بعد أن شهدت جولات المفاوضات الفلسطينية -الإسرائيلية غير المباشرة التي تجرى في القاهرة حالياً، خلافات كبيرة حول معظم القضايا التي تعتبر محل نقاش عسير وخاصة في قضيتي الميناء والمطار، إلا أن التوقيع على اتفاق وقف دائم لإطلاق النار مع ضمان فك الحصار ووقف العدوان الإسرائيلي "بات وشيكاً" وهذا ما رجح وصرح به أغلبية الوفد الفلسطيني عبر وسائل الإعلام.
يصر الوفد الفلسطيني على إنشاء المطار والميناء، وفي المقابل يرفض ويعرقل الإسرائيليون هذه المطالب. لكن الذي لا يعرفه كثيرون أن الطلب الفلسطيني ليس جديداً فيما يخص الميناء والمطار، حيث أنشأ الفلسطينيون في السابق مطار في غزة وعمل لعدة سنوات، لكنه توقف لاحقاً، بينما اتفقوا مرتين، على الأقل مع إسرائيل على إقامة ميناء بحري لكن بدون أن يتحقق ذلك، وفي أعقاب الجدل العارم الذي يسود حقوق الملاحة الفلسطينية في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في القاهرة استشرف معهد فلسطين للدراسات الإستراتيجية واقع المطالب الفلسطينية المتعلقة بالميناء والمطار وجاءت قراءته لها على النحو التالي: -
لماذا الميناء والمطار؟
في الوقت الذي يعاني فيه أهالي قطاع غزة الأمرّين بما يتعلّق بحرّية السفر عبر معبري رفح البري مع الجانب المصري وإيرز مع الجانب الإسرائيلي يطالب الفلسطينيون بمطالب شرعية متمثلة برفع الحصار بشكل كامل عن قطاع غزة من خلال فتح كافة المعابر والمنافذ المادية للقطاع وبوجود ميناء ومطار من أجل تلاشي الابتزاز المصري الإسرائيلي الذي يمارس ضد غزة من خلال إغلاق المعابر لفترات طويلة والتحكم بها في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والإنسانية للقطاع دون الشعور بأدنى مسؤولية.
إن المطار والميناء هي حقوق فلسطينية ومطالب إنسانية سوف تعمل على إنهاء حصار غزة بكافة أشكاله وتمثل حلول طويلة الأجل وتتبناها الآن عديد من الدول والجهات الأوروبية، ووجود المطار والميناء يشير إلى ترجمة خطوات هامة نحو الاستقلالية الفلسطينية عن إسرائيل ، واذا تحققت المطالب الفلسطينية من إعادة تشغيل الميناء والمطار فنحن في طريقنا إلى تنمية قطاع غزة وجعله مركزاً اقتصادياً وصناعياً كبيراً سيستفيد منه كل الفلسطينيين في الضفة وغزة، وإن امتلاكنا منافذ جوية وبحرية وبرية مستقلة ودون تدخل ودون ابتزاز من قبل العدو هو بداية التحرر الفلسطيني الفعلي وهي خطوات هامة على طريق التحرير الكامل .
مطار غزة البداية والمكاسب
عملت السلطة الفلسطينية جاهدة على إنشاء مطار غزة الدولي الذي يعتبر الميناء الجوي الأول في فلسطين والذي يخدم حركة النقل الجوي للمسافرين والبضائع من وإلى فلسطين، وقد أشير لأول مرة إلى مسألة إقامة مطار دولي في اتفاقية القاهرة وأوسلو في مايو 1994م. وفي سبتمبر (أيلول) 1994 م أصدر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مرسوماً رئاسياً (رقم 87-94) القاضي بتأسيس سلطة الطيران المدني الفلسطيني كهيئة مستقلة. وقد نص مشروع القرار على بناء مطارات وتأسيس وتشغيل الخطوط الجوية الفلسطينية، ويعتبر مشروع المطار من أهم المشاريع الإستراتيجية في فلسطين على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني.
وتتجسد الأهمية السياسية لإنشاء مطار غزة الدولي في كونه رمزاً من رموز سيادة الدولة الفلسطينية والاستقلالية الوطنية وعنصراً من عناصر تكامل وجود الدولة، وبالنسبة للأهمية الاقتصادية تتمثل في فك أسر الاقتصاد الفلسطيني في عمليات التجارة الخارجية (الاستيراد والتصدير) وتوفير فرص العمل وتنشيط السياحة وتشجيع الاستثمار وإقامة الصناعات المساندة، وهذا بدوره يعمل على زيادة الناتج المحلي ورفع مستوى الدخل وخلق فرص عمل دائمة، هذا بالإضافة إلى أهميته الأمنية في كونه وسيلة للحرية الشخصية للإنسان الفلسطيني في تنقله بين الوطن ومحيطه العربي والدولي ، وتخليصه من المعاناة والإجراءات التي تمتهن كرامته وتمس أمنه في المعابر البرية طالما كانت السيطرة للاحتلال.
ميناء غزة في صلب الاتفاقيات
يعود إلى السطح مطلب تدشين ميناء في غزة ضمن الشروط الوطنية الفلسطينية لوقف إطلاق النار، بينما أشير أول مرة إلى مسألة الميناء البحري في اتفاق أوسلو الشهير الذي وقع عام 1993م، ونص البند السابع في الاتفاق على أن تقيم السلطة، من ضمن أمور أخرى، سلطة ميناء بحري في غزة، وجاء في الملاحق تحديد خطوط عريضة لإنشاء منطقة مرفأ غزة.
