مقدمة
على الرغم من تصريح الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة (1936)، رئيس جمعية الإصلاح والأب الروحي لها لعقود من الزمان "انتماؤنا للإخوان المسلمين شرفٌ لا ندّعيه... ولكننا لا ننكره" (1)، فإنَّ هذا لا يعني أن الجمعية التي نشأت قبل 73 عامًا، وعلى الرغم من تبدّل اسمها، قد تغيّر مضمونها، فهي على الخصوصية ذاتها لـ "إخوان البحرين" المختلفة عن الكثير من الجمعيات والتشكيلات الإخوانية في الدول العربية وغير العربية.
وواضح أن الجمعية قد قطعت الشك باليقين، والتردد بالوضوح في الموقف من علاقتها بالإخوان المسلمين، فقد سبق وأن أشار عضو متقدم في الجمعية إلى أن جمعية الإصلاح ليست جزءًا من الإخوان المسلمين (2)، إلا أنَّ الجمعية عادت في العام 2012، وأصدرت بيانًا بعنوان "خطابنا الفكري" أشارت فيه، إلى علاقتها بالإخوان المسلمين؛ حيث ذكرت "كما نؤكد وبكل وضوح، انتماءنا الفكري إلى مدرسة الإخوان المسلمين التي نتبنى نهجها بوجه عام"، ومشيرة في هذا البيان إلى تبني تجارب السابقين، ومنهم: "الإمام الشهيد حسن البنا (في) تبنيه المنهج التربوي والدعوي الشامل، الذي نعدّه أجمع المناهج في فهم الإسلام والدعوة إليه" (3).
خصوصية إخوان البحرين
إن أهم ما يفصح عن خصوصية "إخوان البحرين" طيلة العقود السبعة الماضية، كون بعض من أهم قياداتها تاريخيًا، كانت تنتمي إلى الأسرة الحاكمة؛ فتذكر المراجع المؤرّخة لجمعية الإصلاح في البحرين أن من أبرز من أسس "نادي الطلبة"، البذرة الأولى التي تبدّل اسمها مرارًا حتى انتهت إلى "جمعية الإصلاح" في العام 1991، كان الشيخ خالد بن محمد آل خليفة، والشيخ دعيج بن علي آل خليفة؛ وهما أول من تناوب على رئاسة هذا الكيان منذ تأسسه في عام 1941، ويضاف إليهما الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة، الذي أتم في العام الماضي (2013) العقد الخامس من ترؤسه للجمعية؛ حيث تولى رئاستها منذ عام 1963 (4). وقد يكون هذا المُكث الطويل في رئاسة الجمعية، مع ما يتحلى به الشيخ عيسى من كاريزما، من متطلبات التوازن المهم بين جمعية لها وشائج بواحدة من الحركات المثيرة للجدل على المستوى العالمي (حركة الإخوان المسلمين)، وبين السلطة الحاكمة في البحرين.
ومع وجود الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة في منصبه الرفيع بالجمعية، إلا أنه قد يكون آخر شيوخ الجمعية المنتمين إلى الأسرة الحاكمة؛ فعلى الرغم من عدم توفر أية قائمة رسمية بأسماء أعضاء الجمعية المسجلين، إلا أنه من الملاحظ خلو الجمعية ممن ينتمون إلى الأسرة الحاكمة في البحرين في الوقت الحالي، باستثناء الشيخ جابر بن محمد بن عبد الله آل خليفة، المقيّد رسميًا في سجلات المتقدمين لطلب تأسيس جمعية سياسية منبثقة عن جمعية الإصلاح.
لقد ساد بدايةَ عهد الإخوان المسلمين في البحرين مع السلطة جوٌ من التوتر إثر تعقب السلطات البريطانية في مصر لطالب بحريني اتصل بحسن البنا أثناء دراسته في القاهرة؛ فأُبلغت السلطات البحرينية بالواقعة كون البحرين كانت تخضع آنذاك للانتداب البريطاني، وربما هذه هي الحالة الوحيدة التي احتكت فيها السلطة ظاهريًا بالجماعة في بدء التأسيس، فقطعت بعثة عبد الرحمن الجودر (1922-1989) في العام 1946، أحد أبرز مؤسسي الجمعية، وأول من اتصل من البحرينيين بالبنّا، وجاء في التقرير البريطاني إلى إدارة المعارف البحرينية "بعثات مصر غير مناسبة لاشتراك بعضهم في جماعات دينية ذات أهداف سياسية" (5).
