القدس المحتلة / سما / نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية اليوم الاربعاء تحقيقا اعده مراسلها لشؤون الشرق الاوسط ايان بلاك يقول فيه ان الحقائق القديمة المحيطة باسرائيل آخذة في الانهيار من حولها حالياً. وهنا نص التحقيق: "فوق تلة مرتفعة تشرف على هضبة الجولان، كان الهوائي العالي وقباب تشبه في شكلها كرات الغولف داخل محطة استطلاع اسرائيلية موجهة بزاوية شمالية- شرقية نحو دمشق. في الوادي الأسفل تشكل حقول الالغام والأسلاك الشائكة وعلم الأمم المتحدة الخط الأمامي بين أقوى جيشين في الشرق الأوسط. في الخلف هناك دولة تعاني آلام حرب أهلية. على مدار الساعة، وفي مستحكمها على جبل (يسميه الاسرائيليون)أفيتال تتنصت الوحدة الاسرائيلية 8400 على سوريا، وهي معقل استقرار سابقا ينهار الآن ومعه الثوابت القديمة حول المنطقة. ومن السهل مراقبة الاتصالات لفرقة مدرعة أو متابعة سرب من طائرات "ميغ"، لكن الاصعب هو فهم الحسابات في رأس بشار الأسد. وقال ضابط استخبارات محترف في تل أبيب: "من الأسهل متابعة حركات الدبابات". أورا بيريتز تعيش في كيبوتس أقيم عندما احتلت اسرائيل مرتفعات الجولان عام 1967 وتدير مقهى يبيع الكرز والقهوة والمشروبات الباردة. قالت: "نحن نرى اشياء فظيعة على التلفزيون حول ما يحدث في سوريا. لكن الوضع هادئ هنا. الناس يقولون إن الأسد قد يحاول القيام بعمل يائس. لكنني أعلم أننا مستعدون إذا فعل ذلك". إن المخاطر المحيطة بتفكك سوريا ليست مصدر القلق الوحيد لاسرائيل. ففوز محمد مرسي وهو من الإخوان المسلمين الشهر الماضي في انتخابات الرئاسة المصرية والخوف من اضطرابات في الأردن أثارا تساؤلات مزعجة حول معاهدات السلام مع الدولتين اللتين لهما حدود مباشرة مع اسرائيل. وفي لبنان، الجار الثالث، يعتبر حزب الله حليف إيران وسوريا اللتين تقومان بتسليحه- تحديا دائما لهيمنة اسرائيل الإقليمية. وعلاقات اسرائيل التي كانت وثيقة مع تركيا في حالة دمار. والطرح الاسرائيلي هو عدم الرضا عن التعبير الرومانسي "الربيع العربي". والإشارة هنا هي أكثر لطهران 1979 منها لبرلين 1989. وفي المكاتب الحكومية يستخدم تعبير مفضل أكثر وهو "الصحوة" أو "الاضطرابات" ببساطة. السياسيون يستخدمون بالفعل تشبيهات بين حين وآخر، لكنه تشبيه يثير مزيدا من القشعريرة. وقال روني بار- أون، رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست الاسرائيلي: "بالنسبة الينا إنه شتاء إسلامي". وكانت الصورة القاتمة لمعسكر اوشفيتش النازي فوق رأسه تذكارا بأن ما يقلق الإسرائيليين ما يزال واردا. ويحب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الليكودي وصف الشرق الأوسط بأنه "جوار صعب". وقارن وزير دفاعه ايهود باراك اسرائيل "بفيلا في الغابة"- وهو تعبير يوحي بالاستعمارية والعنصرية. وخلال الاشهر الأخيرة حذر الاثنان من خطر تحول إيران إلى قوة نووية، وألمحا إلى ضربة وقائية لوقف هذا التحول- والمحافظة على التفوق النووي الاسرائيلي. لكن التطورات الأقرب إلى اسرائيل مثيرة للقلق بالفعل. فعلاقات اسرائيل مع العالم العربي ووضعها الاستراتيجي في الشرق الأوسط وصلا الى "مرحلة متدنية جديدة"، بكلمات إيتامار رابينوفيتش، وهو مؤرخ بارز للشرق الأوسط وسفير سابق في الولايات المتحدة. وفي وزارتي الخارجية والدفاع الاسرائيليتين يعترف المسؤولون أنهم فوجئوا بالأحداث. ولم تكن تونس النائية محل اهتمام منذ أن عاد ياسر عرفات بمنظمة التحرير الفلسطينية من هناك إلى غزة والضفة الغربية في اعقاب اتفاق اوسلو عام 1993. وليبيا بعيدة أيضا. أما مصر وهي أكبر دولة عربية والأولى التي عقدت سلاما مع اسرائيل، فهي قصة أخرى. وقال