رام الله سماأطلقت الشاعرة نداء يونس، أول مجموعة شعرية لها، بعنوان "أن تكون أكثر"، في أمسية احتضنتها قاعة الجليل في متحف محمود درويش، مؤخراً، حيث غصت القاعة بالحضور، غالبيتهم إعلاميون وفنانون ومثقفون.
وقال الشاعر د. المتوكل طه، في تقديمه لمجموعة يونس: نداء يونس تنتمي إلى صوت شعري فلسطيني أسس إلى قصيدة جديدة في تاريخ الشعر الفلسطيني، حيث إن الشعر الفلسطيني ظل في بداية القرن العشرين عندما تخلص من شكله المحنط العثماني القديم وذهب الى نحو ترابية القصيدة المقاومة وتحسس الواقع والاستجابة مع ما يمر في الواقع ... أعتقد ان إبراهيم طوقان كان صاحب اليد البيضاء المضيئة الذي نقل القصيدة من شكلها المحنط القديم الى فضاءات المقاومة والانغماس في الهم الجديد، وتواصل الشعراء الفلسطينيون على هذا الدرب حتى "فلسطنوا" القصيدة العربية، وبالتالي أصبحت مجمل القصائد العربية قصيدة واحدة متنوعة تتجه جميعها الى فلسطين، وعرفت في الأدبيات بقصيدة المقاومة.
وأضاف المتوكل طه: نداء يونس، كانت تدفع لي بقصائدها أثناء عملي وكيلا لوزارة الإعلام، وكنت أقرأها ولم أغير أو ابدل فيها أية كلمة، بل تركتها على حالها، لذلك يسعدني ان اقدمها، واصفا إياها بـ "ابنتي الشعرية نداء يونس"، لافتاً إلى أنها "معروفة إعلاميا منذ أن عملت في وزارة الإعلام قبل 14 عاما"، وأن مجموعة "أن تكون أكثر" هو باكورتها الأولى.
وأكد طه: على هذا الجيل أن يعبّ من التراث وينتصر للمعرفة ثم يطل على ما هو حديث ويفتح نوافذه لكل الحمولة الإنسانية المترجمة وغيرها.. نداء يونس صوت من هذا الجيل .. وقرأت هذا الديوان اكثر من مرة، وأعتقد ما يميز نداء عن باقي جيلها هو ان لديها بداهة وسليقة وفحولة شعرية، بمعنى ان الموهبة الشعرية لديها متينة وقوية، ولكنها وحدها لا تكفي، فلا بد من عوامل الصقل ومدها بالمعرفة اكثر.
وتتميز نداء، وفق طه، بأن نصها يشبهها إلى حد كبير، فهو طفولي، ولكنه طفولي حدق وواع وسلس وصادق ومتدفق وغير معقد، وهو نص بريء وهو إلى حد كبير غير جريء، بمعنى يراعي الكثير من التابوهات، وغير متقحم .. وقال: تنطلق نداء يونس بعفوية وتمر على التفاصيل، فتلتقطها بما لديها من قدرة عالية على التأمل .. أعتقد أن ما ينقذ نداء لغتها الأنيقة وقدرتها على المزاوجة بين الكلمات بحيث تخلق حالة بهجة ودهشة وجد ... نصها المتن لا يتماهى كثيراً مع نصها المساند .. النص المساند شكل الخط والترقيم والعنوان ... نداء تتعاطى مع الأشياء الحاضرة بدون تخطيط مسبق لنصها المساند حتى يدفع بنصها المجرد إلى الأمام.
وأضاف المتوكل طه: هناك قصيدة رائعة استوقفتني كثيراً اسمها "فزاعة"، وطبعاً هناك قصائد أُخرى مثل "صديقان"، و"شهرزاد الإفريقية"، إضافة إلى قصيدة باسم "محمود درويش" وأخرى حملت اسم وقصيدة "الضوء" .. وهذه القصائد تكرس نداء كشاعرة تستحق منا هذا الاحتفاء فيها.
وأكد المتوكل طه: قصيدتها تلتقط الكثير من التفاصيل، فالكثير منا يعرف الفزاعة، لكن أياً منا لم يلتفت الى أنسنة الفزاعة .. نداء قامت بأنسنة الفزاعة، فلديها قدرة على التبصر، ولكن لا يزال هذا التبصر لا تعوزه حنكة الاحتراف ولؤم المعرفة ومكر الكاتب المحترف الحقيقي.. اعتقد انه كديوان أول يستحق منا التحية.
بدورها قالت الشاعرة نداء يونس: الشاعر د. المتوكل طه دائما ما يكون قاسيا جدا في أحكامه وفي نقده، وان يعجب بقصائدي وديواني، وهو الذي اصدر 42 كتاباً ما بين شعر ونثر، فهي شهادة مهمة بحقي .. اشكر كل من ساندني ووقف إلى جانبي لحين صدور مجموعتي الأولى .. أتقدم بالشكر إلى صاحب دار النشر د سمير الجندي، فهو من شجعني على الكتابة، كما أشكر جريدة الحياة الجديدة التي نشرت قصائدي وكانت صوتي، وكذلك الشاعر احمد نجم الذي شجعني بطريقة مختلفة، حيث كان يقص قصائدي من الجريدة ويحتفظ بها في حقيبته وفي أي لقاء يجمعنا يخرجها ويتحدث لي عنها، كما أوجه الشكر للشاعر سامي مهنا رئيس اتحاد كتاب وأدباء الداخل الذي راجع الديوان ودققه وشجعني أيضا، والصحافي عبد السلام الريماوي الذي شجعني أيضا وكان يقدم لي النصائح، و"لكوني عنيدة لم أستمع إلى نصائحه" .. أشكر لينا قادري صاحبة لوحة غلاف الديوان، وحذيفة سمودي الذي صمم لي الغلاف، والمصمم محمد عبد اللطيف سباعنة الخطاط الذي صمم اللوحات الداخلية للديوان.
