خبر : الهجوم الإسرائيلي يستوجب رداً سورياً ...مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية

الأربعاء 10 ديسمبر 2014 06:46 م / بتوقيت القدس +2GMT
الهجوم الإسرائيلي يستوجب رداً سورياً ...مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية




غزة اطلس للدراساتجاء الهجوم الإسرائيلي الأخير على سوريا، قصف موقعين على الأقل، في وضح النهار، قرب مطار دمشق وموقع آخر في منطقة ديماس قرب الحدود السورية اللبنانية، وهو الهجوم الثامن تقريباً منذ مطلع 2013؛ في توقيت إسرائيلي واقليمي وظروف خاصة ومميزة، حيث الانتخابات الإسرائيلية، الأمر الذي قد يفسره البعض على انه توظيف انتخابي لصالح نتنياهو، وفي ظل حرب دولية على داعش والحديث عن تغيير الأولويات الأمريكية تجاه الأزمة السورية، من أولوية إسقاط الأسد الى أولوية هزيمة داعش، وإمكانية الاستفادة من نظام الأسد لصالح الحرب على ما يوصف بالإرهاب، وفي ظل زيادة المؤشرات على تعمق العلاقة الأمنية والتحالف السري بين بعض الدول العربية وبين إسرائيل، ونشر المزيد من التقارير عن علاقة اسرائيل ببعض قوى المعارضة السورية، لا سيما التي تسيطر على المناطق السورية المحاذية للحدود مع إسرائيل؛ الأمر الذي جعل البعض ينظر للهجوم على انه جزء من دور إسرائيلي إقليمي لخدمة سياق سياسي أمني.
الموقف السوري من الهجوم هو الآخر كان على غير عادته السابقة، فكان سباقاً ومتفرداً في الاعلان عن الهجوم واتهام إسرائيل بقصف الموقعين، ولم يحاول التكتم على العدوان كما حدث في مرات سابقة، ربما لأن الأمر تم في وضح النهار أو انه أدرك عدم قدرته على التعتيم أو لأنه فعلاً أراد مصارحة شعبه وكشف عدوانية إسرائيل وتحميلها المسؤولية وتوظيف ذلك اعلامياً على الأقل في كشف ما يعتبره مساعدة اسرائيل لقوى المعارضة أو انه ببساطة لم يعد يشعر انه ملزم بالرد ولم يعد يشعر بالحرج من العدوان وعدم الرد.
الاعلان السوري عن الهجوم أربك الى حد ما التقديرات الاسرائيلية التي اعتادت في السابق تفسير عدم التسرع السوري بالإعلان عن الهجمات السابقة دليل على رغبته في ابتلاع الإهانة وعدم الرد، مما خلق حالة من القلق حيال نوايا الأسد، فهل يريد حقاً ترجمة تهديداته السابقة ولم يعد بوسعه احتواء العدوان دونما رد؟ لكن الاعلام السوري، بما في ذلك تصريحات الناطق الرسمي، اكتفى بنقل الخبر دون ان ترفقه بالتهديد المعتاد "سوريا تحتفظ لنفسها بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين"، وبعد أيام من الهجوم يبدو ان النظام السوري لا ينوي حقاً الرد عبر قواته النظامية على الأقل، وربما يوكل المهمة لأطراف أخرى.
كان من الأجدى سياسياً ووطنياً للنظام الرد المباشر، رد ذو طابع وسقف تكتيكي وردعي؛ مثل هذا الرد كان سيلقى تفهماً اسرائيلياً، وسيردعها عن الاستهتار بالموقف السوري، صحيح انه سيجلب رداً اسرائيلياً لكنه لن يصل الى حدود المخاوف المبالغ فيها من قبل نظام الأسد، فأي رد اسرائيلي سيكون ضمن معادلة الردع والانتقام رداً عنيفاً ومحدوداً، لكنه لن يصل بأي حال في الظروف الحالية (الاسرائيلية والاقليمية والدولية) إلى فتح جبهة شمالية، والتورط في الحرب السورية.

