذلكمن خلال التواصل مع الطبقات الكادحة والمهمشة حضرياً، فإن هناك – أيضاً - من طالهبلسانه، باعتبار ما عليه كرئيس للوزراء، حيث حمَّله البعض مسئولية ما تعرض له العديد من كوادر حركة حماس من ملاحقة واعتقالات، وهذه - في الواقع - حالة تستدعي توضيح موقفه منها، وإن كان معروفاً أن المسألة الأمنية هي بيد الرئيس (أبو مازن) ومدير جهاز المخابرات التابع له مباشرة.. على أية حال، إن د. فياض ليس مبرأ من كل عيب،فالكمال لله وحده، والذي يجتهد ويعمل ستكون له أخطاء، فالقاعدة هي "من لا يعمل لا يخطئ".

لقد عرفت د. فياض من خلال العمل ولقاءات مجلس الوزراء في حكومة الوحدة، ووجدت في الرجل مثابرةً في العمل، وشفافيةً في الأداء، وتميزاً في العطاء، وقبولاً لدى المجتمع الدولي، الأمر الذي جعلني في سياق التزكية أقدمه على غيره من المرشحين بعد التوقيع على اتفاق المصالحة في القاهرة في مايو 2011م.

ولعليِّ أشير هنا إلى ما كان يتطلع إليه د. سلام فياض من رؤية لمستقبل الوطن والقضية، وذلك من خلال كلمته التي ألقاها في افتتاح المؤتمر الفلسطيني الأول للحوكمة والخدمات الالكترونية في جامعة بيرزيت، بتاريخ 27يونيه 2012م، حيث أشار بالقول: "إن جوهر ما تحقق في السنوات الأخيرة من إنجازات في كافة المجالات، وخاصة لجهة تحسين أداء المؤسسات، هو نتاج للتحول في حالة الوعي التي عبر عنها شعبنا في قدرته على بلورة أولويات احتياجاته المباشرة، وتعاظم التفافه حول مشروعنا الوطني والسعي الأكيد لتجسيده في دولة المؤسسات وحكم القانون. فنحن نعمل على بناء مؤسسات هذه الدولة وفق أعلى المستويات والمعايير الدولية، وأن ما نسعى اليه - ونحن على ثقة بقدرة شعبنا على تحقيقه - هو أن نصل وفي أسرع وقت ممكن الى واقع يدرك فيه العالم أن شعبنا تمكن من بناء دولته في الواقع، وأن ما يعطل استقلال هذه الدولة وبسط السيادة عليها هو الاحتلال فقط، الأمر الذي سيضع المجتمع الدولي في موقف لا مناص له فيه من تحمله لمسؤوليته المباشرة في إنهاء هذا الاحتلال، وتمكين شعبنا من تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس على حدود عام 1967م".

للأسف؛ كانت حملة التشويه والتشهير التي قادها البعض عليه ظالمة، وكان التأليب والاتهام جارحاً، والتحريض بلغ حداً جعل حركة حماس - آنذاك - تفض يدها عن ترشيحه لمنصب رئيس الوزراء.

وشهادة للتاريخ، فإن هذا الموقف تجاه الرجل قد تغير الآن، وقد همس البعض في حماس بأنهم قد أخطأوا في تقدير مواقف الرجل ومكانته من حيث النزاهة والشفافية.

اليوم، وفي سياق التحضير للانتخابات المقبلة، فإن د. سلام فياض (أبو خالد) هو من بين أفضل المرشحين للرئاسة، وذلك إذا ما استمر الرئيس (أبو مازن) على موقفه بعدم الترشح. ولذلك، ينبغي من الآن الانفتاح على د. فياض، والتنسيق معه كمرشح محتمل للرئاسة، والتفاهم معه حول برنامج يتوافق عليه الكل الوطني والإسلامي، خاصة وأنه من الصعب ترشيح قيادي من حركة حماس للرئاسة، وذلك بسبب الرفض الدولي للحركة،وفي ظل ما يلاحقها من اتهامات ظالمة بالتطرف والإرهاب.

