خبر : مترجم | عرفات ما زال حياً يرزق واسمه عباس ...بقلم: حاجي سيغل

الأحد 16 نوفمبر 2014 03:41 م / بتوقيت القدس +2GMT
مترجم | عرفات ما زال حياً يرزق واسمه عباس ...بقلم: حاجي سيغل



على افتراض أن موجة العنف الجديدة انتفاضة فعلاً، فكيف إذاً بدأت؟ وماذا كان عود الثقاب الذي أشعل اللهب؟ من وجهة نظر عربية يسارية اسألوا الطيبي وخصم أوبنهايمر الحادث الدموي التأسيسي هو مقتل الفتى محمد أبو خضير من شعفاط، من هناك تدحرج كل شيء على المنحدر.
قتل يهود فتىً عربياً، وقررت الحكومة البناء في تلة الطيران، و"أمناء جبل الهيكل" سعروا النيران، وقال بينيت ما قاله، والأفق السياسي مسدود، وهكذا بلغنا هذا المبلغ، وحتى وفق أكثر المقولات اعتدالاً في اليسار الاسرائيلي فإن المسؤولية مشتركة بيننا وبين الفلسطينيين تقف عند نسبة 20-80، أي ان أبا مازن متهم قليلاً فقط، ونحن المتهمون الرئيسيون.
نعم؛ من يعمل مرة أخرى عملاً فائق الجودة ويدون على رقعة التاريخ القديم للعمليات الانتحارية على انها بدأت فقط بعد غولدشتاين أو يصف دخول أرئيل شارون وروبي ريفلين الى جبل الهيكل (المسجد الأقصى) انها نقطة انطلاق لانتفاضة الأقصى، بالإضافة الى حكاية لا تزال طازجة ومن التنور مباشرة عن انتفاضة الألعاب النارية التي اندلعت بسبب اليهود.
اهود يعاري، وهو أحد المستشرقين المخضرمين في بلادنا، قرر بعد ساعة واحدة بعد واقعة الدهس الثانية في القدس ان المخرب المنفذ للدهس بسبب إصرار حوطوبيلي على الذهاب الى جبل الهيكل (الأقصى المبارك)، وفي محطات الإذاعة أيضاً بثت تحاليل مشابهة كثيرة، وبعد ذلك بيومين أطلقت النار على مهاجم بالسكاكين في كفر كنا – في الحادثة التي وقعت على خلفية جنائية واضحة – غير ان الحوار التحليلي السياسي ظل متركزاً على جبل الهيكل (المسجد الأقصى) ومحمد أبو خضير.
ومن ما يزال يذكر مقتل القائد باروخ مزراحي عشية عيد الفصح؟ وهل كان مقتله أيضاً مرتبط بجبل الهيكل (المسجد الأقصى)؟ وماذا عن تقطير الصواريخ النسبي من غزة، والذي بدأ قبل مقتل أبو خضير بأسبوع؟ ورغم ذكر وسائل الاعلام ما بين الفينة والاخرى لمقتل الفتيان اليهود الثلاثة، إذ كيف يمكن ان ننسى، ولكن مقتل أبو خضير يطغى على كل شيء، وفي بعض الاحيان يبدو لي وكأن أبو خضير قتل قبل الفتيان اليهود الثلاثة وليس العكس.
عجائز البلدة والمؤرخون المنطقيون سيقولون لكم ان الأمر كان على هذا النحو دوماً، ان اعتداء العرب على اليهود يعتبر عنفاً معيارياً، ويوشك ان يكون قانوناً طبيعياً، لذلك لم يوصف بأنه عود الثقاب الذي يشعل اللهب، وفي المقابل فإن اعتداءً وحيداً لليهود على العرب أو حتى مجرد ذهاب اليهود غير العنيف الى جبل الهيكل (الأقصى المبارك) يعتبر دلواً من الوقود يسكب فوق جمرة الصراع العربي الاسرائيلي الخبيثة الدائمة.
هذا ما حدث عندما تعاملت الحكومة والأجهزة الأمنية بتسامح مع هيجان عرب شعفاط الكبير بعد مقتل الفتى أبو خضير، لقد اختاروا تجنب المواجهة المباشرة مع المشاغبين، وتمكينهم من تنفيس غضبهم المبرر، تمركزت دورية من الشرطة على مفترق "بسغات زئيف" لمنع اليهود من دخول الحي، رئيس الحكومة ووزير الجيش ووزير الداخلية لم يجبوا من المشاغبين ثمن تخريب تدمير محطة القطار السريع الواقع شمال المدينة، بل قالوا ان الأمر لا يتعدى كونه رد العرب الطبيعي، وربما حتى على اسرائيل ان تستوعب ما يحدث لكي نعود الى الحياة الطبيعية.
