يمكن تقسيم العدوان الاسرائيلي الأطول والأعنف على قطاع غزة إلى مراحل أربعة, لكل مرحلة سماتها وأدواتها وأهدافها الموضعية أو التكتيكية, حيث المرحلة الأولى تميزت بالقصف الجوي لتحقيق هدف ردع سريع للمقاومة ووقف إطلاق الصواريخ, ثم كانت الحرب البرية على الأنفاق, ثم المرحلة الثالثة مرحلة المفاوضات وفترات التهدئة المتتالية, والآن ندخل في المرحلة الرابعة, مرحلة تحسين شروط وموقع كل طرف على طاولة المفاوضات, وهى كسابقاتها لا زالت مفتوحة الخيارات ومرتبطة بالتطورات الميدانية وبالظروف والبيئة الإقليمية والدولية.
هي لا زالت كما كتبنا سابقاً متدحرجة وتكتيكية ومفتوحة الخيارات, وقد وصلت إلى مرحلة الحسم في ظل غياب القدرة على الحسم, قدرة أطراف الصراع المباشرة أو قدرة اصحاب النفوذ الاقليمي أو الدولي نتيجة الانحياز أو قلة التسلح بذرائع الأمن الإسرائيلية للالتفاف على مطلب رفع الحصار وربطه بظروف وضمانات واتفاقات ..الخ.
عدم القدرة على الحسم تعبر عن نفسها بحالة المراوحة في المكان وتترجم باستنزاف على لهب قد يعلو أو يخفت فجأة, في ظل إدارة اتصالات محمومة لتهدئة جديدة تمهد لاستئناف المفاوضات سواء على نفس الورقة المصرية مع توسعة مظلتها لتشمل لاعبين آخرين كحضور شرف قد يسمح لحضور قطري بصيغة ما وحضور للاعبين دوليين, أو تعديل تجميلي على الورقة المصرية مع توسعة المظلة أو البحث عن مظلات اخرى ومبادرات ذات واجهة دولية.
بيد أن المراوحة في المكان وادارة حرب استنزاف بنار هادئة أو عالية لا تستطيع تل ابيب التعايش معها لفترة طويلة من الوقت, وهى تسعى جاهدة لإنهاء الحرب او اقله الوصول لتهدئة قبل الاول من سبتمبر, موعد افتتاح العام الدراسي, الذي لازال افتتاحه مهدد بفعل اطلاق الصواريخ, والإحصائيات الاسرائيلية تقول أن استمرار اطلاق الصواريخ سيحرم أكثر من مليون تلميذ اسرائيلي من العودة إلى مقاعدهم الدراسية حيث أن مدارسهم التي تقع على بعد 80 كم من قطاع غزة مهددة بنار الصواريخ وهي في معظمها غير محصنه.
مرحلة العقدة
نعيش اليوم مرحلة عقدة الحرب, فبعد أن استنزف كل طرف الطرف الآخر, فلا يبدو في الأفق القريب أي مخرج يمثل الحد الأدنى لنا ولهم يستطيع أن يوفر مخرجا مقبولا. فالموقف الفلسطيني يتميز بالصلابة والثبات ولن يقبل بأقل من رفع ناجز للحصار، يسنده في ذلك جبهة داخلية ليس فقط متماسكة وتحتضن المقاومة بل وضاغطة ومتشددة في مطلبها بعدم وقف القتال دون الرفع المباشر للحصار.
ومن جهة أخرى فإن نتنياهو الذي سوية مع يعلون ومع قادة جيشة يدركون محدودية القوة بل وفشلها في كل ما يتعلق بتحقيق شعاره وهدفه بتوفير الهدوء والامن لمستوطنيه لفترة طويلة من الوقت, فان نتنياهو أضعف من ان يواجه شعبة وحلفائه في الائتلاف بهذه الحقيقة, وهو لا يتمتع بكاريزما القائد التي تجعله قادرا لاتخاذ قرارات جريئة دون الالتفات لاستطلاعات الرأي أو لما سيقوله الاعلام ولانتقادات منافسية , وبالرغم من انه شدد فى مؤتمرة الصحفي الاخير ان دافعه الاساسي هو فقط مصالح اسرائيل الامنية والسياسية , إلا أنه يصغي أكثر لأصداء الحلبة السياسية الداخلية. وعندما ساوى بين داعش وحركة حماس فقط طوق نفسه أكثر في عدم تقديم اية تنازلات مباشرة فيما يتعلق برفع الحصار دون ربطها بضمانات وشروط .
وعلية يمكن القول أننا بعد أكثر من شهر ونصف الشهر على العدوان, يدخل العدوان في المرحلة الأكثر تعقيدا, حيث اسرائيل بزعامة نتنياهو لم تنضج بعد لقبول رفع الحصار ولا نحن نقبل بالالتفاف على مطلب رفع الحصار .
وفي ظل فشل المبادرة المصرية وعدم قبولها فلسطينيا كما هي بالاشتراطات التي انطوت عليها . فإن المطلوب البحث عن مظلة وروافع سياسية جديده تستطيع أن توقف العدوان وترفع الحصار وإلى أن يتم ذلك فإن ظروف الميدان مفتوحة الخيارات .
مركز أطلس للدراسات الاسرائيلية