لقد قدَّم د. فياض في ورقته التي عرضها في مجلس أتلانتا بالولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ 30 يوليو 2014م رؤية تتضمن نقاطاً إيجابياً يجب البناء عليها، حيث طالب بتعديل "مفاهيم اتفاقيات أوسلو" الفاشلة، وإنشاء "إطار قيادي فلسطيني موحَّد" يضم ممثلي كافة الفصائل الفلسطينية ويتوازى مع منظمة التحرير، وبما يحقق المشاركة الفعلية في صنع القرار وتحمل المسؤولية.. كما أهاب د. فياض، في مقال نشرته له مجلة (الشئون الخارجية - (Foreign Affairs الأميركية، بالقيادة الفلسطينية عدم التسرّع في استئناف المفاوضات المتعثرة مع إسرائيل في صيغتها الحالية. وأضاف، أن إسرائيل مطالَبة بالاعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم على أراضي 67, والقبول بجدول زمني محدد متفق عليه دولياً لإنهاء الاحتلال.

إن د. فياض هو الخيار الأفضل الذي أرى أن تدعمه حركة حماس في الانتخابات الرئاسية القادمة، وذلك بهدف تحقيق التوازن في علاقاتها مع حركة فتح، وأيضاً حتى يُكتب النجاح والتوفيق لحكومة الشراكة السياسية.

 تاسعاً) حماس والدخول على خط التفاوض المباشر مع إسرائيل:

التصريحات التي أطلقها د. موسى أبو مرزوق حول موضوع التفاوض المباشر مع الاحتلال، كانت مجرد إجابة لتساؤلات البعض من حيث سياق "الحلال والحرام"، وكصدى لما تمخضت عليه المباحثات غير المباشرة مع الإسرائيليين في القاهرة، من حيث تدني سقف الإنجاز لجهة المطالب المشروعة التي رفعناها.

وبالرغم أن ملف المفاوضات المباشرة مع إسرائيل غير مطروح على جدول أعمال الحركة في الوقت الراهن، إلا أن تداول النقاش حوله أصبح مشروعاً، وربما مطلوباً.. في السابق، وخلال حوارات "صفقة وفاء الأحرار"، والتي شاركت أكثر من جهة دولية في الدخول على خط تحريكها، كانت هناك تساؤلات وإجابات توحي - أحياناً - بأن التواصل المباشر موجود، ولو كان على شكل خيط رفيع لا تتسع لرؤيته لحاظ المراقبين، كما أن النظرة التي سادت عمل الحكومة العاشرة حول إمكانية التواصل مع بعض الوزرات في إسرائيل فيما يخص شأن المواطنين ومصالح الوزارات واحتياجاتها، كانت هي الأخرى مدخلاً "للتفاوض" إن تطلب الأمر ذلك.  

الآن وبعد أن خرجت حركة حماس من المشهد الحكومي، فإن العملية التفاوضية ستكون كتحصيل حاصل هي لدى منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، وهذا يعفينا من الدخول المباشر فيها، ولكن هذا لا يعني في ظل الخلل القائم في المؤسسات الفلسطينية الرسمية السماح لأي مستوى سياسي التصرف وكأنه طليق اليد وبدون عودة إلى الإطار القيادي للتشاور والتفاهم حول كل خطوات التحرك، والتي قد تحتاج إلى إجماع وطني وإسلامي عليها.

إن ملف التفاوض هو باب يجب أن يبقى موارباً؛ لأننا سوف نحتاج إليه طالما بقي الوضع الفلسطيني هو حالة تحت الاحتلال، ولكن أي تحركاتٍ في هذا الاتجاه تستلزم الوضوح والصراحة والاتفاق، حتى لا يضيع الجهد وتستنزف الطاقات بمن يعمل على وضع العصا في الدواليب ومن يحاول تخليصها، في مراوحة لا طائل وراءها ولا مردود.

عاشراً) الموقف من الرئيس أبو مازن وتحركاته السياسية القادمة:

أعتقد أن علينا جميعاً اتخاذ مواقف داعمة للرئيس في تحركاته الأممية باتجاه الاعتراف بالدولة، وأيضاً الذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية (ICC)، حيث إن اليمين المتطرف في إسرائيل لن يترك للرئيس فضاءات مريحة للتحرك بحرية والعمل على إنجاز مشروع التحرير والعودة. لذلك، فإن المطلوب أن تتوسع دائرة تبادل الرأي والمشورة بين حركة حماس والرئيس (أبو مازن) كي يجد الرئيس كل الدعم الذي يتطلع إليه عربياً وإسلامياً.

