التقارير عن شرقي القدس المشتعلة آخذة في التواتر. فبعد اشهر من الاضطرابات، الحجارة والزعرنة ايضا – والتي لا يبلغ عنها حقا، هذا الاسبوع تعرضت للاعتداء محطة وقود في التلة الفرنسية واطلقت عيارات نارية نحو بسغات زئيف، ناهيك عن اعمال الشغب في احياء مختلفة. وها هو مع تركيز الانتباه العام الى شرقي العاصمة، عادت الصحف هي الاخرى الى عادتها. فقد صورت التقارير هذا الاسبوع متظاهرين خرجوا الى الشوارع بسبب صرخة فتى قتل بنار شرطية، فيما زعم قبل ذلك بان الاضطرابات نبعت من مقتل محمد ابو خضير. هكذا في كل مرة يعطونا سببا عقلانيا لاعمال الشغب ويرسمون صورة فلسطينيين بائسين يختنقون تحت مظالم الاحتلال. ناهيك عن المنظمات مثل جمعية حقوق المواطن، والتي تتهم مرة اخرى الشرطة بالذات في أن المشاغبين العنيفين يصابون في الاضطرابات.
غير أن الحقيقة هي أن الاحداث في القدس هي أحداث تأتي بالمبادرة، مخطط لها وتخرج مباشرة من دوائر نشطاء فتح. فهم يركبون بانتهازية على موجة العنف التي بدأت في يهودا والسامرة في اعقاب اختطاف وقتل الفتيان الثلاثة، وحملة "الجرف الصامد". لا يوجد اي شيء اصيل فيها – فالنشطاء المركزيون التابعون لابو مازن في القدس، وبينهم قدامى بلاط فيصل الحسيني الراحل هم الذين يشجعونهم ويقودونهم. وهؤلاء يحرضون ويحاولون التأكد من الا يكون لنا هدوء.
من ناحيتنا لا يوجد بالاساس سوى الاهمال. فالقطار الخفيف وان كان عاد الى السفر الى الاحياء الشمالية من العاصمة، ولكن لم تصلح سوى السكك اما المحطات فبقيت خربة. الى جانب ذلك، يضطر مسافرو القطار الى مواجهة الحجارة التي ترشق عليهم في حي شعفاط. ومع ان منظمات معادية وبعض الصحفيين يحاولون احباط رد الشرطة على المشاغبين ولكن الرد هو ذاته محبط. في اماكن معينة تخلينا عن السيادة، مثلما في مخيم شعفاط للاجئين الذي يوجد على مسافة خمس دقائق من المقر القطري للشرطة. وتقوم السياسة السلطوية على اساس الاهمال الذي يتضمن عدم حكمة وغياب تصميم.
يستخدم المشاغبون مواقع الانترنت والفيسبوك للتحريض والاستهداف. وحتى هذه المواقع التقطتها الشرطة مؤخرا فقط، وفقط بعد ان تلقت معلومات من الخارج. فالمحرضون يحددون اهدافا للزعرنة كالمحلات في شعفاط حيث يشتري اليهود، واحد كهذه على الاقل، احرق باشارة تحذير. بعض الازقة ترشق فيها الحجارة بشكل متكرر دون أن تتخذ خطوات بسيطة لتصفية الظاهرة.
ولكن المشكلة اكبر بكثير من التحدي الامني. فالمحرضون يتحدون مجرد سيادتنا في القدس ويحاولون نقل السكان الى جانبهم. معظم عرب القدس يرحبون بالذات بالمصير الذي قيض لهم تحت حكمنا. فهم يرون البدائل، من العراق ومصر وحتى غزة ورام الله، ويختارون بلا تردد دولة اليهود. فهم يتمتعون بالعمل، حرية الحركة والتأمين الوطني، ومن يتحدث معهم يلاحظ كم هم يعرفون كيف يقدرون هذا.
غير أن اهمالنا يدحر الاغلبية المحبة للسكينة نحو اذرع المتطرفين. نحن جيدون في الرحمة تجاه الوحشيين الذين نجد أنفسنا ملزمين بعدها في أن نفرض عقوبات جماعية على الابرياء الذين يدحرون نحو اذرع العدو. وعليه، أولا، يجب فرض السيادة في كل زقاق وحي في شرقي المدينة – وفي نفس الوقت فرض القانون ومنح الحقوق للسكان.
وفضلا عن العقاب التقليدي، حان الوقت لاستخدام القانون والغاء حق الاقامة لمن يعمل ضد دولة اسرائيل. وحتى من يرشق حجرا ويشاغب لاسباب قومية يفقد حقه في الاقامة داخل الدولة، الى جانب فقدان حرية الحركة، التأمين الوطني وغيره. وسرعان ما سنكتشف بان هذا هو سلاح يوم الدين الذي يحقق الهدوء. من لا يقتنع فلنتقل الى حضن الامة العربية في غزة، العراق بل ورام الله.