مسؤول رفيع في اسرائيل :"عندما سقط مبارك ذهل العرب، وكذلك نحن". وعندما كان العالم كله يراقب دراما ميدان التحرير العام الماضي تحسر بنيامين بن إليعيزر، وهو وزير دفاع سابق من حزب العمل، على مبارك بل وعرض عليه اللجوء في اسرائيل. وكان ذلك إثباتا للمصريين الغاضبين على تواطؤ مبارك في حصار غزة، وصمته خلال الحرب الاسرائيلية على القطاع عام 2009 واعتبارهم العهد البائد على أنه في الجانب "الخطأ" من التاريخ. وأعقب ذلك ردود فعل عصبية. ففي أيلول (ستمبر)، وبعد أن قتلت القوات الاسرائيلية خمسة جنود مصريين أثناء ملاحقة مسلحين فلسطينيين، اقتحم جمهور مصري سفارة اسرائيل في القاهرة واضطرت اسرائيل لإجلاء موظفي السفارة المذعورين. ورددت صحيفة عبرية ما ورد في التوراة عن 10 لعنات :"الظلام يحل على مصر"، عندما تغلب مرسي على رئيس الوزراء السابق في عهد مبارك، احمد شفيق. من الناحية العلنية كان رد الحكومة خافتا. وعلى انفراد فإن المسؤولين الاسرائيليين لديهم مخاوف على المدى الطويل من أن يعزز الإسلاميون وضعهم في العلاقة مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة. حتى الآن فالعلاقات مع الجيش المصري والاستخبارات المصرية ما تزال فعالة. ولا أحد يتوقع أن يتم إلغاء معاهدة 1979، على الأقل لأن ذلك يهدد المساعدة الأميركية البالغة 1,3 مليار دولار لدعم الجيش المصري الممقدمة من الولايات المتحدة، رغم أنه قد تظهر محاولة لإعادة التفاوض على بنودها العسكرية. وسيكون من الصعب من الآن فصاعدا تجاهل الرأي العام المصري. وهناك مشاكل أخرى تحوم في الأفق. ويوجد قلق بشأن شبه جزيرة سيناء حيث يقول الاسرائيليون أن جماعات سلفية متطرفة تمارس نشاطها. والهجمات على أنابيب الغاز اصبحت روتينية، وكذلك تهريب الأسلحة من السودان وليبيا إلى "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في غزة. وبالنسبة الى اعداء اسرائيل من الفلسطينيين فالصحراء المتسيبة أمنيا توفر عمقا مفيدا. وقال مسؤول أمني كبير:"عندما أجرينا تقييمنا الشامل للتهديدات في المنطقة قبل ثلاث سنوات، لم نذكر مصر إلا بشكل عابر. وهي ليست تهديدا الآن، لكن هناك الكثير من علامات الاستفهام". في الشرق يشكل الأردن مصدرا جديدا للقلق. فمعاهدة السلام الموقعة عام 1994 مع اسرائيل حيوية بالنسبة الى المملكة المدعومة من الغرب، لكنها لم تحظ يوما بالشعبية. وخلال العام العاصف الماضي واجه الملك عبد الله الثاني المزيد من المشاكل مع قبائل شرقي الأردن الموالية تقليديا للعرش، أكثر مما واجهه مع الفلسطينيين المتململين. وإذا سقط الأسد، فمن المحتمل أن تزداد التوترات في الأردن وسيتشجع الإخوان المسلمون هناك. والمعاهدة آمنة حتى الآن، وفقا لمئير داغان، آخر مدير للاستخبارات الاسرائيلية (موساد) والحريص على العلاقة الخاصة مع عمان. وقد بالغ وزير الخارجية الاسرائيلية أفيغدور ليبرمان عن حدوده ليطمئن الأردن بأن لا صحة للأشاعات القائلة بأن اسرائيل تخطط لتحويله إلى "وطن بديل" للفلسطينيين من أجل الاحتفاظ بالضفة الغربية إلى الأبد. وإذا كان ذلك يضيف للصورة المزعجة، فإن المخاطر تختلف عما كانت عليه في الماضي، وفقا للخبراء. وقال آشر سوسر من جامعة تل أبيب:"في الخمسينات والستينات كان الاسرائيليون قلقين من القوة العربية-بأننا سننهزم أمامهم وبسبب أسلحتهم السوفياتية. الآن نخشى تداعيات الضعف العربي". في أيار (مايو) الماضي مثَل يوم النكبة- الذي صادف ذكرى خسارة فلسطين عام 1948- زحف المئات من الفلسطينيين عبر حدود الجولان التي كانت محروسة بشدة في العادة من القنيطرة، تحت هوائيات جبل أفيتال. وكانت المرة الاولى التي يتم فيها انتهاك ذلك الخط منذ ثلاثة