وأضافت يونس: لا أسعى الى لقب ولا أريد توصيفاً، فكل ما أردت ان افعله هو شيء أحبه .. أنا، وعلى مدار اليوم كله اعمل أشياء لا تشبهني، ولاني أريد أن أقوم بعمل شيء أحبه، لذا قررت أن أكتب .. كل شخص لديه اطمئنان زائف، وأنا عندما كتبت حاولت تمزيق هذا الاطمئنان الزائف .. حاولت أن أبعثر كل شيء حتى اصل إلى الجوهر .. إلى الأصل لحالة التفسخ والانبعاث لحالة الوجود، ما قبل الولادة وما بعدها، فكان المولود الشعري الأول "أن تكون أكثر".
وأضافت: رفضت الإذعان للمحدودية، وللعوائق، وللحزن .. أشكر المعيقات رغم أنني لم أُعانِ في طفولتي من اية معيقات تذكر .. وكان لدي والد رائع هو يوسف يونس، وكان يساندني حتى لو كنت مخطئة .. خياراتي موفقة ولم أُعان من اي عُقد .. بداخلي كائن يريد الكلام .. يريد الكتابة، والحب هو ما جعلني أكتب، فكتبت، ولأننا كشرقيات نحاول أن نكون موصدين ومغلقين، رغم ما بدواخلنا من جمال وروعة، ولا نجرؤ على أن نكشف ما بدواخلنا .. في دواخلنا جمالية تجرد بطرق مختلفة .. نحن قادرات على ان نفاجئ الجميع بإبداعات جميلة.
فَزّاعة
خَسِرْتَ روحَها
لم يبقَ سوى القشّ
-1-
إن أحرقتَها
لن تبكي
وإن ذبحتَها
سيَنْسَربُ إلى يديَك ما كان أخضر
خذ ذراعيها على امتدادِهما
إلى روحِكَ
ربما تعْرِفك
لم يبق لفَزّاعَة معلّقة على وَتد انتظار
سوى قميصِك القديم
وابتسامةٍ بلهاء
-2-
إن عرَّيْتها
لن ترى ما خسرتَ
وإن تركتَ رتابة الحزن تسكُنها
ستفقد رهبَة الطارئ
على امتدَاد الحقل
خذ عينَيها على اتساعِهما
إلى وجهِك
ربما تَراك
لم يبقَ لفزَّاعة متروكَة للاعتياد
سوى ظلٍّ متلعثِم
ورِجل واحدة
............................
ثنائيات: هنا لنا
قال: هناك لنا
هو الهروب من انتِباه الصَحو
فوق خارطة الأرضيّ
فابحثي عن فسحة للتنفس
في امتزاج بالضياء
قال: الآن لنا
هاك مائي
فأغرِقي ورد القماش
واعبثي هازئةً بحدود اللون والزمن
قال: هنا لنا
أمامنا عُمر فلكيّ لاحتفالات النوروز
وما غرِق من تفاصيل عشب
في دفء المسافة
قال: أنا لنا
فاكتب وحيَك يا جسد الخُرافة
وابدأ الصعودَ الحرَّ
في تفتُّح الزنابق
وانسكاب النارنج من كل الزوايا
قلتُ: وأنا لنا
ولي اختمار الشوق
وما توهج من المخفِيَّ في عري لحظتنا
وما تساقط من أسرَار
في مجامر الهَمس
قلتُ: الآن لنا
بكَ أنا سيدة الفصول
غضب الطبيعة في تبدل شكلها
عشتار تُخْرِج من سبات اللون شهوتها
قلتُ: هنا لنا
ولي مقامات النداء في الأناشيد
وصيحة الديك تنهي
مدّ الضلوع على الحرير
وأقول: هناك لنا
اللون في النقش القديم
والأرض في حُمَّى التودد للغيوم
والماء ينهي سيرة العطَش
....................
عرِّج قليلا
المكان يتَّسع
لي
ولك
و( لشَخص) الفَجيعة
نرتِب الشُخوص أولاً
أنت شخص اللااعتِياد
أنا شخص الدهشَة الهشّ
الفَجيعة زئبَق
وهذا القلب منسَأتي التي سقطَت
ما عرَفت
حتى نخَرَها غيابُك
اطْوِ المدى في راحتِك
أنا ضَيفة الأفق
أحضِر قليــــــلَك
الذي يصنَع القصائد
قليــــــــلُك الشهيّ معجزَتُك
وشُقَّني حيرتين
ولو على وتَر شكّ
سأتبعُك
حضورُك يرتِب الأنثى ثلاث منازِل
ملكوت الشاعرة حين يندَاحُ ماء القصيد
مقَام العاشِقة دليلُها الصمت
منزِلة اكتمَال كاذب في حيرة
وغيابُك.....غيابي
مصيَدة اللَّهفة بين شوقَين
القصيدة انكِشاف ما لا يجب
ليلٌ يخلَع لونَه
صمت يقَرر أن يخون
وأنت تقرر أن تحتجِب
عرّج قليلا
تكتُم بوح القصَائد.
....................