"مثل الساحات المشتعلة الأخرى الآن في الساحة المقدسية فإن الحكومة الاسرائيلية تفضل سياسة العض على الشفتين"، كتب في حينها في مقال نشر هنا على هذه الصحيفة "سيتبين انها مجرد وهم، وستحني رأسها وتحجم بعد عدة أيام، أعمال الشغب الفلسطينية ستتوقف تدريجياً وسيعود كل شيء الى طبيعته بسلام"، حسب ما جاء في المقال آنف الذكر، لكن العض على الشفتين لم يفد شيئاً، وعموماً فإنه لا يفيد شيئاً، القوميون العرب يفهمون لغة القوة ويشمون الضعف بالذات، القطار السريع أصبح هدفاً مزمناً لقنافذ شعفاط، وتقطير الحجارة عولج بتردد، ليس فقط بسبب تردد أهرونوفيتش.
المستوى السياسي في معظمه يميل الى الاعتقاد بأن الأمر مجرد سحابة عنف عابرة، حتى عندما هبت من سباتها بعد واقعة الدهس الأولى والاعتداء على غليك، وسارت على أطراف أصابعها لم تعطِ الطرف الآخر سبباً جيداً ليخفض الرأس ويختفي أو ان يفكر مرتين قبل ان يطعن مرة أخرى، وبدلاً من مهاجمة أوكار الإرهابيين تلقينا الثرثرة الرسمية على أهمية الوضع الراهن في جبل الهيكل (المسجد الأقصى)، "علينا الكف عن استخدام العنف الزائد في الأماكن المقدسة" أعلن موشيه يعلون وزير الجيش.
هكذا بالضبط أو أقل أو أكثر انزلقنا في حكاية كفر كنا، ولأعمال الشغب العربية الكبرى في حدود دولتنا الصغرى، أعمال الشغب ليست مرتبطة بجبل الهيكل (بيت المقدس) أو بمحمد أبو خضير، الأزعر الخارج على القانون المرحوم خير حمدان انقض بالسكين على دورية الشرطة، ليس بسبب الجمود الساسي، وانما بسبب الجمود الأمني، دولة إسرائيل تتردد باتخاذ الخطوات المطلوبة ضد من يثور عليها من الداخل "القدس" ومن الخارج "غزة" لذلك فإنها تُهاجم أكثر وأكثر.
من يخاف ان يتحرك ضد راجمي الحجارة في شعفاط سيلقى عليه في نهاية الأمر عبوة متفجرة في مفترق بورديس، ومحاولة القيام بمذبحة في الطيبة، ولكن كيف ينتهي هذا كله؟ ما زال المستوى السياسي يأمل ان يضمحل العنف تدريجياً، انها مسالة متعلقة بالقلب الانساني اليهودي، فإسرائيل دولة تسعى للسلام والتعايش المشترك مع جميع أعدائها، ومن باب أولى مع مواطنيها العرب، محطة القطار السريع هي إحدى رموز الانتفاضة الحديدة، وضعت في شعفاط كتعبير عن النوايا الاسرائيلية الحسنة تجاه السكان هناك.
وبناءً على تجارب الماضي كان علينا وضع المحطة في الأحياء اليهودية فقط، ولكن السلطات الاسرائيلية والمقدسية أصروا ان تمر على شعفاط أيضاً لكي تقرب بين القلوب كهدف من بين أهداف أخرى، ولقد كان القطار السريع متحفاً متنقلاً للتسامح، "على متن ذات القطار سافر العرب واليهود في وئام، والمتدينون والعلمانيون والنساء والرجال، والجميع يحترم الجميع" حسب وصف أحد المتحدثين المقدسيين المجهولين في صيف العام 2013، وهو يهودي على الأرجح، والآن تدور هناك أمور مختلفة تماماً، حيث يرجم القطار بما لا يحصى من الحجارة.
دهس أربعة أشخاص في محطات توقفه وماتوا، وهو رقم أعلى من ثمن الدماء التي أريقت على خط القطار القديم في القدس طوال مدة تقسيم المدينة، طريق القطار تحول الى جبهة، عرب القدس ردوا باللكمات القاسية على اليد المفتوحة التي مدت لهم.
