بخلاف السائد في العالم الغربي – في دول كالولايات المتحدة وكندا والقارة الاوروبية وما أشبه – حيث الدين مسألة داخلية لطوائف السكان المختلفة ويعتبر على نحو عام أمرا خاصا أو لجماعة ما بصورة اختيارية، فان الدين في البلدان الاسلامية الواقعة على سواحل البحر المتوسط تحتل مكانا بارزا في وعيها. ويتعلق ذلك بصورة حياة الفرد وباعتبار الدين عاملا يملي سلوك كثير من دول المنطقة التي نحيا فيها.
لنذكر باختصار عددا من هذه القضايا التي تتعلق بالمكان المركزي الذي يحتله الدين في حياة المواطنين: التطرف الديني الاسلامي في تركيا، وحمام الدم الجاري منذ بضع سنين في سوريا، والثورة في مصر التي أفضت الى الزيادة في قوة جهات اصولية (الاخوان المسلمين والسلفيين)، والصراعات الداخلية في لبنان التي يشارك فيها الشيعة (حزب الله) والمسيحيون الموارنة والسنيون والعلويون وغيرهم.
إن الجولان السوري يسكنه فيمن يسكنه علويون ودروز ومسلمون. وتعتبر مجموعتان دينيتان – العلويون والدروز – في نظر الاسلام التقليدي ديانتي كفر. بل يوجد في أساس اعتقادهما فكرة "التقية" أي ملاءمة السلوك الخارجي مع الديانة الغالبة. وهذه الحقيقة معروفة جيدا للمسلمين ولهذا يحيا هؤلاء "الكفار" في خوف دائم من الاكثرية المسلمة.
إن الاحلاف في الشرق الاوسط مركبة وتتم على حسب أسس اعتقادية دينية. وإن التيار الذي يجرف الاسلام المتطرف اليوم يعبر عنه بأكبر قوة طموح منظمة داعش الى المس بكل كافر أو من يتهم بالكفر كالمسيحيين واليزيديين والدروز والاكراد والعلويين. وليس من الصدفة أن داعش وجبهة النصرة ومعارضي النظام في سوريا وعصابات مسلحة سنية اخرى تحاول المس بنظام الرئيس بشار الاسد العلوي خاصة. وقد قتلت داعش وعصابات مسلحة سنية اخرى عشرات كثيرين بل يوجد من يقولون المئات من جنود الاسد بدم بارد.
وتمت قبل بضعة ايام محاولة مشابهة على الدروز في قرية دامه، وأثبت هؤلاء لرجال داعش القساة أنهم رجال أشداء حينما اظهروا مقاومة شجاعة لهم موقعين بهم خسائر فادحة.
صرنا نشهد في السنوات الاخيرة نهضة اسلامية جارفة ومتنوعة في البلدان الاوروبية ايضا بدأ ذلك بـ "احتلالها" (الاسلام هو المستقبل) وانتهى الى مظاهر العنف المادي. وتُبين التجربة أن هذه النهضة يصاحبها فيما يصاحبها مظاهر معاداة سامية. إن قطع داعش رؤوس الاعداء أمر لم يكن غير معروف في الاسلام، فقد استعمله نبي الاسلام محمد في حربه ليهود الجزيرة العربية، فبعد حصار ضربه على بني قريظة من اليهود استغل حقيقة أنهم امتنعوا عن القتال في يوم السبت فهجم عليهم وقتل مئات كثيرين منهم بدم بارد.
هل ستدرك شعوب الغرب وأكثرها من المسيحيين ما يجري هنا وتكون مستعدة لاظهار مقاومة فاعلة لتلك العصابات المسلحة القاسية؟ تشير الدلائل الحالية الى أن الامر ليس كذلك الى الآن.
حافظت اسرائيل حتى الآن على الحياد في هذه الصراعات الوحشية، لكنني اخشى أن تضطر عاجلا أو آجلا الى أن تواجه هذه العصابات المسلحة، ولذلك ينبغي لاسرائيل أن تأخذ زمام المبادرة بحيث تنشأ في اطار ذلك جبهة مشتركة تشتمل على الدروز والعلويين والمسيحيين والاكراد واليزيديين و"كفار" آخرين لمحاربة تلك العصابات المسلحة القاسية وكلما كان ذلك أسرع كان أفضل.