ولكن وجود الإخوان المسلمين، وإن كان ضعيفًا ومحدودًا في الفترات الأولى من تكوينهم ومرورهم بالفترة الناصرية التي شهدت فيها الجمعية محاصرة مجتمعية في وسط يموج بالأفكار القومية الناصرية كما هي الحال في جميع البلاد العربية تقريبًا، فإنه كان مفيدًا للسلطة حينذاك، خصوصًا وأن مستشارها تشارلز بلغريف (6) (1894-1969) أبدى انزعاجه المستمر من التأثير الناصري على البحرينيين، خصوصًا لدى تأسيس "هيئة الاتحاد الوطني" بخطابها ذي النَّفَس الثوري (7)، وكان الإخوان هم الفصيل الصغير آنذاك الذي لم يناصر "الهيئة" لموقفها منه، ولموقفه من مرجعيتها الناصرية.
لم يؤدِّ الإخوان أي دور يُذكر في الأدبيات الشحيحة المتاحة عن تلك الفترة، نظرًا لقلة عدد الأعضاء، ورفض كبير من أهالي المحرّق لهم، بل ورشق المقر الرئيس للجمعية بالحجارة؛ حيث يقع ولا يزال في المحرّق، في إحدى المسيرات الشعبية التي خرجت تأييدًا لجمال عبدالناصر.
التفاتات متأخرة إلى الداخل
وعلى امتداد العقود التالية، وحتى مع صعود نجم الإخوان المسلمين في الفترة المسماة بــ "الصحوة"، وخصوصًا منذ منتصف العقد السابع من القرن الماضي وحتى نهايات القرن العشرين؛ لم يُعهد عن جمعية الإصلاح أي تعاطٍ مع السياسة المحلية البحرينية، ويعود ذلك إلى أنَّ الجو السياسي العام في البحرين في هذه الفترة لم يكن ليسمح بتشكل حركات سياسية، كما كان القانون يمنع أية جمعية نفع عام مسجلة أن تتعاطى السياسة؛ لذا عكفت الجمعية على العمل الدعوي وجمع أكبر عدد من الأنصار حولها، وخصوصًا من الشباب اليافعين، وكذلك على العمل الخيري داخليًا وخارجيًا.
أما التعاطي الأوضح مع الشؤون السياسية فقد كان يتجه إلى الخارج، كالقضية الفلسطينية من وجهة النظر الإخوانية، إضافة إلى التركيز والعكوف على القضية الأفغانية إبّان الاحتلال السوفيتي لمدة عشر سنوات (1979-1989)، والتي ناصرتها الجمعية بشتى الطرق، فيما عدا الرجال. وكذلك جملة من القضايا التي يتعرض فيها الإخوان المسلمين للعسف أو المطاردة أو التضييق كأحداث سوريا في عام 1982، أو أوضاع المسلمين في دول آسيوية وإفريقية.
وربما الاستثناء الوحيد الذي حدث في الفترة التالية، ما أصدرته الجمعية في أثناء الأحداث التي وقعت في البحرين في الفترة من 1994-1999، وهو بيان لم يجئ في سياق البيانات التي أصدرتها الجمعيات والأندية المسجلة رسميًا؛ فقد أبدى البيان، وعنوانه "هذا بياننا"، تفهمًا للإجراءات التي تتخذها السلطات الأمنية لمنع انتشار أعمال الشغب والعنف من قبل المحتجين، ومع ذلك فقد طالب "بضرورة الإسراع بتنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية لتجنب انزلاق البلاد في الفتنة" (8). وقد وُصف هذا البيان بأنه "متوازن" لأنه لم يتخذ نهج الجمعيات والأندية الأخرى في تبنيها التام لموقف الحكومة.
