إحتل العناوين الصحفية الرئيسة في بداية الاسبوع، في الراديو والتلفاز والصحف المكتوبة، كلام "مصدر سياسي رفيع المستوى" على أن "حماس أصبحت تُعد نفسها للمواجهة العسكرية التالية وأنها بدأت تهرب السلاح والمواد المتفجرة الى قطاع غزة وتعمل على اعادة بناء انفاق الهجوم وتجديد صنع القذائف الصاروخية".
وصعب على المشاهدين والمستمعين والقراء أن يعرفوا من الذي يقف وراء اللقب، لكن من يعرف الجهاز السياسي والاشخاص العاملين فيه لا يجب أن يجهد نفسه كثيرا، كي يعلم من هو الشخص الذي أراد أن يبقى مجهول الاسم.
إن الاستعمال الرائج لمصطلحات "جهة عسكرية رفيعة المستوى" أو "جهة سياسية رفيعة المستوى"، ينبع قبل كل شيء من رغبة شخصية سياسية أو أمنية (سواءا كانت ذكرا أم أنثى) في اخفاء نفسها مثل جندي في ميدان القتال، وهو يعتقد في غفلة أنه اذا لم يُقتبس اسمه فانه قادر على أن يقول كلاما يخشى أن يقوله باسمه لسبب ما.
قال لي الوزير وعضو الكنيست السابق يوسي سريد ذات مرة في واحد من الاحاديث الكثيرة التي دارت بيننا في مقصف اعضاء الكنيست في الكنيست، إنه لا يستعمل هذا الغطاء أبدا: "إن استعمال هذه اللغة لا أقبله لأنه يشهد على خوف ما عند رجل الحياة العامة من أن يعبر عن رأيه الحقيقي. وفيما يخصني فان كل ما عندي لاقوله اقوله باسمي وما لا اريد قوله لا اقوله ألبتة".
إن اقتراح سريد هذا أقبله جدا ومن المناسب أن يتبناه الساسة لأنه يوجد في الطريقة الحالية شيء جد غير نزيه من جانب السياسي نحو الجمهور. واذا عدنا الى الكلام على مسألة تجديد نشاط منظمة حماس في غزة فسيسأل كل مواطن قلق نفسه – هذا مؤكد اذا كان هو واولاده الصغار يعيشون في واحدة من بلدات غلاف غزة القريبة من الانفاق جدا – هل يجب علي أن أحمل هذا التحذير على محمل الجد؟ وهل يقوم على معلومات موثوق بها أم على تقدير فقط؟ واذا كانت توجد عنده معلومات موثوق بها فلماذا قال مصدر امني رفيع المستوى ردا على ذلك إنه "لا توجد أية معلومة كهذه، وليس واضحا لنا ما الذي يعتمد عليه المصدر السياسي المقتبس قوله ومن أين استمد هذه المعلومة".
والى ذلك يوجد في استعمال "مصدر سياسي" رفيع المستوى تهرب من المسؤولية ايضا لأن افراد الجمهور (ما عدا المراسلين الذين جاءوا بهذا الكلام) لا يعلمون بيقين عمن الحديث ويستطيع ذلك السياسي دائما أن يتهرب من المسؤولية وأن يزعم أنه لم يقل ذلك.
يستطيع زملائي الصحفيون والمحللون السياسيون أن يلتزموا بمبادرة مباركة في هذا الشأن. فعليهم أن يبلغوا ذلك الشخص الذي يريد أن يختبيء وراء هذا اللقب أن طلبه غير مقبول عندهم، وأنه اذا كان عنده أدنى قدر من المسؤولية فليقل الكلام باسمه أو ليصمت. وأخشى أن يصعب على عدد من زملائي أن يثبتوا لذلك لأنهم لا يريدون التخلي عن نبأ مهم، لكن لا شك عندي في أن رد المراسلين هذا سيجعل من الصعب على الساسة أن يتكلموا بلغتين مرة باسمهم ومرة تحت غطاء "مصدر سياسي".