رئيس بلدية تل أبيب، والذي سارع الى إلغاء رحلات أبناء مدينته الى العاصمة الإسرائيلية، اكتشف هذا الأسبوع ان محطات مدينته تنزف دماً في كل المقاطعات العربية تقريباً داخل الخط الأخضر، هوجم سائقون يهود، ناهيك عن الشُرطيين، راية حماس وشعارات الجهاد زينت مظاهرات الطلاب في حيفا وتل أبيب والقدس، حتى لو استخدمنا عدسة مكبرة فإن من الصعب التمييز بين الانتفاضة في المثلث وبين الانتفاضة في أبو طور ليتضح مرة أخرى ان المعركة على أرض إسرائيل تجري على طرفي الخط الأخضر هي ليست معركة موضعية على منطقة نزاع محددة، وإنما هي معركة من البحر الى النهر.
حقيقة كون جميع عمليات القتل الأخيرة قد نفذت من قبل "منفذ ارتجالي"، بمعنى قتلة لا ينتمون الى تنظيم، لا يجب ان تعزينا، بل العكس صحيح، فالقاتل الارتجالي هو وصف مرادف للإرهاب الشعبي، وهو كناية عن الحرب الشاملة، الجميع ضدنا، وإن لم يكن الجميع فغالبيتهم العظمى، ففي البرلمان في رام الله لا يوجد أي حزب يتهم أبا مازن بالجمود السياسي، وفي الكنيسيت الإسرائيلي لن تجدوا عضواً عربياً واحداً يظن ان نتنياهو أصدق من عباس.
وعلى عكس الجمهور الاسرائيلي في البلاد، والذي ينقسم الى يمين ويسار، فإن سوق الآراء في الجمهور العربي فيها قائم على معسكر واحد، ليس كلهم من يطلقون النار علينا أو يدهسوننا، ولكن قليلون هم من يستنكرون فعل من يدهسنا ويطعننا، قائدهم المنتخب أعلن هذا الأسبوع في حفل تأبين عرفات ان اليهود "يدنسون" الأماكن المقدسة في القدس، حتى عرفات نفسه لم يستخدم هكذا مصطلحات بعد أوسلو التي استخدمت ذات مرة في ألمانيا.
رغم ان عباس طاعن في السن لم تتجلّ أسافينه على حقيقتها الا حديثاً، الزعيم الفلسطيني، والذي اعتبر هنا وعلى مر السنين "العربي الجيد" والشريك الحقيقي للسلام، اتضح انه عدو خطير أكثر من سلفه، يبدو انه لا يعمل مباشرة في تخطيط العمليات – الى الآن لا – ولكنه يرسم بكلماته تنامي الكراهية الفلسطينية الطازجة ضدنا، فإحدى يديه توقع على رسائل التعزية لعائلات القتلة، والأخرى تعمل على عزلنا في العالم، وعندما خطب هذا الأسبوع في رام الله بدى لي للحظة ان عرفات ما زال حي يرزق.
الرئيس وبطانته يعيشون الآن شعور الثمل الذي يركب حصاناً بسبب نجاحهم التنفيذية والسياسية، يشفطون الدعم من خلال تساهل قيادتنا المستمر، ومع كل هذا فالأفضل لهم ان يتوقفوا للحظة ويتفكروا هل حقاً بإمكانهم المواصلة في لعب هذه اللعبة الخطيرة تجارب الماضي تقول ان اليهود في نهاية الأمر لا يتراجعون فقط، وإنما يضربون بشدة، في الأيام الأخيرة لعملية "الجرف الصامد" دمرنا ناطحات السحاب في غزة، وهو أمر لم يخطر ببال أحد هنا في السابق، وإذا تواصلت انتفاضة الألعاب النارية فقد نؤلم عدونا الى حد كبير، وربما بمستويات غير مسبوقة، الحرب التي يجرنا إليها بدأت تنحى منحى الوضع السابق الذي جعل كل البلاد جبهة مفتوحة، والنتائج قد تكون مشابهة أيضاً.
أبو مازن يثير المواجهات العنيفة ظناً منه انه سيتسبب باقتلاع حوالي نصف مليون يهودي من يهودا والسامرة (الضفة الغربية) والقدس، وهو يستبعد الاحتمال الممكن ان النزوح الشعبي هنا ليس بالضرورة سينفذ كما يريد هو، وإذا أصر الفلسطينيون على تحويل حياتنا لتصبح جحيماً فإن دولة اسرائيل هي التي ستعمل في نهاية الأمر من دون الرجوع الى المحكمة العليا أو بتسيلم، حالياً هذا الأمر غير وارد هنا، وليس في حسبان المطالبين باستخدام القبضة الحديدية أيضاً، ولكن للحروب ديناميكية تخصها، وقد لمح رئيس الحكومة إليها هذا الأسبوع عندما نصح الفلسطينيين الساخطين بأن يغيروا الشقة.
معاريف