جاءت الإطلالة التالية للجمعية سياسيًا في الفترة التي شهدت إرهاصات الحراك السياسي الرسمي في البحرين؛ وذلك عندما تشكّلت لجنة عليا لصياغة ميثاق عمل وطني يتوافق عليه الشعب، ويشكّل خريطة طريق للمستقبل؛ فقد أصدرت الجمعية في حينه وجهة نظرها الموازية لما كان يناقش في اللجنة، وهي رؤيتها في الشؤون السياسية والدينية والاقتصادية والعلاقات الخارجية، وكأنها "ميثاق مواز". فقد كان الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة، عضوًا في اللجنة العليا بصفته واحدًا من قيادات هيئات المجتمع المدني الذين دُعوا لمناقشة صياغة "الميثاق"، وأسهم بـ 19 مداخلة في هذا النقاش تركزت حول رؤية جمعيته في النظر للشؤون الاقتصادية والسياسية ومكانة التشريع والدين الإسلامي من الدستور، وهو بذلك كان يدافع عن وجهة نظر توافق فيها مع مشايخ الدين الشيعة في اللجنة، إلا أن الغلبة في الصياغة النهائية كانت تتجه إلى مكان آخر غير ذلك الذي أراده الدينيون؛ فجاء "الميثاق الموازي" وكأنه يطيل ما اختصرته النقاشات، ويفصّل ما أجملته، ويمثل إبراء ذمة أمام الجمهور (9).
علاقة إخوان البحرين بالحكم والسياسة
جمعية الإصلاح التي صاغت رؤيتها من الحكم في البحرين أشارت فيها إلى أن "السياسة جزءٌ رئيسٌ من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، والسياسة (أو البُعد السياسي) جزءٌ لا يتجزأ من مكونات الوحي الذي نزل على رسول الله"، على اعتبار أن الإسلام دين ودولة كما يرد في كتب كثير من منظري الإسلام منذ القدم؛ لذا تشير رؤية الجمعية إلى أن "شطرًا كبيرًا من الشريعة وأحكام الإسلام أنيط تطبيقه بالحاكم المسلم، أو بالدولة ونظام الحكم"، مشيرة هذه الرؤية إلى واجب الجمعية في التصدي لكل محاولات إبعاد الإسلام عن الشأن السياسي "وتحويله إلى مجرد شعائر، أو مجرد علاقة تعبّدية فردية بين المرء وربّه".
وترسم رؤية جمعية الإصلاح علاقتها مع السلطة السياسية في مملكة البحرين من خلال أربعة أركان:
• نحن نعترف بشرعية النظام القائم، وهي شرعية قائمة على أساس التوافق التاريخي الذي استقر عليه الوضع في البحرين منذ 1783، وها نحن نمارس عملنا السياسي في ظل هذه الشرعية، التي ننظر إليها على أنها الجهة التي تكفل استمرارية كيان الوطن الموحّد والمستقر.
• سنتعاون مع السلطة السياسية بكل جد وإخلاص في سبيل المحافظة على إسلامية الدولة وعروبتها ووحدتها واستقلالها، والوقوف في وجه كل المشاريع الطائفية والأطماع الخارجية.
• سياستنا هذه لا تعني تساهلنا في قضايا الظلم والفساد، والتوزيع غير العادل للثروة والامتيازات، فالظلم ظلمات يوم القيامة!
• وسنسعى لمناصحة الحاكم بكل الوسائل المشروعة، لما فيه خير الدين والوطن (10).
ومع بداية ما عُرف بالمشروع الإصلاحي لملك البحرين، نهضت التشكيلات السياسية التي كانت تعمل في الماضي بشكل مستتر، أو في الخارج، وذلك لممارسة العمل السياسي العلني في الوضع الجديد. وفي السياق نفسه، تقدم 185 من أعضاء جمعية الإصلاح، من بينهم 16 امرأة، بطلب الترخيص لجمعية المنبر الوطني الإسلامي، لتصبح ذراعًا سياسيًا للجمعية الأم، فأصدرت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في 31 مارس/آذار 2002 القرار رقم (10) لسنة 2012 بالترخيص بتسجيل الجمعية (11)، وكانت الانتخابات نسبيًا فرصة لمعرفة قوة وتأثير وانتشار هذا الفصيل.
