اهود اولمرت يهرب ولا يتبين الى أين الى الآن، لكن كلامه أمس باسم "المسؤولية الوطنية" ليس فسادا وطنيا فقط بل هربا من المجابهة التي دعا اليها طوال سنين. لم يعدنا أحد بجنة ورد في القدس. ان هذه المدينة التي هي جوهر هويتنا، هي من شأن من يحسنون التصرف، لكن اولمرت تعب وضعف. وكلامه أمس في صحيفة "معاريف" الذي أيد فيه تقسيم القدس ومصالحة على المدينة القديمة وجبل الهيكل يوحي بالذعر والاستسلام. يصعب ان نصدق ان الرجل الذي صاحب حي غيلو الذي استهدف للسلاح الخفيف من بيت جالا المجاورة مدة اربع سنين، أصبح مستعدا اليوم لادخال أحياء يهودية اخرى في خطر مشابه هي هار هتسوفيم والتلة الفرنسية قرب العيسوية وتلبيوت الشرقية قرب جبل المكبر أو بسغات زئيف قرب بيت حنينا. لا يوجد احتمال حقيقي لأن تستطيع اسرائيل منع نقل سلاح خفيف الى هذه الأحياء العربية التي سيتم تسليمها الى الفلسطينيين كما لم تنجح في الحقيقة في منع هذا من العصابات المسلحة في بيت جالا. لم يُحدث اولمرت الجمهور عما حدث حينما قُسمت القدس مرة في 1948 وذاك ان ربع سكانها اليهود هجروها لأنهم لم يكونوا مستعدين للعيش في مدينة مقسمة. ولا يكشف ايضا عما حدث مع تقسيم صغير في مطلع سنوات الألفين حينما اقتطع جدار الفصل في شمالي المدينة بالفعل أجزاءا من القدس السيادية، وصوت 70 ألف فلسطيني بأقدامهم وانتقلوا للسكن في الجانب الاسرائيلي من الجدار كي لا يبقوا فقط في الجانب الفلسطيني. لن ينشيء التقسيم هنا فوضى امنية وسكانية فحسب بل قد يعرض للخطر ايضا حرية عبادة اليهود والنصارى في المدينة. فسمعة المسلمين سيئة جدا في هذا المجال وانظر فيما تقوله الموسوعات عن جبل الزيتون وقبر يوسف وقبر راحيل أو الكنيس في غوش قطيف. وسيتضرر النسيج البلدي تضررا بالغا ايضا. وقد أوضح اولمرت نفسه في الماضي ان التقسيم سيجعل هذا النسيج "جحيما". وعبر بذلك عن حقيقة انه برغم وجود فروق في الاستثمارات بين الشرق والغرب، فان الأحياء اليهودية والعربية متصل بعضها ببعض ومرتبط بعضها ببعض وان الفصل بينها سيسبب معاناة لا توصف للسكان اليهود والعرب سواءا. صحيح أننا "لم نُصلِ متجهين الى جبل المكبر والعيسوية" يا سيد اولمرت، لكننا من جهة ثانية لم نُصلِ متجهين الى تل ابيب واستاد تيدي. لكن هذا ليس سببا لتسليمهما الى الفلسطينيين. ولا تُرفع المظلمة بمظلمة أكبر هي حماقة التقسيم. وشيء آخر وهو ان الشعب لا يبيع روحه من اجل السلام وان جبل الهيكل هو القلب والروح، أو كما عرفته أنت يا سيد اولمرت ذات مرة تعريفا جيدا بقولك: منْ تخلى عن جبل الهيكل قال في واقع الامر: ليست لي حقوق في أي مكان آخر في ارض اسرائيل.