عقود، وهو انحراف ظاهر بالنسبة الى الأسد المحاصر. والتسرب الممكن أو سرقة الأسلحة الكيماوية السورية، أو ظهور إرهاب جديد على نمط "القاعدة"، هما مما يسبب الصداع للاسرائيليين. وهناك اعتراف في المؤسسة العسكرية بان المصلحة الاسرائيلية التقليدية في استقرار النظام والجيش السوريين كانت ضيقة، وأن فهم رواية "قوة الشعب العربي" يتطلب تغييرا في عملية التركيز. وكتب عاموس هاريل مراسل صحيفة "هآرتس" الليبرالية اليومية: "عندما كانت الأنظمة من حولنا دكتاتوريات إلى حد يزيد أو ينقص، كان كل ما على الجيش الاسرائيلي و(موساد) فعله هو التركيز على الرجل في أعلى الهرم أو المجموعة الصغيرة من الجنرالات والمستشارين المحيطين به. ميدان التحرير غيّر هذا كله. فجاة أصبحت أجهزة الاستخبارات تتحدث عن شعوب بأكملها، وعن الرأي العام وشبكات التواصل الاجتماعي". ويعتقد مناحيم كلاين وهو عالم سياسي في جامعة بار ايلان ان الربيع العربي دفع اسرائيل لدرجة اعمق في "عقلية حصن" دفاعية في وجه احداث تراها بمثاية اخطار وجودية اكثر مما تعتبرها ظروفاً خلقت جزئيا من جانبها، خصوصا بمواصلتها بناء مستوطنات غير قانونية في الضفة الغربية والقدس الشرقية. ومنذ 12 عاما، منذ انهيار محادثات كامب ديفيد والانتفاضة الثانية، حدث استعصاء في ما يتصل بالقضية الكامنة في قلب الصراع العربي-الاسرائيلي. اذ تقول حكومة نتنياهو انها سترفض التفاوض مع حكومة وحدة وطنية فلسطينية تضم حركة "حماس" الاسلامية التي ترفض التخلي عن المقاومة المسلحة او ان تعترف رسميا بالدولة اليهودية. ومنظمة التحرير الفلسطينية مصممة على عدم اجراء محادثات ما دام الاستيطان مستمراً. ولذلك يبدو تحقيق حل الصراع على اساس دولتين اقل واقل رجحاناً. والسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس والتي اوجدت بموجب اتفاق اوسلو ما زالت تحكم في رام الله ولكنها ليست محصنة من رياح التغيير. ومنظمة التحرير الفلسطينية المفتقرة للمال والمتعاونة بصورة وثيقة امنياً مع اسرائيل يتهم اعداؤها رئيسها بـ"التعاون" - وهي ايضا تواجه انشقاقات في الداخل. ويقول كلاين: سيكون من الخطأ ترك الفلسطينيين خارج صورة الربيع العربي. ان كابوس اسرائيل هو ان ينهار عباس وتتولى حماس زمام الامور. لن افاجأ اذا سقط. لم نكن نعتقد ان الاسد او مبارك سيسقط" ولا احد يتوقع احياء عملية السلام في اي وقت قريب. ويتنبأ شلومو افنيري، المدير العام السابق لوزارة الخارجية (الاسرائيلية) انه "في المستقبل المنظور، وبغض النظر عما يحصل في انحاء المنطقة، لن تكون هناك اي مفاوضات اسرائيلية - فلسطينية ذات معنى". ويقول دبلوماسيون غربيون ان افضل امل هو "التسكع عبر هذه الفترة" الى ما بعد الانتخابات الاميركية في تشرين الثاني (نوفمبر) والامل بعدم اندلاع انتفاضة جديدة. وسيكون جزء من ثمن هذا الجمود افول مبادرة السلام العربية التي عرضت سنة 2000 وتالتي عرضت فيها الدول العربية الـ21 كلها - والملفت انها فعلت ذلك بالرغم من تاريخ الصراع - الاعتراف باسرائيل مقابل تسوية عادلة للقضية الفلسطينية. ويحذر غلعاد شير وهو مفاوض اسرائيلي سابق بان "المبادرة العربية لم تعد ذات صلة في الواقع". ويضيف: "ما من حكومة اسرائيلية وجدت انها مثيرة للاهتمام الى درجة تستدعي مناقشتها. وهذا مؤسف. والآن لا نعلم من سيكون جالسا في الغرفة. من سيمثل سوريا او ليبيا؟ من هم ممثلو الفلسطينيين - منظمة التحرير الفلسطينية ام حماس".ويقول توم سيغيف وهو مؤرخ وصحافي اسرائيلي ان "بيبي نتنياهو تمكن من ايجاد انطباع بانه لا يوجد شريك سلام اسرائيلي وان كل شيء على ما يرام. الاسرائيليون يميلون الى عدم التفكير في العرب كاناس وانما كاعداء...".