الموقف الاسرائيلي
حسب الناطقين غير الرسميين الإسرائيليين فإن الهجوم، ان صحت التقارير التي تنسبه لإسرائيل، فقد جاء في وضح النهار لإرسال رسائل حاسمة لإيران، سوريا، وحزب الله، تتعلق بتجاوز الخطوط الحمراء الإسرائيلية، وتنطوي على تأكيدها مجدداً، وعلى ان اسرائيل لن تحتمل تجاوزها، وقدرت المحافل الاسرائيلية ان الهجوم ربما استهدف صواريخ مضادة للطائرات كانت في طريها لحزب الله أو انها كانت في مخازن مؤقتة للحزب بالقرب من مطار دمشق، صواريخ تصفها اسرائيل بأنها تغير نوعياً موازين القوى، وتشوش وتعقد أي جهد اسرائيلي حربي مستقبلاً على لبنان.
منذ آخر هجوم اسرائيلي على سوريا في مايو 2014 وما أعقبه من تصعيد لهجة التهديد السورية وتنفيذ عدد من التفجيرات ضد القوات الإسرائيلية، والتي نسبت في حينه لحزب الله، فإن اسرائيل لم تنفذ هجمات لأشهر عديدة، ويبدو ان اسرائيل على الأرجح كانت تخشى انفجار الأوضاع، ويأتي هذا الهجوم في سياق إرسال رسائل التأكيد على الخطوط الحمراء الإسرائيلية، وأيضاً في سياق الردع وجس النبض، ورغم ان توقيت الهجوم اسرائيلياً جاء في توقيت مناسب لنتنياهو يساعده على توظيفه انتخابياً مثلما اتهمته بعض أقطاب المعارضة الاسرائيلية بذلك، حيث وصفوه بهجوم انتخابي، ورغم تعودنا كفلسطينيين على زيادة شدة التنكيل الاحتلالي والبطش بنا كجزء من بوصة التنافس الانتخابي الإسرائيلي؛ فإننا نستبعد ان يكون الهجوم بدوافع انتخابية رغم ان نتنياهو يستفيد بشكل كبير من إعادة توظيف الأجندة الأمنية في حملته الانتخابية، فهو يدرك كما يقول الكاتب الاسرائيلي ران ادلست "الناس الذين يخافون اقتصادياً يذهبون الى اليسار، والذين يخافون أمنياً يذهبون الى اليمين".
فمثل هذا النوع من الهجوم يعتبر عملاً معقداً وحساساً الى درجة كبيرة، وهو يحتاج الى جمع معلومات استخبارية دقيقة مسبقة، وقدرات تخطيط وتنفيذ عالية، وقدرة على احتساب المخاطر والاحتمالات قبل المصادقة على الهجوم، والجيش والمؤسسة الأمنية عامة تكون عادة هي المسؤول عن كل العملية بما في ذلك اختيار التوقيت الأنسب.

