في نهاية الأسبوع الخامس من العدوان، لا يبدو أن شيئاً قد حسم، صحيح أن ثمة نضجٍ وميلٍ لإتجاهات الحل بات يتبلور ويغدو أكثر وضوحاً، لكنه لا زال توجهاً غير محسوم بحاجة إلى مفاعيل وروافع سياسية كبرى وفعل وصمود ميدانى ورسائل حازمة، حتى لا نعود إلى المربع الأول، وفي ظل هذه الصورة فنحن أقرب إلى التصعيد والمشهد يزداد تعقيداً، وإذا لم نشهد في الأيام القريبة القادمة تحركاً سياسياً ميدانياً دولياً على الأقل، فإن التفجير سيكون خياراً إضطرارياً في محاولةٍ حسمٍ ما لم يتم حسمه.
عقدة المشهد الاسرائيلي
لسببٍ ما ربما يعود للتضليل أو الخداع الذاتي الإسرائيلي أو لقراءة خاطئة للجبهة الفلسطينية روج الإسرائيليون أكذوبة أن المقاومة ردعت وأن العدوان حقق أهدافه وأن المقاومة ليست في وضعية تمكنها من التمسك بمطالبها وأنها ستتلقف أي عرضٍ لوقف إطلاق النار سيعرض عليها، وقد كان الأكثر تعبيراً عن هذا الإتجاه السائد رئيس الاركان بني غانتس في إعلان لمستوطني غلاف غزه، إعلان بات محرجاً له ويتمني أن لا يتذكره أحد، حيث أعلن لهم أن الهدوء عاد وبإمكانهم العودة لبيوتهم وفلاحة حقولهم .
بيد أن عدم تجديد الهدنة وتجدد إطلاق الصواريخ فاجأهم جميعهم وأصابهم بحالة من الصدمة والحرج والإرتباك، وأعلن سكان المستوطنات المحاذية للقطاع عدم العودة لمستوطناتهم واتهموا نتنياهو بالكذب عليهم وتضليلهم وبالعجز والتردد .
تجدد إطلاق الصواريخ جاء في توقيت سيء لإسرائيل حيث ساد لديهم شعور أن الحرب انتهت وفي توقيت استنفذت فية الآلة العسكرية الإسرائيلية أهدافها وهامشها الزمني ، كما استنفذ الاقتصاد والمجتمع الإسرائيلي قدرته على الصمود وعلى احتواء تداعيات الحرب، وباتوا جميعا تواقون لوقف الحرب وعودة الهدوء .
وفضلاً عن الازمة الداخلية التي يعيشها نتنياهو بسبب الإنتقاد الواسع لإدراته للحرب والحديث عن الفشل والإخفاق وبداية المطالبة بلجان تحقيق، فضلاً عن كل ذلك فإنه وحكومته يعيشون مأزقاً حقيقياً ازاء خياراتهم المحدودة لتحقيق الهدوء، حيث الخيار الأول وهو الاستجابة لمطالبنا وهم لازالوا يجمعون على رفضها والثاني اجتياح القطاع وإعادة احتلاله لفترةٍ من الوقت وهو أمر مرفوض من غالبيتهم بسبب الكلفة العالية جداً على كافة المستويات والإتجاهات كما أنهم يشككون فى نتائجه وهي تحقيق الهدوء .
لذا فإنهم ربما ينون خياراً ثالثاً ما بين الخيارين خيار الجزرة الصغيرة والعصا الغليظة، أي الإستجابة لبعض المطالب مع إشتراط سياقات سياسية معينة واستمرار الضرب والتهديد بالعصا الغليظه والعمل على شحن رصيد شرعيتهم .
الأمر الذي يعني المزيد من التأزيم فلا المقاومة ستقبل بعروضهم المحسنة جزئياً ولا هم سيقبلون بمطالبنا في ظل الظروف والبيئة السياسية الراهنة، وسيكون البديل استمرار الإستنزاف والمزيد من التصعيد، وللخروج من حالة التأزم هذه لا بد من حراكٍ سياسيٍ كبير ومختلف وإبداعي .
مظلة القاهرة لا تصلح
مع كل الاحترام الشديد للقاهرة ودورها الرئيسي والريادي في تبني الملف الفلسطيني بكل أبعاده وقضاياه , إلا أننا نجد أنفسنا مضطرين أن نطالب مظلة التفاوض الراهنة وآلياتها وأطرافها، فهي في أحسن الأحوال لا تصلح إلا لتفاهم أمني معدل على طريقة 2009 و2012 مع بعض التعديل، وما نطالب به يرقى لمستوى الإنجاز السياسي الهام، هذا علاوةً عن شكوكنا الواقعي والحقيقي المبني على تجربة كبيرة، فيما يتعلق بالضمانات، فكل إتفاق يجب أن يؤمن بضمانات تلزم أطرافه بإحترامه، ومن تجربتنا مع إسرائيل فقد تنكرت لكل الإتفاقات السابقة التي جرت في عهدي مبارك ومرسي وتراجعت عن إلتزاماتها وقد كانت إلتزامات متواضعة مقارنةً بما نطالب به الآن، ويحق لنا أن نتسائل هل ستستطيع القاهرة إلزام إسرائيل بعدم عرقلة إجراءات فتح الميناء أو إعادة تشغيل المطار أو حتى إلتزامها بأميال الصيد المسموحة ؟
المقاومة وحدها لا تحسم المعركة
من نافلة القول أن المقاومة ليست بحاجة لإشادة من أحد فاستبسالها وإبداعاتها وحزمها وقدراتها ونجاحاتها واضحة كالشمس، وقد قامت بدورها ومهمتها بجدارة واستحقاق، لكن المقاومة وحدها على الأرض غير قادرةٍ على حسم المعركة السياسية ونحن بحاجة لذراعٍ سياسيٍ فاعلٍ ومؤثرٍ قادرعلى تأمين الحصاد السياسي لزرع المقاومة، وقادرعلى توفير الظروف السياسية لتدخلٍ دولي واسعٍ وقادرٍ على سحب الذرائع والحجج الأمنية التي يتذرع بها الاحتلال وتتبناها للأسف بعض الدول الغربية .
بيد أن هذا الحراك السياسي الكبير يجب أن يبنى على إجماع فلسطيني حقيقي وراسخ يطوي صفحة الخصومات ويوفر المناخ الداخلي لتغدو غزة مقراً للرئاسة ولأركان حكومة التوافق، مناخاً يتيح لها ممارسة سلطاتها الحقيقية على الأرض، ومن غزة تدعو الرئاسة لعقد إطار مفاوضات أممي في القاهرة لرفع الحصار الكلي عن غزة وإتخاذ قرارٍ بعقد مؤتمرٍ دولي لتمويل إعادة إعمار القطاع .