لا يمكن ان نقول إن هذا الامر قد جاءنا مفاجأة: فقد كنا قلقين منذ اللحظة التي بدأت فيها الهبة الشعبية في سوريا في منتصف آذار 2011 في مدينة درعا. وقد علمنا ان الامر صعب ومعقد جدا في سوريا. وعلمنا ان المعسكرين ليس فيهما ملائكة تطير. وعلمنا ايضا ان عند نظام الاسد سلاحا كيميائيا يمكن ان يقع في أيدي خطيرة. وعلمنا انه يتجول بين المتمردين ناس من القاعدة وفي لبنان ناس حزب الله. وأُعطينا الاختيار مرة اخرى بين السيء وما هو اسوأ منه. بيد انه من اجل التغيير لم يكن القلق هذه المرة قلقنا فقط: ففي عمان وأنقرة وبيروت ودول الخليج تابعوا في قلق كبير الأحداث الدامية كما هي الحال في القدس بالضبط، فقد تحولت سوريا الى برميل مواد متفجرة في شرق اوسط قابل للاشتعال. وانضمت واشنطن وعواصم اوروبا ايضا الى الشعور بالقلق الشديد. وزاد القلق فقط من حلقة الى اخرى. بيد ان المشكلة كانت انه في حين كانوا يحصون الموتى في سوريا كانوا في الغرب يحصون التصريحات. "هناك اجماع بين كل دول العالم الحر على انه يجب منع انتقال السلاح الكيميائي الى أيدي متطرفة والى يد حزب الله"، قال أمس الوزير سلفان شالوم الذي ذكّرنا بما قاله اوباما بأنه لا يمكن ان ندع هذا الوضع القاسي يحدث. إن سيناريو مخيفا كهذا يفضي الى تغيير حاد لتوازن القوى ويضر باستقرار الشرق الاوسط اذا كان يمكن أصلا الحديث عن استقرار اقليمي منذ كان ذلك "الربيع". من سيقوم بالعمل؟ في القرية العولمية التي نعيش فيها يكون انتقال السلاح الكيميائي الى المنظمات الارهابية مسا باستقرار العالم كله. والسؤال الكبير هو ماذا نفعل. كم يغرينا ان نعتقد كما فعل بعضهم أمس ان الحديث عن حيلة دعائية من اجل تكوين تحالف سريع بسبب تطور أمني اقليمي مقلق. بيد ان الخطر من الفوضى التي نشأت في سوريا، كما هي الحال في مصر بالضبط، أصبح موجودا هنا حقا وراء الحدود. وقد يقلق هذا العالم لكن هذه الفكرة تخيفنا ببساطة فالمسألة مسألة جغرافيا ومسألة قُرب. يعترف حتى أقرب الحلفاء من الاسد في موسكو اليوم بأن احتمالات بقاء الطاغية السوري تصبح ضعيفة "من يوم الى يوم". واعترف رئيس الحكومة الروسي دمتري مدفديف بذلك في مقابلة صحفية مع شبكة "سي.ان.ان" ولم تعد حتى موسكو تؤمن بالاسد. في قارب واحد مع الاتراك تجد أنقرة والقدس أنفسهما في الجبهة نفسها كما في تلك الايام الخالية. نُصبت صواريخ باتريوت في الدولتين. ما أبعدنا اليوم عن تلك الايام التي كان فيها اردوغان وسيطا بين الاسد والقدس. وكم أصبحنا بعيدين فجأة عن تلك الايام (قبل سنتين فقط) التي كانت فيها علاقة غرامية غير منطقية بين أنقرة وطهران. حتى إن التهديد السوري قد يُنسي الشريكتين التاريخيتين – تركيا واسرائيل – القافلة البحرية التركية. تشير المعركة الفرنسية اليوم في مالي الى مبلغ كون عالمنا في الحاضر لا يسارع الى المعركة. فباريس تقوم بالمعركة وحدها تقريبا في ساحتها الخلفية في غرب افريقية. ولفرنسا مصالحها التي ألزمتها بالخروج لمعركة مع ارهاب القاعدة في المغرب العربي. لكن فرنسا التي حصلت على سوريا عقب معاهدة سايكس بيكو في 1916 لن تسارع الى فتح جبهة اخرى ولن يسارع البريطانيون ايضا الى العمل. إن اوباما باعتباره زعيم القوة العظمى الاولى يلتزم بالعمل في الحقيقة لكن من ذا يستطيع ان يلتزم بأن تسارع واشنطن حقا الى فتح جبهة؟ فالمسألة مسألة جغرافيا ومسألة قُرب، وقد تكون اسوأ من ذلك وهي أنها مسألة تصور عام. فسرت شبكة "العربية" خطبة اوباما عند أدائه اليمين الدستورية قبل اسبوع بأنها رغبة في الاشتغال بالشؤون الداخلية في الأساس، فلهذه الادارة خطط مختلفة. وتستطيع سوريا الانتظار. وترى شبكة "العربية" ان الادارة الامريكية ستمنح القضية السورية مساعدة سياسية واخلاقية في الأكثر. هناك اجماع عالمي على ان انتقال السلاح الكيميائي الى المنظمات الارهابية هو سبب للحرب. وإن طريقة تباكي العالم المستنير من بعيد بسبب المجازر الكثيرة في سوريا لا تضمن ان يفضي هذا الاجماع الى عملية حقيقية. ونقول بالمناسبة إن الجنرال دامبسي قائد هيئة الاركان المشتركة لجيش الولايات المتحدة قد أعلن في 11 كانون الثاني ان الادارة الامريكية والمجتمع الدولي غير قادرين على منع الاسد من استعمال سلاحه الكيميائي. وهذا من غير ان نتناول المنظمات الارهابية اذا وقع في أيديها، لا سمح الله. فيا لعِظم هذا الوعد.