بشار الاسد بات تاريخا. المذكور أعلاه رحمه الله. السؤال الوحيد الذي بقي مفتوحا هو هل سنرى قريبا جثته تُسحل في ساحات دمشق على نمط القذافي، أم سينجح كيفما اتُفق في ان ينقذ نفسه في اللحظة الاخيرة مثل بن علي، الرئيس التونسي. كل يوم يمر يُبعد الاسد عن امكانية ان ينظم لنفسه صفقة في اللحظة الاخيرة وملجأ مريحا في مكان ما. يحتمل ان يكون قرر القتال حتى اللحظة الاخيرة، ويحتمل ان يكون يعرف بأن اللحظة الاخيرة آتية. أحد حقا لا يفهم ماذا يجري في العقل اليقظ للدكتاتوريين عشية الاطاحة بهم. العملية أمس، في مركز أعصاب الغرفة الحربية الداخلية لطغمة الاسد، هي حدث يحطم التوازن ويغير وجه المعركة. من الآن فصاعدا، بات الامر حقا مجرد مسألة وقت. عيون العالم بأسره، ولا توجد هنا مبالغة، ترنو الآن الى ما يجري في دمشق. في شعبة الاستخبارات جرى أمس بحث اذا كنا نتوقع "معركة في دمشق" أم "معركة على دمشق". الجدال حُسم بسرعة: هذه معركة على دمشق. العملية التي صفت القيادة المقربة من الاسد (وعلى رأسهم الجنرال كلي القدرة آصف شوكت، زوج بشرى الاسد التي هي المرأة المرعبة في سوريا كلها) في مقر "مكتب الامن القومي" (الموازي للمجلس الوزاري الامني في اسرائيل، بدون رئيس الوزراء)، جاءت في أعقاب 48 ساعة من الدم والنار في العاصمة السوري، تماما داخل الساحة الخلفية للاسد. لم تكن هذه معركة بالصدفة، بل حرب الاسد على البيت. القتلى والجرحى في العملية، والتي تُذكر بشيء ما "بحملة فلكيري" التي جاءت لتصفية هتلر في 1944، هم اعضاء "عصابة الثمانية"، الفريق الأعلى في جهاز الامن السوري الذي يعنى بمعالجة الازمة والثورة منذ يومها الاول. للاسد، كما قدّرت أمس محافل في اسرائيل، يكاد لا يبقى مقربون موالون. يوجد علي مملوك، رئيس الامن العام، ويوجد ماهر الاسد، الشقيق الأصغر الذي يقود الفرقة 4 الموالية (حتى الآن)، والحرس الجمهوري. هذا هو، الى هذا الحد أو ذاك. يكاد لا يكون للاسد منفذين يمكن الاعتماد عليهم ويمكن زجهم في المعركة، وادارة الظهر لهم. بشار الاسد هو الرجل المعزول في دمشق المشتعلة، رجل لا يكافح في سبيل حكمه، بل في سبيل حياته. اكثر تعقيدا، أكثر خطرا في وضع الامور، نحن نوجد في فترة حساسة للغاية. وهذا يحصل مرة اخرى في كل مرة يوشك فيها دكتاتور عربي على فقدان حكمه. عندما يقف "مع الظهر الى الحائط"، ونحن نتذكر لحظات صدام حسين الاخيرة، الله يرحمه. في حينه ايضا كان تخوف في اسرائيل من مغبة ان يُميت صدام نفسه مع اليهود ويستغل اللحظات الاخيرة التي لا تزال فيها يداه على الزناد كي يرشقنا بأفضل صواريخه. ولكن لدى الاسد الحال أكثر تعقيدا بكثير، بل وأكثر خطرا. في المداولات التي جرت أمس لدى رئيس الاركان طُرحت ثلاثة سيناريوهات محتملة للايام القريبة في سوريا: الاول هو استمرار الوضع القائم وتصعيده، أي المزيد من القتلى، المزيد من الفارين، استمرار الحرب المضرجة بالدماء. في هذا الوضع، واضح ان اسرائيل سلبية وتواصل متابعة الامور وهي تقف جانبا. السيناريو الثاني هو تفكك حكم الاسد وسيطرة المعارضة على معاقل القوة، بما في ذلك مخزونات السلاح الاستراتيجي واسلحة الدمار الشامل. في مثل هذا الوضع ايضا، اسرائيل سلبية. الوضع الثالث؟ إذن هذا هو. هذا هو الوضع المقلق. وهنا أيضا توجد ثلاثة مستويات: الاول هو تسلل السلاح الاستراتيجي والبيولوجي الكيماوي من سوريا الى حزب الله في لبنان. الثاني هو سيطرة عناصر الجهاد العالمي (الذين تواجدهم ونشاطهم في سوريا مؤخرا ازداد جدا) على هذه المخزونات. والثالث هو توجيه قسم من هذا السلاح نحو اسرائيل (امكانية متدنية جدا). في هذه الخيارات الثلاثة يتعين على اسرائيل ان تتخذ القرار وهذا القرار لن يكون سهلا. وهنا نحن نصل الى العالم. الامريكيون، الروس، الايرانيون، اللبنانيون والاتراك، وفي اعقابهم باقي مراكز القوى في العالم على علم بقابلية الوضع للانفجار. قافلة شاحنات تجتاز في الليل الحدود بين سوريا ولبنان وعليها صواريخ كيماوية أن كل التنوع الاخر من هذه الاشكال، من شأنها/كفيلة بان تجر هجوم اسرائيلي فورا. لقد سبق أن كنا في أوضاع مشابهة في الماضي، ولكننا عرفنا كيف نمسك أنفسنا عن اطلاق النار. اما هذه المرة فالحال يختلف تماما. هذه المرة الامر جدي. هذه المرة عمل هجومي ضد هدف كهذا يمكن أن يشعل المنطقة بسرعة ذروة. ايران تنتظر هذه اللحظة، حزب الله على الجدران، الحالة متفجرة، قابلة للاشتعال ومهزوزة منذ البداية. لا حد لمن يتعين عليه أن يتخذ القرار، وينبغي الامل في أن الجهاز الذي يعده لهذا الغرض سيعطل التشويشات الجانبية والمخاوف. جدال وتصنيف الولايات المتحدة نشيطة جدا في هذه الجبهة في الاسابيع الاخيرة. فقد عزز الامريكيون تواجدهم في المنطقة، وحتى الوحدات الخاصة لديهم تلقت منذ الان التعليمات المناسبة في الدول التي تحيط بسوريا حيث يوجد غير قليل من النشاط والاستعداد لاحتمال أن يتعين على الغرب، بقيادة الولايات المتحدة اتخاذ عمل سريع اذا ما تحققت احدى الامكانيات المقلقة. في مثل هذه الاوضاع سيكون ممكنا توقع تعاون امريكي اسرائيلي وربما مع جهات اخرى ايضا. عبدالله ملك الاردن يوجد الا بالذات في الولايات المتحدة ومن خمن بانه يتحدث مع اوباما بالذات في هذه المواضيع، يكون قد أصاب. فصحيح حتى الان، رئيس الاركان وجه تعليماته للجيش بالبقاء في الظل. منظومة الاستخبارات متوترة مثلما لم تكن في اي وقت مضى في السنوات الاخيرة. في كل الجبهات، في كل الادوات والوسائل. لم يجند الاحتياط، لم يدفع بالقوات الى الامام ولكن سلاح الجو رفع مستوى التأهب، والقادة ينفذون تقويمات متواترة جارية للوضع. في ظل ذلك ثمة حاجة الى المتابعة بسبع عيون ولقوى اخرى تشارك في اللعبة الدموية السورية: الايرانيين، الذين يحتفظون بغير قليل من القوة داخل سوريا، ولا سيما من الحرس الثوري. الدعم الايراني يبقي الاسد مع الرأس فوق الماء في الاشهر الاخيرة. اذا رأيناهم يعودون الى الديار فسنعرف بان هذا انتهى. هذا رأينا حركة معاكسة، سنعرف بان الحال سيكون أسوأ. حزب الله؟ ذات الامر آنف الذكر. رجال حزب الله هم ايضا يتجولون في سوريا ويقومون بعملهم وهم ايضا في موقف انتظار في هذه اللحظة. والاخيرون ولكن ليسوا الاكثر لطفا، هم الروس. الحلفاء الاخيرون. للاسد. بشكل عام توجد لهم قدرة على تشخيص اللحظة المناسبة والسليمة للانسحاب. نأمل أن يكونوا قد شخصوها منذ الان. في هذه الاثناء، الجدال الوحيد المتبقي هو حول التصنيف فهل هذه بداية نهاية نظام البعث في سوريا ام نحن بتنا في منتصف هذه النهاية. ماذا سيكون بعد ذلك؟ كالمعتاد، لا يمكن لنا أن نعرف. هذا يمكن أن ينتهي بتمزيق سوريا الى كانتونات (اكراد في الشمال، علويون على طول الشاطيء، سُنة في الوسط، دروز في جبل الدروز وما شابه)، وتحول سوريا الى عراق (وعندها سنشتاق الى الاسد)، او حكم مركزي سني – علوي، يقام بهذه التسوية أو تلك. عندما نتذكر بان كل هذا يحصل في الايام التي يستجدي فيها العالم كي لا تهاجم ايران في الاشهر القادمة، فان الوضع يتعقد بأضعاف. حر الايام الاخيرة قد يظهر كبرد اوروبي مقارنة مع ما ينتظرنا لاحقا.