ثلاثة فصول متفاوتة
خاض المنبر الوطني الإسلامي الفصول التشريعية الثلاثة للانتخابات البلدية والنيابية، وبحسب التركيبة السكانية والانتشار الجغرافي للجمعية فقد كانت مدن ومناطق الحد والمحرّق والقضيبية والعدلية، هي الأكثر أمانًا بالنسبة لـ "المنبر"، وإن لم تخل من منافسة الجمعية الغريمة (الأصالة)، المنبثقة عن جمعية التربية الإسلامية السلفية. فقد عملت جمعية الإصلاح لسنوات طويلة على إدارة أنشطة اجتماعية وخيرية ودعوية في تلك المناطق. أما المناطق الجديدة نسبيًا والمختلطة ما بين مكونات المجتمع البحريني من الشيعة والسنة، فما كانت مقاعدها لتأتي بسهولة.
في أول تجربة للإخوان المسلمين من خلال جمعيتهم الوليدة، دفعوا بسبعة مرشحين للاستحقاق النيابي في عام 2002، وفازوا حاصلين على 14487 صوتًا، وبعد أربع سنوات، ومع دخول الجمعيات المعارضة التي قاطعت الانتخابات الأولى، دفعت الجمعية بثمانية مرشحين فاز منهم سبعة، ليحتفظوا بعدد المقاعد ذاتها في مجلس النواب، وبمجموع أصوات بلغ 25380 بزيادة 10893 صوتًا عمّا تحقق في الانتخابات التي سبقتها. وتُعزى هذه الزيادة إلى الحماس الذي اتسمت به انتخابات 2006، ووعي الناخب الذي ازداد عمومًا، وربما أيضًا بسبب المغالبة الطائفية خصوصًا في المنافسات التي احتدمت في المناطق المختلطة.
لكن المفاجأة الصادمة إلى حد ما كانت في انتخابات 2010؛ حيث دفعت الجمعية بثمانية مرشحين، لم يفز منهم سوى اثنين، وتراجع مجموع الأصوات التي حصلوا عليها، سواء الفائزون أم الخاسرون، إلى 17281، أي بتراجع 8099 صوتًا. وتاليًا التحقت سمية الجودر بالمجلس في الانتخابات التكميلية التي جرت في عام 2011، في أعقاب استقالة كتلة جمعية الوفاق إثر أحداث 2011.
تمسك الإخوان المسلمين بنسبة 17.5% من نسبة مقاعد المجلس النيابي في الدورتين الأوليين، ولكن تتراجع النسبة إلى 5% (7.5% بعد "التكميلية")، يعتبر ضربة قاسية للجمعية مع تواجدها العريض تاريخيًا.
للتراجع الكثير من التفسيرات التي لم يثبت منها شيء لعدم وجود أية أدلة واضحة في هذا المجال. واحدة من هذه التأويلات تشير إلى أن أداء الإخوان المسلمين في مجلس 2006 لم يَرُق لبعض صنّاع القرار؛ فجرى حشد وتشجيع المستقلين للترشح ضدهم، بما يعني رفع الغطاء عنهم. ففيما يوجد استعداد من قبل آخرين (مستقلين) للقيام بهذا الدور، فإن هذا يمكن أن يكون أفضل من أن تتجه كتلة بأكملها في اتجاه معين، أو تضغط على مصادر السلطة في الدولة للفوز بمكاسب معينة. وهذا ما يروج في أكثر من مفصل من مفاصل المواجهات في مجلس النواب طيلة السنوات الثماني الماضية؛ حيث تحتدم الخلافات أحيانًا، كما بشأن الموازنة في نهايات برلمان 2002، أو التلويح باستجواب وزراء، أو قضية "أملاك الدولة" التي كانت من قضايا برلمان 2006 المحرجة، أو الفساد في بعض الشركات الكبرى شبه الحكومية، ويحدث فجأة أن يتراجع حماس بعض الكتل، خصوصًا القريبة من السلطة، وتروج في المقابل الأحاديث عن عقد صفقات من تحت الطاولة حتى لا تستمر هذه الكتلة في الضغط أسوةً بكتلة الوفاق المعارضة (17 مقعدًا في 2006، و18 مقعدًا في 2010، بنسبة 42.5% و45% على التوالي).
