القدس المحتلة سماانتهى عهد الردع الاسرائيلي الذي استمر لثمانية أعوام في مواجهة حزب الله على الحدود اللبنانية والسورية، وقد تستغل إيران اتفاقاً جيداً لصالحها مع الغرب لتتحرك باستخدام حزب الله لفتح الجبهة مع إسرائيل؛ هذه هي فكرة الكاتب التي استقاها من تسريبات بعض وزراء الكابنيت حول الوضع الأمني في الشمال، ولكن ما سر خوف إسرائيل حد الموت كما يبدو من هذه المواجهة المحتملة، حسب اعتقادنا انه العامل النفسي، فهم من استغلوا تاريخياً اتفاقياتهم مع بعض الدول العربية ليجتاحوا لبنان ويقتلوا عشرات الآلاف، وينتهي مطاف غزوهم بمذبحة صبرا وشاتيلا، انه كابوس القتيل الذي يطارده كل ليلة عندما يخلد الى النوم أو، وهو الاحتمال الذي لم يستثنه الكاتب، ان الأمر برمته لا يتعدى خدعة سياسية قذرة يمارسها "الليكود" بزعامة نتنياهو لكي يضمن إعادة انتخابه بتخويف الاسرائيليين من غول الحرب مع حزب الله، وفي تقديرنا ان تحركات حزب الله الأخيرة على الحدود لا تتعدى كونها تذكيراً لإسرائيل بأن الحزب جاهز لأي احتمال لو فكرت إسرائيل باستغلال انشغاله في سوريا للقيام بحرب تصفي من خلالها حسابات قديمة معه، والى المقال.
هناك من أيقظ تمثال التهديدات الاسرائيلية في كل ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، وقد بدا هذا الأمر في خطاب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الأحد الماضي، في الـ 19 من أكتوبر الجاري بمناسبة تدشين شارع باسم رئيس الحكومة الاسرائيلية الاسبق اسحاق شامير، وفي اليوم الذي تلاه نشر وزير المخابرات يوفال شتاينتس بياناً خاصاً به، وانضم بيان شتاينتس إلى المقال الذي كتبه قبل ذلك بيوم في "نيويورك تايمز"، ومن بعده وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان الذي جند لصالح قضية النووي الايراني تلك النغمة القديمة "إذا أردت إطلاق النار فافعل ولا تتكلم"، وفي نفس اليوم نشرت الصحيفة الإسرائيلية "يديعوت احرونوت" شكوك بعض المصادر العسكرية متعلقة بالقضية "الأمر الذي أثار حفيظة نتنياهو في الشأن الايراني"، هو ان الشكوك جاءت على لسان مسؤولين من المستوى الرفيع للقيادة العسكرية في الجيش الاسرائيلي الذين لم يتفقوا، مؤكداً مع الأجواء التفاؤلية لنتنياهو وكبار وزرائه، وفق هذه الأجواء التفاؤلية فإن الدول العظمى بقيادة الولايات المتحدة يوشكون التوصل إلى "اتفاق إخضاع " إيران في الموضوع النووي.
وبعد فترة وجيزة، وفي مقال في "نيويورك تايمز" نشر الرد على السؤال، نشرت "التايمز" ان الرئيس أوباما درس التوصل مع إيران إلى ترتيب لا يتضمن إزالة جميع أجهزة الطرد المركزي، وإنما تجميدها فقط، خطوة كهذه وفق "التايمز" تأتي ضمن صلاحيات أوباما، ولن يحتاج الى مصادقة الكونغرس (على عكس إلغاء العقوبات)، وبهذا يستطيع الرئيس تجاوز الكونغرس المتمرد الذي ربما، ويحتمل ألا يصدق صفقة سيئة مع إيران، ووفق بعض التقديرات فإن هذه المعلومة قد وصلت الى عناصر مخابراتية إسرائيلية قبل ان تنشر في "التايمز"، وهو الأمر الذي أفزع نتنياهو وليبرمان وشتاينتس حد الموت.
ولكن ليس هذا كل شيء، ففي محادثة أجريتها في الـ 20 من أكتوبر مع وزير اسرائيلي كبير من الكابنيت السياسي الأمني اتضحت تفاصيل أخرى، فبينما يتم الحديث عن انتخابات مبكرة في اسرائيل فاجئنا الوزير بالقول ان الاحتمال الأكثر واقعية هو نشوب حرب شاملة في الشمال ستسبق هذه الانتخابات، في الكابنيت الاسرائيلي هناك وزراء يقدرون ان حزب الله وإيران يقتربون حثيثاً من مفترق يتخذون عنده قراراً مصيرياً، من شأنه ان يجعلهما يجران إسرائيل الى مواجهة أخرى أوسع كثيراً من المواجهات السابقة، هذا التقدير مبني على ان تتوصل إيران في نوفمبر القادم أو يناير الى اتفاق مع الغرب، سيكون جيدا بالنسبة لها ويمكنها من الحفاظ على قدراتها النووية، واحتمالات توصلها الى القنبلة خلال عدة أشهر، اتفاق هكذا، قال لي الوزير الكبير، سيحرر إيران من جميع القيود والحواجز التي تقف في وجهها إلى يومنا هذا، ونقدر انها ربما تدرس استخدام حزب الله في مواجهة إسرائيل.