وأنشأ الرئيس عرفات سلطة الموانئ البحرية الفلسطينية بقرار رئاسي (46) لعام 1999 م بهدف توفير نظام نقل بحري في فلسطين ونص المرسوم على إقامة ميناء غزة، وذلك بعد الاتفاق على إقامته في مباحثات شرم الشيخ عام1999م.
ونص اتفاق شرم الشيخ على موافقة الجانب الإسرائيلي على أن يبدأ الجانب الفلسطيني بأعمال البناء بميناء غزة البحري في الأول من أكتوبر من العام 1999م، وأن تشغيل الميناء لن يبدأ قبل الاتفاق على بروتوكول يشمل الأمن. وحسب الاتفاق، فإن ميناء غزة البحري حالة خاصة، مثل مطار غزة، نظراً لوقوعه تحت منطقة تقع تحت مسؤولية الجانب الفلسطيني، وسيستخدم كمعبر دولي.
مزايا الميناء والمطار اقتصادياً
1. تحفيز النمو الاقتصادي في فلسطين، والذي بدوره سيحسن مستوى المعيشة للشعب الفلسطيني.
2. تسهيل التكامل العالمي للاقتصاد الفلسطيني.
3. توفير ممر مباشر لفلسطين للأسواق الإقليمية والعالمية.
4. تحفيز للقطاع الخاص في الضفة الغربية وقطاع غزة.
5. توفير خدمات الشحن الدائمة.
6. تمكين المورد والمستورد الفلسطيني من الحصول على معبر مباشر للأسواق.
7. تخفيض تكلفة النقل وسرعة ومصداقية مواعيد الشحن.
8. تخفيض الهالك في البضائع سريعة التلف.
9. تقليل تكلفة استيراد المواد الخام والبضائع الاستهلاكية.
10. تقليل اعتماد كل من الضفة الغربية وقطاع غزة على الأسواق الإسرائيلية.
11. تقليل معوقات التجارة مع إسرائيل.
أسباب رفض إسرائيل للميناء
ترفض إسرائيل الموافقة على استكمال بناء ميناء بحري في قطاع غزة، وهذا الرفض أحد أهم الأسباب التي تعرقل التوصل إلى اتفاق في الوقت الحالي ليضعوا حداً نهائياً للحرب بين إسرائيل والقطاع. حيث ترى إسرائيل أن إقامة ميناء سيؤدي إلى مس خطير بالأمن القومي الإسرائيلي وسيصبح ميناء إيرانياً وتركياً، يتم عبره تهريب البضائع والوسائل القتالية على نطاق غير مسبوق وسيضع هذا الوضع إسرائيل ومواطنيها في خطر حقيقي. لذلك تتنصل من موافقتها على وجود ميناء في القطاع.
علاوة على ذلك تتوقع إسرائيل مسألة التبادلية بين غزة والضفة. ففور إقرار إسرائيل بالميناء في غزة، سيدعي عباس بأنه هو أيضا يريد ممراً حراً لا تسيطر عليه إسرائيل. كما أنه كفيل بأن يطلب مطاراً فلسطينياً في الضفة الغربية. إذا كان للقطاع ميناء في غزة، فلماذا لا يكون للضفة الغربية؟
وتعتبر إسرائيل عدم القدرة على الرقابة على كل بضاعة تعبر إلى غزة في السفن، وصعوبة منع التهريب في داخل السفن نفسها. حيث فكرة الميناء النقلي برقابة دولية لا تسمح برقابة إسرائيلية على عملية التحميل. فضلاً عن ذلك، في داخل السفن توجد مساحات كبيرة يمكن فيها تهريب وسائل قتالية للقطاع وبالتالي تعتبر إسرائيل كل هذه الأسباب تفضي إلى عدم قبولها بهذا المطلب الخطير.
الخلاصة
حسب الاتفاقية الموقعة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل يحق لنا كفلسطينيين إنشاء مطارات، وليس مطارًا واحدًا في أراضي السلطة وتسيير رحلات جوية بين الضفة وغزة، وبين فلسطين والخارج ويجب علينا التمسك بهذه الحقوق وبذل الجهود المضنية من أجل نزعها وتحقيقها لما لها من مزايا كبيرة علي قطاع غزة خاصة وفلسطين عامة ،بعد تحمل قطاع غزة سنوات سوداء من الحصار الظالم الذي أدى في نهاية المطاف إلى تدمير وتردي الحياة الاقتصادية والإنسانية فيه، وفي المقابل إننا نشير إلى احتمال أنه قد يتناقض مع ما صرح به الوفد الفلسطيني المفاوض ألا وهو إن لم يكتب للجهود السياسية الفلسطينية المبذولة في القاهرة تحقيق هذه المطالب ستبقي فلسطين شعباً واقتصاداً في معزل عن العالم وسيدفع ذلك إلى ارتفاع مؤشر الفقر ومعدلات البطالة وسوف تشهد غزة انتكاسات ليس لها مثيل في كافة المجالات بعد تعرضها لحرب 2014م التي لم تكتمل فصولها والتي حصدت الأخضر واليابس في قطاع غزة.