الموقف الإسرائيلي من المعارضة
إسرائيل منذ زمن بعيد لم تعد طرفاً محايداً تجاه الحرب السورية، وهي تقف على رأس المحرضين للتدخل الدولي الفاعل في سوريا، ظهر ذلك علناً إبان أزمة الكيماوي، وبشكل سري وغير مباشر تكشفه الانتقادات الاسرائيلية لسياسات البيت الأبيض فيما يتعلق بالشرق الأوسط والحرب ضد "الإرهاب"، حيث تصفها بالضعف والتردد، كما ان التقارب الكبير بين العديد من الدول العربية واسرائيل يأتي على قاعدة تنسيق التحالف وتبادل التعاون في القضايا "المشتركة" لهذه الدول وإسرائيل، ومن بينها "إيران ومحورها" في المنطقة، ويبدو ان ثمة اجماع عربي اسرائيلي وتركي على أولوية إسقاط نظام الأسد كهدف مشترك، دون الاجماع بالضرورة على الخطوة التالية.
إسرائيل التي تدأب على ان تظهر وكأنها بعيدة عن التدخل في الأزمة السورية، تدرك ان تدخلها العملي والميداني والسياسي من خلف الكواليس أمر لا بد منه لضمان أمنها المستقبلي، حتى يكون بإمكانها ان تضمن لنفسها مكانة أثناء إعادة بناء وتشكيل سوريا ما بعد الأسد؛ فهي ليست دولة سلبية تكتفي بانتظار المفاجآت، بل تسعي دوماً لاستغلال الفرص والتأثير في الظروف، لا سيما التي تتعلق بالدائرة الاقليمية الأقرب لها، وهي لا تكتفي بالتنسيق والحراك السياسي من خلف الكواليس؛ بل تتدخل فعلياً وميدانياً، وإن بحذر شديد، وفي جزء منه بتنسيق مع التحالف الإقليمي والدولي، وفي جزئه الآخر بمبادرتها الذاتية انطلاقاً من حساسيتها لأمنها والمبالغة في هواجسها الأمنية، وهذا ما تكشفه التقارير الصحفية، بما فيها تقارير مراقبي الأمم المتحدة على الحدود السورية الإسرائيلية، من تعاون يزداد ويتعاظم بين اسرائيل وبعض قوى المعارضة السورية، وتحديداً مع القوى التي تسيطر على المناطق السورية المحاذية للحدود الإسرائيلية، حتى ان بوابات حدودها مع سوريا باتت بوابة ومسرحاً لبعض الاتصالات الدولية الميدانية مع قوى المعارضة (صفقة قطر والأمم المتحدة للإفراج عن المراقبين الدوليين المختطفين من قبل جبهة النصرة مقابل عشرات الملايين من الدولارات التي مولتها ونسقتها قطر).
فإسرائيل هي الكاسب الأكبر من الاحتراق العربي، وهي الأقدر على توظيف الفرص واستغلالها، وبات العرب يبررون خيار التعاون مع اسرائيل على اعتبار انه خيار لا بد منه باعتباره أمراً واقعاً، وقد وصل العرب في خيارهم هذا الى حد جعل كيري يصرح ان دولاً عربية مستعدة للتحالف مع إسرائيل، وهذا ما أكده أكثر من مرة أكثر من مسؤول إسرائيلي، وجعل الكاتبة الإسرائيلية سمدار بيري تكتب "ليس لنتنياهو حتى محام واحد في العالم العربي، ولكن التعاون الأمني والتنسيق الاستراتيجي يعملان مثلما لم يعملا من قبل أبداً مع الأردن ومع مصر، وفي أماكن أبعد لا تسمح الرقابة بالكشف عنها".
الهدف الأولي والرئيسي الذي تسعى إسرائيل لتحقيقه بغض النظر عن مآلات الوضع السوري هو توفير أمن حدودها عبر قطاع بشري في المناطق السورية المحاذي لحدوها أشبه بجيب ديموغرافي توفر له اسرائيل ظهير وقدرة على التنفس والصمود، وهو على خلاف جيش لحد في جنوب لبنان الذي كان محاصراً ومنبوذاً إلا من إسرائيل، وكان مدموغاً بالعمالة لأعتى عدو للعرب واللبنانيين، فاللعبة الاسرائيلية هنا أكثر ذكاءً واحتواءً وتحت مظلة التعاون العربي الإسرائيلي.

موقف المعارضة
المعارضة السورية، التي جزء مهم منها ليس على شاكلة اللبواني (المعارض السوري الذي زار اسرائيل)، ولا ترحب بالتعاون المستقبلي مع إسرائيل، وترى فيها عدواً للعرب ومحتلاً لأراضٍ عربية وسورية؛ كان موقفها مستنكراً وغريباً، حيث رحب جزء منها بالهجوم على قاعدة التعاون مع الشيطان على طريق اسقاط النظام، لكن أي منها لم يستنكر الهجوم، الأمر الذي ينطوي على مخاطر على الثقافة الوطنية السورية، وكان الأجدر بالمعارضة الوطنية ليس فقط ان تستنكر الهجوم، بل كان حرياً بها، باعتبار ما تزعمه من تمثيل الشعب السوري وحماية مصالح الوطن، ان ترد على الهجوم ولو بشكل رمزي ومحدود، فإن كان النظام، كما تقول يوجه طائراته لضرب الشعب السوري، فكان عليها هي ان توجه بعض نيرانها المحدودة والرمزية تجاه عدو الوطن الأول في رسالة للشعب السوري وللعالم العربي تؤكد فيها وتعيد صياغة معادلة الصراع الحقيقية، وألا تجعل الصراع السوري جسراً للتطبيع والتعاون الأمني العربي، وبعض السوري مع إسرائيل.

الموقف الروسي
لم تكتفِ روسيا بإدانة الهجوم؛ بل طالبت اسرائيل بتوضيح ملابسات الهجوم، وأرسلت خطاب شكوى الى الأمم المتحدة تشكو فيه هذا العمل العدواني، وشددت على ضرورة ألا تتكرر مثل هذه الهجمات مرة أخرى.
يبدو ان روسيا شعرت بالحرج الشديد نتيجة على ما يبدو لقيام اسرائيل بخرق تفاهمات روسية اسرائيلية سابقة، تتعلق بنوعية السلاح المسموح تزويده روسياً لنظام الأسد، وانها – أي إسرائيل – قامت بهجومها بعد يوم من جولة بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسية، والتي شملت لقاءً مع قيادة حزب الله ولقاءً آخر مع نصر الله.