خبر : تحليل التفاوض .. السياقات والموقف الاسرائيلي ...مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية

الأحد 14 سبتمبر 2014 06:51 م / بتوقيت القدس +2GMT
تحليل التفاوض .. السياقات والموقف الاسرائيلي ...مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية




إن فتوى عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق بتحليل التفاوض المباشر مع العدو، أو شرعنته دينياً؛ لم تفاجئ لا الاسرائيليين ولا الفلسطينيين، فهو لم يأتِ هنا بشيء جديد، لكن الذي فاجأ الجميع (باستثناء الجهات الرسمية، ربما التي يحتمل انها كانت على إطلاع مسبق بجوهر الرسالة) هو التوقيت والسياق وبعض المضامين والمفاهيم وسرعة الوصول للحديث في الطابوهات، ونفي حركة حماس الذي يفهم منه تأكيداً أكثر منه نفياً، كما ان الصمت الاسرائيلي والدولي لم يكن سلوكاً غريباً.
بداية؛ لا يمكن فصل تصريح أبو مرزوق عن سياق السياسات البرغماتية والرسائل الايحائية والكثير من المواقف والأقوال التي يمكن اعتبارها جزءاً من مسيرة "النضج" السياسي لحركة سياسية كبيرة وفاعلة، تطمح لأن تقود نضال الشعب الفلسطيني في ظل ظروف وبيئة سياسية عربية ودولية لا يمكن تغييرها تغييراً كلياً، بل العكس تطالبك بالتغيير والاستجابة لاضطرارات الواقع.
كما نرجح ان السؤال الكبير للصحفي "هل يمكن أن نرى يوماً ما حماس تفاوض الإسرائيليين؟" كان معداً ومتفقاً عليه سلفاً، وان إجابة أبو مرزوق لم تكن تلقائية وليدة لحظتها، بل أعدت ونقحت ونالت كل الموافقات اللازمة من الأطر الحركية ذات العلاقة، وأخرجت كبالون اختبار يحمل رسالة محددة لأكثر من طرف، وجواباً لسؤال من جهات دولية، ونستبعد ان تكون اسرائيل وجهة لهذه الرسالة.
حيث ان حركة حماس ترى في العلاقة مع إسرائيل في المرحلة الراهنة وفي المستقبل المنظور عبارة عن علاقة معايشة الأمر الواقع القائمة على تبادل التهديدات وتبادل المنافع، وهي تدرك كثيراً ان لا اسرائيل ولا الظروف ولا هي وصلوا الى مرحلة تحتمل إجراء مفاوضات لا مباشرة ولا غير مباشرة تتعلق بالشق السياسي، وهي ترى تجربة حركة فتح في المفاوضات، ولا نراها تسرع الخطى الى هناك.
بتقديرنا ان رسالة التصريح موجهة لأمريكا والغرب أولاً، ثم للسلطة ومصر ثانياً، وللداخل الفلسطيني ثالثاً، ويبدو ان الحركة اهتمت بتوجيه رسالة للغرب (ظهر فيها تأثير دور قطر الوظيفي) في ظل الحرب على "داعش" وما يسمي بـ "إرهاب الجماعات الإسلامية"، تمييزاً لدور الحركة وأهدافها ووسائلها، وللمساعدة في تعميق وتوسيع مدى قنوات الحوار ورفع مستوى المشاركين فيها، حيث ان الحركة التي تحث الخطى وتسعي للوصول للقيادة (ويظهر ذلك في محضر لقاء الرجوب مع أمير قطر "وكل المؤشرات ترجح صحته") أجرت عبر القطريين حواراً مع الغرب في المضامين السياسية وفي المشاركة في السلطة وم. ت. ف، ويبدو ان الغرب طالب بالاقتراب أكثر من مضمون الخطاب الغربي السياسي، ونعتقد اننا نشاهد هنا نسخة مكررة من مسيرة حركة فتح تجاه العلاقة مع الغرب والامريكان.
والرسالة الثانية هي أشبه بإنذار تحذيري موجه للسلطة ولمصر بالإسراع في العمل وبذل الجهد المناسب في قضيتي الحصار وإعادة الاعمار، ولسان حالها يقول لهم "انكم لا تحتكرون وحدكم التفاوض مع إسرائيل، فإذا ما اضطرتنا الظروف بسبب تعنتكم؛ نستطيع ان ننافسكم خدمة لشعبنا".
بيد أن المفاجئ للمراقبين، والذي أثار دهشتهم واستنكارهم يكمن في:
- التوقيت: حيث جاءت أقوال أبو مرزوق مباشرة بعد معركة دامية وصفتها حماس وكل القوى بالانتصار الكبير (وهو حقاً كان انتصاراً عسكرياً كبيراً، ونقول عسكرياً فقط)، فهل يعقل بعد الانتصار ان نخفض السقف ونكسر الطابوهات ونقبل بما كنا نرفضه، ونخون الآخرين على ممارسته؟ أم انه حدثت ترجمة وتوظيف للانتصار باعتباره رصيداً يمنح صاحبه الحق المعنوي بتقديم يمتنع عن تقديمه؟ وهو أشبه بتوظيف السادات لحرب أكتوبر.
- سرعة المسيرة البرغماتية (مسيرة النضوج) لدى الحركة مقارنة بمسيرة حركة فتح، سرعة الانتقال من موقف يحرم وطنيا الاستفتاء على الثوابت إلى موقف يحترم الاجماع الشعبي، حتى لو وصل الى الخروج عن الخطوط الحمراء "الطابو"، فهل مرد ذلك عصر السرعة أم ان ادوات (الانضاج) أصبحت ذات قدرات أكبر والبيئة أكثر تقبلاً مما كانت علية في السبعينات من القرن الماضي؟
- أما الاستنكار فيكمن في احتكار الحركة لتوصيف الاجماع الشعبي، حيث ثابرت على توصيفه سابقاً، ولا زالت، بأنه يجمع على خيار المقاومة ورفض المفاوضات؛ فكيف استطاع فجأة أبو مرزوق ان يصل الى نتيجة ان ثمة شبة اجماع شعبي على المفاوضات؟! فهل سأل أحدٌ الشعب عن رأيه؟