مواقف وتحالفات برلمانية
نجحت كتلة الإخوان المسلمين في البرلمان البحريني في تمرير عدد من القوانين، ومضت في العمل على تحسين الأحوال المعيشية للمواطنين، ودخلت في أكثر من شأن من شؤون الرقابة، وكانت واحدة من النجاحات الأولى المشتركة لها، مع بعض الكتل الأخرى والمستقلين في متابعة قضية عرفت في برلمان 2002 بـ "إفلاس الهيئتين"، أي هيئة صندوق التقاعد وهيئة التأمين الاجتماعي، ونجحت في استرداد حوالي 350 مليون دينار بحريني إلى خزينة الدولة. إلا أن أحد أسباب مقاطعة بعض القوى المعارضة للانتخابات الأولى (فضلاً عن التوزيع غير العادل للدوائر الانتخابية، كما تزعم)، هو أن اللائحة الداخلية لمجلس النواب من شأنها أن تحدّ من فعالية المجلس في مسألتي: الرقابة والتشريع، وهما أساس العمل النيابي. وبالتالي، فإن النجاحات التي حققها الإخوان المسليمن، والتي حققها أو يمكن أن يحققها أي فصيل آخر، لا تعدو أن تكون مكاسب جانبية لا تتيح للأعضاء -بشكل عام- أن يتمتعوا بالممارسات النيابية كما هو الشأن في "الديمقراطيات العريقة"، وهي العبارة التي طالما جرى الاستشهاد بها سواء من قبل السلطة أو من معارضيها.
لم تعتمد الكتلة الإخوانية في مجلس النواب على عددها قط، فكانت تنسق وتتحالف في الكثير من المواقف المهمة مع أقرب الكتل السنية لها (الأصالة)، ومع المستقلين، وهي الكتلة الممكن استعارة بعض أو كل أعضائها أثناء التحشيد، وفي غالبيتهم من السنة أيضًا. ومع ذلك، فإن تقاربًا كبيرًا في المواقف قد جمع "المنبر" مع "الوفاق" في قضية التحقيق في أملاك الدولة، وهي واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا وحرجًا، وربما كانت تستحق أن "يُقرص" بسببها الإخوان المسلمين.
على الرغم من هذه "القرصة" التي تعرض لها الإخوان المسلمين، إلا أنهم أبدوا موقفًا واضحًا بعد أقل من عام، وذلك حينما اندمجوا في الكتلة السنّية التي شكّلت لبّ ما عُرف بـ "تجمّع الفاتح" (12) لمعادلة الكفّة العددية، والسياسية، والمذهبية للحراك الذي انطلق من دوار مجلس التعاون، فكان فصيل الإخوان المسلمين حاضرًا ومؤثرًا. ومع عزل الحكومة في تلك الأحداث لعدد من الوزراء "المؤزّمين"، جرى تعيين الدكتور صلاح علي وزيرًا لشؤون حقوق الإنسان، وكان في الدورتين النيابيتين الأوليين رئيسًا لكتلة "المنبر" في مجلس النواب، وجرى تعيينه عضوًا في مجلس الشورى في عام 2010.
كما قامت الوزيرة الدكتورة فاطمة البلوشي، وهي منتمية إلى الإخوان المسلمين وتم توزيرها في 2005، بدور كبير ومؤثر في الفترة ذاتها؛ إذ إنها استلمت -إلى جانب حقيبة وزارة التنمية الاجتماعية- حقيبة حقوق الإنسان، فتحول اسم الوزارة إلى وزارة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية، لفترة قبل توزير صلاح علي، وكذلك كانت قائمةً بأعمال وزير الصحة، وهي واحدة من الوزارات التي دار عليها لغطٌ كبير إبّان الأحداث.
سيناريوهات المستقبل
يستبعد بشكل كبير اتخاذ البحرين لأية خطوة يمكن لها المساس بجوهر وجود حركة الإخوان المسليمن فيها، وذلك لأنها لا تمثل خطرًا أو تهديدًا للدولة، وذلك للخصوصية البحرينية التي تتعلق بتركيبتها السكانية المذهبية؛ ويُعتقد أن تكشف الانتخابات المقبلة (2014) عن عدة مسارات مهمة في مستقبل الإخوان المسلمين في البحرين:
• الأول: سيتبيّن ما إذا استوعب الإخوان المسلمون أسباب إخفاقات انتخابات 2010، وما إذا كانت تكتيكاتهم ستغدو مختلفة أم لا.