صحيحٌ أننا نجد إشكالية في التعامل مع الرئيس (أبو مازن)، وهناك أزمة ثقة قائمة لدى كل طرف تجاه الطرف الآخر، حيث إن الرئيس (أبو مازن) من خلال مواقفه السياسية لم ينجح في إقناع فصائل العمل الوطني والإسلامي بأنه يحظى بالإجماع الذي منحناه للرئيس أبو عمار (رحمه الله)، من حيث إننا "نختلف معه ولكننا لا نختلف عليه".. ومع ذلك، فإن متطلبات الحالة السياسية القائمة تفرض علينا جميعاً أن نعمل ونتحرك في مساحة المشترك، وأن نبتعد عن كل ما يوغل الصدور من التصريحات والمواقف.

إن علينا أن ندرك بأن المتطرفين والمتنفذين في مشهد الحكم والسياسة في إسرائيل سيعملون بكل الوسائل للتحريض على الرئيس (أبو مازن) والعمل على تشويه صورته أمام العالم،وذلك بهدف إضعاف مصداقيته، ومحاصرته بسهام التهديد والوعيد، كي يوهنوا من عزيمته ويدفعوه للتراجع والخنوع. من هنا، فإن على حركة حماس أن تعزز من شبكة الأمان حوله، وتمنحه الثقة بأن الشعب جميعه يقف خلف خطواته باتجاه الذهاب لمجلس الأمن ومطالبة المجتمع الدولي بالاعتراف بفلسطين كدولة كاملة العضوية.

في الحقيقة، إن هذا الموقف المطلوب من حركة حماس يجب أن يقابله موقف إيجابي من جهة الرئيس (أبو مازن)، بحيث يشعر معه الإخوة في حماس بأن الرئيس (أبو مازن) هو زعيم الشعب الفلسطيني كله، وليس عنواناً لفصيل واحد مهما بلغت مكانته السياسية والشعبية.

وعليه، فإن على الأخ الرئيس (أبو مازن) أن يضعنا أولاً ودائماً في دائرة التشاور فيما يفكر به، كي نشاطره الرأي ونشكل حالة إجماعٍ وطني خلفه، والثانية أن نراه في صورة الزعيم والأب الحاني الذي يحتضن شعبه، ويفرح باجتماع الشمل،ويحث حكومة التوافق التعجيل بتسلم مهام عملها كاملة في قطاع غزة، بحسب ما تمَّ الاتفاق عليه في مخيم الشاطئ بتاريخ أبريل الماضي، والإسراع بوضع حلول أولية لمعالجة مشاكل جميع الموظفين العاملين في القطاع الحكومي، والابتعاد عن أساليب التفريق وسياسات التصنيف التي تمنح الشرعية أو تمنعها، لاعتبارات قد تجاوزناها طائعين، وذلك عندما قمنا بالتخلي عن الحكومة في غزة، وتشكيل حكومة توافق وطني برئاسة د. رامي الحمد الله.

حادي عشر) فتح وحماس على قائمة انتخابية واحدة:

قد يستغرب البعض طرح مثل هذه الفكرة؛ باعتبار أن سنوات الانقسام عاظمت الخلاف بين الطرفين، وتركت جرحاً قد يصعب أن يلتئم بسهولة. الحقيقة أننا بحاجة أكثر من أي وقت مضى لمثل هذه الخطوة، وذلك حتى يتأكد الطرفان بأن ما نتطلع إليه هو شراكة سياسية، وليس محاولة للتفرد بمشهد الحكم والسياسة.

ومما يجدر الإشارة إليه، أن حركة حماس في مرحلة ما كانت تطاردها المخاوف بأن السلطة وحركة فتح تخططان – بمكر –لأجل إخراج حركة حماس من نفس البوابة التي دخلت منها؛ أي الانتخابات، وذلك عبر اختيار توقيت لإجرائهاتكون فيه حظوظ حركة حماس آخذة بالتراجع. من هنا، كانت عمليات التسويف والمماطلةمن قبل الطرفين لإعاقة مثل هذا الإجراء، لأن كل جهة كانت تراهن على تحولات زمنية محددة، وتنتظر اللحظة التي تكون فيها فرصتها هي الأفضل.