الموقف الاسرائيلي
قلنا في السابق سيكون للحرب الأخيرة الكثير مما بعدها، ويبدو ان تحليل التفاوض المباشر وكسر التصريح بجواز كسر الطابوهات هو بعض ما بعدها على الجانب الفلسطيني، وعلى الجانب الاسرائيلي أيضاً سيكون الكثير ما بعدها، لكن أي منه لن يتعلق بتجاوب سياسي اسرائيلي مع حركة حماس على المستوى الرسمي السياسي.
نعتقد بشكل كبير أننا سنرى في المستقبل القريب الكثير من التطور الايجابي إسرائيلياً فيما يتعلق برفع الحصار، لأسباب كثيرة استعرضناها في مقال سابق، سيكون عنوانها أمن المستوطنات سيقابله تسهيلات في الحصار، كماً ونوعاً، بعيداً عن أية اتفاقات رسمية ملزمة، وربما أيضاً بعيداً عن الدور المصري.
أما على المستوى السياسي؛ فسوف تتجاهل إسرائيل أي مساعٍ أو تصريحات سياسية حمساوية تحمل في طياتها لغة برغماتية، وهي تنظر لهذه المسيرة بعين من عدم الارتياح والقلق، فإسرائيل تريد ان تبقي حركة حماس في موقعها السياسي، حيث يسهل عليها عالمياً التحريض على الحركة، ويسهل عليها التهرب من استحقاقات مشروع الدولتين في ظل ادعائها ان لا شريك فلسطيني فاعل يحظى بتمثيل الكل الفلسطيني؛ لذلك إسرائيل بالصمت ولم يبدر عنها أي تصريح أو تعليق، حتى ان الاعلام الاسرائيلي على غير عادته تجاهل الى حد كبير التعليق على التصريح واكتفي بنقل الخبر.
لكن الأخطر هو ما الذي فهمته إسرائيل من تصريح أبو مرزوق؟ حيث من المؤكد أنها أجرت عليه بحثاً وتحليلاً لمعرفة دوافع الحركة، في محاولة للإجابة على سؤال مهم؛ هل التصريح هو أحد النتائج السياسية للحرب أم انه نتاج سياق سياسي آخر ليس له علاقة مباشرة بالحرب، وان العلاقة بينهما علاقة ظرفية زمنية.