تنضم هذه المعلومة الى اعلانات كثيرة سابقة حول تغير سياسة حزب الله الدارجة في كل ما يتعلق بتصرفاته على طول خطوط المواجهة مع إسرائيل؛ والمقصود حدود اسرائيل مع لبنان، وكذلك على ساحة الجولان التي يقطر فيها حزب الله ويتسلل في الفترة الأخيرة إلينا منها، التنظيم اللبناني الشيعي تبنى مؤخراً المسئولية عن العملية التي وقعت في منطقة الجولان للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، حزب الله لم يعد يتخفى وراء مقاولون مبطنون لا يتابع غموضه ولا يمتنع عن البروز، وإنما العكس، انه يعمل ضد اسرائيل على المكشوف، ويعلن المسئولية عن أعماله، ويترك انطباعاً انه اكتسب أمناً ذاتياً كبيراً، وانه لا يخشى من اندلاع المواجهة غير المتوقعة مع الجيش الإسرائيلي.
وتفسير هذا الأمر معناه انتهاء عهد الردع الاسرائيلي في الشمال؛ هذا الردع الذي تحقق بعد حرب لبنان الثانية صمد لأكثر من ثمانية سنين ما زالت اثارها الكبيرة بادية على الأرض، ولكن كل المؤشرات تظهر ان حزب الله تخلص من جميع المكابح وجميع الأرسنة، وأخذ في البحث عن مواجهة بدلاً من الهروب منها، إلى ما قبل فترة وجيزة قدرت معظم المصادر الاستخباراتية الاسرائيلية ان حزب الله ليس مستعداً لفتح جبهة ثانية في مواجهة إسرائيل في حين انه مستنفر وغارق حتى أعلى رأسه في الحرب السورية، والآن أيضاً في القتال شمالي لبنان؛ هذه التقديرات لم تلغ رسمياً بعد، ولكن الأصوات التي تسمع حالياً من المستوى السياسي الرفيع في القدس تتحدث عن احتمال معقول وحقيقي لاندلاع حرب أخرى في مواجهة حزب الله وخلال الاشهر القليلة القادمة.
حزب الله يسير حالياً، وعلى المكشوف، دوريات على طول الحدود، ولقد ضاعف التنظيم من تواجده على مناطق الاحتكاك، ويعكف حالياً على تخطيط وتنفيذ حرب عصابات صغيرة ضد الجيش الاسرائيلي في منطقة الجولان أيضاً، ذلك انه يقرر قواعد ردع جديدة؛ أي نشاط إسرائيلي يجتاز الحدود الحمراء التي وضعها حزب الله يرد عليه رداً مناسباً.
وعلى السؤال عن سحق الحرب الأخيرة الضروس لقدرات حزب الله؛ أجابني الوزير عالي المقام "العكس صحيح، لقد اكتسبوا أمنا ذاتياً وخبرة تنفيذية، انهم يعرفون اليوم كيف يقاتلون مثل جيش نظامي بكل معنى الكلمة من خلال استخدام أطر تقسيمات قوية، بل وأكثر من هذا من خلال جمع المعلومات الاستخباراتية، واستخدام طائرات، وما الى ذلك"، وهناك شيء آخر العمليات الاسرائيلية في عملية "الجرف الصامد" لم تثر على ما يبدو حفيظة حزب الله، وحتى تهديدات المسئولين الاسرائيليين مثل تهديدات رئيس الأركان بيني غانتس، ووزير الدفاع موشيه يعلون التي صدرت عنهم في الأسابيع الأخيرة، والتي جاء فيها "سنأخذ لبنان ونرمي بها 70 و80 عاماً الى الوراء في حال المواجهة مع الجيش الإسرائيلي"، هذه التهديدات لم يعد حزب الله يكترث لها.
هل نحن في الطريق الى مواجهة شاملة في الشمال؟ لا داعي حالياً ان نهرول الى الملاجئ، فإن مواجهة كهذه ستخلف مظاهر القتل والدمار بشكل لم يسبق لنا ان عرفناه، واسرائيل أيضاً ستتلقى هذه المرة ثكلاً كبيراً ودماراً كثيراً، وحقيقة ان الفدرة الصاروخية لحزب الله أعلى بكثير من قدرات حماس، ولن يكون بإمكان القبة الحديدية القدرة على الرد بطريقة مؤكدة وفعالة في كبح جماح الصواريخ المتوقع هطولها على تل أبيب ومبانيها، آخر ما يحتاجه الشرق الأوسط حالياً هو حرب يأجوج ومأجوج بين اسرائيل وحزب الله التي ستستقطب سوريا، وإيران تستطيع أيضاً المشاركة فيها علناً أو سراً، ولا يصح ان ننسى ان هناك احتمالات أخرى وفقها تحاول اسرائيل خلق أجواء الحرب وتسخين الأجواء بهدف تشكيل ضغط على الدول العظمى لكي تصلب مواقفها في مواجهة إيران، أو لمجرد إخافة الاسرائيليين الذين بدأوا التوجه نحو جدول اعمال اجتماعي – اقتصادي، من شأنه ان يصعب على نتنياهو أن ينتخب من جديد.
الحقيقة المؤكدة انه لا يمكن التمييز حالياً من المحتمل انه مركبة من فسيفساء ملونة كل الاحتمالات فيها قائمة، وبكل جدية أقول انه يوجد نواة احتمالية تدور وعكس ذلك ما تزال احتمالية شتاء حار جداً في الشمال سارية وقائمة تدق أسرع من أي وقت مضى.
ترجمة اطلس