اليوم، وبعد تراجع فرص أي طرف في الفوز بالأغلبية، وأن أفضل ما هو متاح من نتائج يمكن أن يتحصلها في أية انتخابات قادمة لا تزيد عن 30%، فإن الضرورة والحسبة الوطنية تفرض على الطرفين أن يتحالفا معاً، وأن يتقاسما الهمَّ الوطني وأعباء المرحلة التاريخية معاً.. اليوم، هذا قدر فتح كما هو قدر حماس، حيث تقاربت خطوط الرؤية لكيفية إدارة مشروعنا الوطني في أبعاده النضالية والسياسية والمجتمعية. والبديل عن ذلك، هو نتائج انتخابية هزيلة لكل الأطراف تدفعهم جميعاً لتشكيل حكومة محاصصة ائتلافية تضيع فيها المسؤولية الحقيقية، والإنجاز على مذبح تبادل الاتهامات والتهرب من تحمل المسؤولية.

ولعل تلك التصريحات التي أطلقها الشيخ راشد الغنوشي؛ زعيم حركة النهضة في تونس، قبل الانتخابات البرلمانية بأيام، حيث أشار إلى أن حزبه مستعد للمشاركة في حكومة ائتلاف تضم خصومه العلمانيين، وأحزاباً يقودها رموز من نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وذلك بهدف غرس أولى بذور الديمقراطية في البلاد.وأكد الغنوشي في تلك المقابلة التي أجرتها معه وكالة رويترز بأن الوفاق هو الذي أنقذ تونس، وأن البلاد لا تزال بحاجة إلى الوفاق، لأنه حتى بعد الانتخابات لن تكون البلاد في وضع ديمقراطية مستقرة، بل في ديمقراطية انتقالية تحتاج إلى حكومة وحدة وطنية تعالج عديد التحديات في ظل الوضع الإقليمي المضطرب.وقال إن "كل الأحزاب المعترف بها نحن مستعدون للعمل معها.. ليس لدينا أي فيتو على أي حزب قانوني.. لن نواجه الإقصاء بإقصاء".

هذه التصريحات القوية والصريحة لأحد أهم الشخصيات الإسلامية الحركية في العالم العربي، إنما ترسل إشارات واضحة لكل الإسلاميين في المنطقة، بأن النهج اليوم يجب ان يقوم على مبدأ "مشاركة لا مغالبة"، وأن الأولوية يجب أن تعطى للعملية الديمقراطية، حتى يتمتع الناس بالحرية ويمتلكوا خياراتهم، ولا يبقى هناك أفق لحكم الفرد وطبائعه في الاستبداد السياسي.

ثاني عشر) الإسلاميون والعمل من خلال مظلة حزبية سياسية مفتوحة للجميع:

إن السياسة هي أشبه بلعبة الشطرنج، الغرض الرئيسي منها هو تحقيق الفوز وأكبر قدر ممكن من المصالح، وإلحاق الهزيمة وأكبر قدر ممكن من الخسائر بالخصم، وذلك بإتباع مختلف التكتيكات، بغض النظر عما إذا انسجمت هذه التكتيكات مع الأخلاق أم لا. ويمكن اختصار العلاقة بين السياسة والمصالح بالقول المأثور للسياسي البريطاني المعروف ونستون تشرتشل: "ليس لبريطانيا أصدقاء دائمين ولا أعداء دائمين، بل لها مصالح دائمة".. إننا كإسلاميين قد نجد أنفسنا نختلف مع هذا المنطوق لمفهوم السياسة في الفكر الغربي،وخاصة في جزئية غياب الأخلاق، حيث إن السياسة عندنا هي مصالح تحكمها المبادئوتحفظها القيم.