• الثاني: ستكشف الانتخابات أيضًا عن حجم التأثير الخارجي والإعلامي على الوعي العام للناس، وظهور اسم "الإخوان المسلمين" على الساحة من جديد في مصر، وكذلك الموقف الخليجي منهم، ومدى انعكاس هذا الأمر على حظوظ الإخوان في المجلس، والذي يؤشّر ، بشكل أو بآخر، إلى حظوظهم في الحياة السياسية العامة.
• الثالث: وهو مرتبط بالثاني؛ إذ يروج وجود توجّه غير مكتوب، وربما مُتسق إلى حد ما مع موقف بعض الدول الخليجية والعربية، بالاكتفاء حاليًا بمن هم في السلطة من المسؤولين من الإخوان المسلمين في مراتب تنفيذية متقدمة، مع عدم التوجه للإكثار منهم مستقبلاً، وجعلهم يتناقصون بفعل الزمن. إلى جانب تفسيرات تخصّ قرار رئيس الوزراء الصادر في 8 مايو/أيار 2014 بإعادة تشكيل اللجنة التنسيقية العليا لحقوق الإنسان، وإيكال مهمتها لوزير الخارجية بدلاً من وزير شؤون حقوق الإنسان صلاح علي، على اعتبار أنها مقدمة لإزاحته من منصبه، أو تفكيك وزارته في التشكيلة المقبلة التي ستعقب الانتخابات النيابية.
__________________________________________________
*غسان الشهابي، باحث بحريني متخصص بالحركات الإسلامية والشؤون الإعلامية.
الهوامش:
1) ندى الوادي، القوة الصاعدة، الوسط، البحرين، ط1، 2008، ص32.
2) اتصال هاتفي مع أمين سر جمعية الإصلاح، 22 ديسمبر/كانون الأول 2009.
3) جمعية الإصلاح، خطابنا الفكري، موقع جمعية الإصلاح http://www.aleslah.org/eslah_wp/wp-content/uploads/2012/07/khetabona_alfikri.pdf ، ص ص 10و11.
4) وليد صبري، صحيفة "الوطن" البحرينية، 21 إبريل/نيسان 2008.
5) محمد أحمد البنكي، الإخوان المسلمون وهيئة الاتحاد الوطني، ج2، صحيفة "الأيام" البحرينية، 14 أكتوبر/تشرين الأول 2004.
6) المستشار المالي لحكومة البحرين وعلى مدى واحد وثلاثين عامًا (1929-1957)، وكان له أثر رئيسي في تطوير الأمور الإدارية والاقتصادية وفي الأحداث السياسية.
7) أول تجمع سياسي وطني يجمع طائفتي السنة والشيعة في البحرين، تأسس في 1954 وجاء إثر الاستقطابات الطائفية التي كانت سائدة في فترة الخمسينات من القرن الماضي؛ ما دعا ناشطين من الطائفتين للتداعي لتشكيل هذا التجمع الذي نجح في توحيد كلمة قطاع كبير من البحرينيين، قبل أن يجري حله في 1956 وسجن ونفي قياداته.
8) ويكيبيديا، جمعية المنبر الوطني الإسلامي.
9) للمزيد من استيضاح موقف الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة، وبالتالي موقف جمعية الإصلاح من القضايا التي ناقشتها اللجنة العليا، الرجوع إلى كتاب "ما كان البحر رهوًا"، غسان الشهابي، دار مدارك، ط1، 2013.
10) جمعية الإصلاح، خطابنا الفكري، مرجع سابق، ص 48.
11) للاطلاع على نص قرار وزير العمل والشؤون الاجتماعية والنظام الداخلي للجمعية، يمكن زيارة الرابط: http://www.legalaffairs.gov.bh/LegislationSearchDetails.aspx?id=9592#.U39ASqRWEiQ
12) نسبة إلى جامع الفاتح الذي تم التجمّع فيه من قبل قوى سياسية ودينية، يغلب عليها انتمائها للمذهب السني أو الوطني المتوافق مع رؤى السلطة.
ـ مركز الجزيرة للدراسات ـ 10/6/2014