وكما هو معروف، كما يقول د. سعد الدين العثماني؛ القيادي في حزب العدالة والتنمية المغربي، "إن مجال اشتغال الحزب هو المجال السياسي، والانتماء إليه هو انتماء سياسي على أساس المواطنة، وهو ما يجعله حزباً مفتوحاً لجميع المواطنين ما داموا ملتزمين بتوجهاته وبرامجه السياسية وقوانينه.. حيث إن اجتهاداته واختياراته تبقى اجتهادات بشرية نسبية قابلة للصواب والخطأ، وحكم الشعب والتاريخ هو الفيصل في بيان جدارتها وجدواها".

وتأسيساً على ذلك، فإن الحزب المطلوب إقامتهفي الضفة الغربية وقطاع غزة يجب أن يكون واجهة سياسية مفتوحة على الجميع، بما في ذلك المسيحيين الفلسطينيين،ويتوجب عليه السعي لحشد كافة الجهود الوطنية المخلصة في جبهة واحدة، بغض النظر عن أيديولوجياتها السياسية، وتوجهاتها الفكرية، وأدواتها النضالية، وذلك بهدف تمكين شعبنا من تحقيق طموحاته في التحرير والعودة.

إن الحزب المطلوب يمكنه كذلك - في ظل أهدافه المنشودة - العمل في إطار شراكة سياسية مع الآخرين، بما يعزز من قدرات مشروعنا الوطني للنهوض بالحالة المجتمعية لشعبنا في الوطن والشتات.

إن الحزب المطلوب سيكون باب الانتساب إليه مشرعاً للجميع، سواء من التجمعات الشعبية أو النخب الفكرية ونشطاء المجتمع المدني والشباب، حيث لن تخرج منطلقات الحزب الاستراتيجية عن الرؤية السياسية التي ترتكز ملامحها إلى العناصر الخمسة التالية؛ وهي:

1-               نظام حكم يعتمد مبدأ الشراكة السياسية، حيث يجد الكل الوطني والإسلامي مساحات للعمل المشترك.

2-               التوافق الوطني على مستوى المواقف والسياسات والرؤى الاستراتيجية لمشروع التحرير والعودة والدولة الفلسطينية الحرة والمستقلة.

3-               التواصل مع العمق العربي والإسلامي والإنساني، باعتباره ركيزة مشروعنا الوطني، وقوة الدفع لتحقيق طموحات شعبنا في الوصول إلى حقوقه المغتصبة واستعادة أرضه السليبة.

4-               الانفتاح على المجتمع الدولي، واستثمار حالة التضامن الكبير مع القضية الفلسطينية داخل المجتمعات الغربية، بكونها قضية عادلة, وعلى قاعدة مناصرة القضايا العادلة في العالم بأسره.

5-               اعتماد كافة أشكال النضال المشروعة من أجل إنهاء الاحتلال، سواء بالتحركات الشعبية السلمية أو العمل المسلح بحسب ما تقتضيه إمكانيات الزمان والمكان، وذلك ضمن آلية عمل تتراضى عليها القوى الفاعلة في الميدان السياسي والفعل المقاوم.

وفي سياق هذه الرؤية، ستكون عملية الحشد والتعبئة للحزب. وكون هذه المعطيات تتسع للجميع، فإن فرص التمثيل ستكون أبوابها مشرعة كي يجد الكل الفلسطيني بغيته، باعتبار أن الوطن يأتي أولاً وأن الحق فوق كل شيء.

وحيث إن حركة حماس- اليوم - على أبواب مرحلة سياسية جديدة، ترى في الشراكة السياسية والتوافق الوطني طوقاً للخلاص،فإن التفكير في نقاش جدوى الحزب السياسي ذي المرجعية الإسلامية أضحى - الآن - ضرورة يتوجب الحديث عنها بين الإسلاميين والسعي نحو العمل بها.

إن الخارطة السياسية داخل ساحتنا الفلسطينية تحكم خطوطها وألوانها أربعة تيارات: أولها؛ القوى الإسلامية وتمثلها حركتا حماس والجهاد الإسلامي إضافة إلى التيار السلفي وحزب التحرير الإسلامي، وثانياً؛ حركة فتح، وثالثاً؛ القوى اليسارية ولها أربعة عناوين رئيسية معروفة، وهي: الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وحزب الشعب والمبادرة الوطنية، رابعاً؛ المستقلون ولهم أكثر من عنوان، وعباءة بعضهم يمكن أن تستوعبها فضاءات كل من سبق